هل يمكن لترامب إعادة كتابة التاريخ بفصل روسيا عن الصين؟ العلاقة التاريخية – وكيف بدأ كيسنجر عام 71 تغيير الخريطة الجيوسياسية؟؟ وعلاقة الصين بعد الزيارة مع روسيا؟وما تأثير ذلك على الغرب اقتصاديا وعسكريا؟ وهل بالفعل قررت أمريكا والغرب تفتيت روسيا؟؟ أم التخلص من بوتين؟.
بعد أكثر من نصف قرن، يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تفكر في معادلة مشابهة، ولكنها معكوسة، من خلال ما يسمى سياسة “عكس كيسنجر” (Reverse kissinger)، إذ يحاول ترامب خلال ولايته الثانية إبعاد روسيا عن التحالف مع الصين، وإعادة احتوائها في منظومة علاقات جديدة مع الولايات المتحدة، من خلال تسوية للحرب في أوكرانيا يبدو أنها تنحاز -نوعا ما- إلى روسيا في رأي بعض المراقبين. ومؤخرا قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بعبارات صريحة، إن على الولايات المتحدة “إقامة علاقة مع روسيا بدلًا من تركها تعتمد كليًا على الصين”.
فما الذي تغير خلال 5 عقود ليجعل من فكرة ترامب مغامرة مستحيلة وقراءة خاطئة لمقتضيات الجغرافيا السياسية لكل من روسيا والصين؟
خيال استراتيجي أم مقامرة خطيرة؟
يتطلع بعض الاستراتيجيين في واشنطن إلى تكرار ما يعتبرونه “كيسنجر التقهقري”، من خلال محاولة فصل موسكو عن بكين لإضعاف المحور الروسي-الصيني.
ويعكس ذلك رغبة في تقويض التنسيق المتنامي بين القوتين الأوراسيتين، خاصة مع تصاعد التنافس الأمريكي مع الصين.
ودعا غولدنشتاين، مدير قسم الشؤون الآسيوية في مؤسسة “أولويات الدفاع” البحثية الأمريكية في مقاله بموقع مجلة “ناشيونال إنترست“، إلى تبني نهج أكثر واقعية واستقراراً يسميه “كيسنجر المزدوج”، أي تحسين العلاقات مع كل من روسيا والصين في الوقت ذاته، بدلاً من التحالف مع إحداهما لمواجهة الأخرى.
واستعرض الكاتب دبلوماسية هنري كيسنجر في السبعينيات، والتي قادت إلى التقارب الأمريكي الصيني، تزامناً مع فتح قنوات خلفية للتفاوض مع الاتحاد السوفيتي، لإبعادهما عن بعضهما بعضاً.
وأشار إلى أن مناورات كيسنجر لم تكن قائمة على خيار ثنائي بين القوتين، بل على توسيع هوامش المناورة الدبلوماسية الأمريكية.
وفي السياق المعاصر، يرى غولدنشتاين أن مثل هذا النهج المتوازي ليس ممكناً فحسب، بل ضرورياً لتفادي حرب باردة جديدة.
ولفت الكاتب النظر إلى تصريحات وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي أبدى تشككه في نجاح الولايات المتحدة في فصل روسيا عن الصين، نظراً لاعتماد موسكو المتزايد على شراكتها مع بكين، وأعرب عن قلقه من تقارب قوتين نوويتين ضد الولايات المتحدة، في مشهد يعيد إلى الأذهان تحالفات الحرب الباردة.
ورغم أن الرئيس دونالد ترامب أبدى انفتاحاً على تحسين العلاقات مع روسيا، فإن إدارته في الوقت ذاته عززت التوتر مع الصين من خلال تصعيد وجودها العسكري في المحيط الهادئ واستمرار الحرب التجارية.
ويعكس هذا النهج، بحسب الكاتب، رؤية “أحادية التركيز” تعتبر الصين التهديد المركزي وتدعو إلى تقليص الالتزامات الأمريكية في أوروبا والشرق الأوسط لصالح احتواء بكين.
العلاقة الصينية-الروسية
ويقرّ غولدنشتاين بأن روسيا والصين نسجتا علاقة استراتيجية عميقة على مدار العقود الثلاثة الماضية، لكنها ليست تحالفاً رسمياً.
فرغم وجود تدريبات عسكرية مشتركة وتعاون دبلوماسي واقتصادي، تفتقر هذه العلاقة إلى قيادة عسكرية موحدة أو اتفاقيات دفاع ملزمة.
ويعتقد الكاتب أن روسيا ترغب في تعميق هذا التحالف، لكن التردد يأتي من الجانب الصيني، إذ تدرك بكين أن إقامة تحالف عسكري علني مع موسكو قد يدفع واشنطن إلى نهج عدائي شامل، وربما يشعل شرارة “حرب باردة جديدة”، وهو ما تسعى الصين لتجنبه.
لكن التحذير الأهم يكمن ، في أن هذا التردد الصيني قد يختفي إذا تبنّت واشنطن استراتيجية عدائية واضحة سواء من خلال تصعيد سباق التسلح في المحيط الهادئ أو دعم الاستقلاليين في تايوان أو فرض حواجز تجارية صارمة.
وحينها، قد تتحول العلاقة الروسية-الصينية إلى تحالف حقيقي، يهدد المصالح الأمريكية في ميادين حيوية مثل الفضاء النووي والتكنولوجيا البحرية.
نموذج كيسنجر الأصلي
تحركات كيسنجر الأصلية .. في عام 1971، حلّقت طائرة تحمل مستشار الأمن القومي الأميركي، هنري كيسنجر، متجهةً نحو بكين، في رحلةٍ سرية غيّرت مسار التاريخ. حينها، كانت الصين الشيوعية في عزلة دولية، تخوض نزاعات حدودية دامية مع حليفها السابق، الاتحاد السوفياتي.
أدرك كيسنجر أن ثمة فرصة ذهبية لأميركا يمكن من خلالها اختراق المعسكر الشيوعي وتغيير توازنات الحرب الباردة بشكل جذري.
مهّدت تلك الزيارة السرية لزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون التاريخية عام 1972، التي فتحت باب الاعتراف الأميركي بالصين ومحاولات احتوائها ضمن نظام عالمي تسيطر عليه الولايات المتحدة.
أن زيارة نيكسون التاريخية إلى بكين عام 1972 لم تكن منفصلة عن زيارة لاحقة لموسكو في العام نفسه. فبعد الانفتاح على الصين، التقى نيكسون بالزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف، مما أدى إلى توقيع معاهدات بارزة مثل SALT I وABM، اللتين أرستا قواعد ضبط التسلح بين القوتين العظميين لعقود لاحقة.
تلك الإنجازات لم تأتِ من انتهاج سياسة الاصطفاف، بل من تطوير علاقات موازية مع كل من بكين وموسكو، في وقت واحد. هذه الرؤية المرنة هي ما يفتقر إليه الخطاب الأمريكي الحالي، بحسب غولدنشتاين، الذي يدعو إلى استعادة روح “الانفراج” بدلاً من العودة إلى ذهنية الحرب الباردة.
كيسنجر المزدوج
التحديات المعاصرة – مثل الانتشار النووي والنزاعات الإقليمية والتغير المناخي والأزمات الاقتصادية – تستدعي سياسة خارجية أكثر براغماتية وأقل عدوانية، مثل استراتيجية “كيسنجر مزدوج” يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة للتعاون مع كل من روسيا والصين، بدلاً من مواجهتهما دفعة واحدة.
وقال الكاتب إن موسكو وبكين طالما أظهرتا رغبة في نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على التعامل البراغماتي مع واشنطن، لا المواجهة الأيديولوجية. وإذا ما أحسنت الولايات المتحدة استغلال مثل هذا المناخ، يمكن أن يثمر عن تقدم في ملفات ضبط التسلح والأمن الإقليمي واحتواء الأزمات.
وأضاف أن من شأن هذا النهج أن يسمح لواشنطن بتحويل مواردها من سباقات التسلح إلى التحديات الأكثر إلحاحاً داخلياً وعالمياً، وعلى رأسها الابتكار الاقتصادي وحماية البيئة.
خطة ترامب للتفريق بين الصين وروسيا
لم يكن ترامب أول رئيس أميركي يسعى لاحتواء روسيا وتقليل حدة عدائها للغرب عبر تقديم إغراءات اقتصادية ودبلوماسية مقابل تحجيم حضورها كقوة عالمية منفردة، لكن هذه الخطط كانت مصيرها دائما هو الفشل.
ففي الأشهر التي سبقت غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، سعى بايدن إلى “ترميم” العلاقات الثنائية مع موسكو من خلال إقامة حوار حول الاستقرار الاستراتيجي خلال اجتماعه مع بوتين في يونيو/حزيران 2021. في الاجتماع، وصف بايدن روسيا بأنها “قوة عظمى” لتهدئة مخاوف موسكو من معاملتها كشريك أصغر للصين.
لكن روسيا، بحسب تحليل معهد “ستراتفور”، اعتبرت ذلك دليلا على ضعف واشنطن وتراجع قوتها، وقدّر الكرملين لاحقاً أن الولايات المتحدة، بغض النظر عن الحزب الذي يتولى الرئاسة، ستعود على الأرجح في النهاية إلى فكرة “إعادة ضبط” العلاقات مع روسيا للأسباب الاستراتيجية نفسها. ومن المرجح أن ثقة الكرملين بهذا التقييم طمأنت بوتين عندما أصدر الأمر بغزو أوكرانيا، إذ كان يعلم أنه من شبه المحتوم أن تسعى الإدارة الأميركية القادمة إلى تحقيق انفراج في العلاقات مع موسكو، مما يعني أن أي رد أميركي أولي سيكون قصير الأمد، وبالتالي غير قادر على كسر عزيمة الروس.
يحاول ترامب مرة أخرى تقديم الحوافز التجارية والاقتصادية لموسكو من قبيل الوعد برفع العقوبات الاقتصادية، والتعاون في مجال المعادن النادرة، والتنقيب في القطب الشمالي وغيرها، لكن هذه الحوافز كلها تكشف لبوتين نقطة ضعف إدارة ترامب الرئيسية، وهي عدم رغبته في الانخراط في هذه الحرب وغياب الإيمان بمبرراتها أو بأولوية خوضها.
لم يتمكن الغرب من دحر الغزو الروسي ولا إقناع القيادة الروسية بالفشل.، وبدأت الخلافات تضرب عمق التحالف الغربي حول حدود الدعم الذي يجب تقديمه لأوكرانيا وجدوى استمرار الحرب، مما يعطي بوتين دفعة معنوية هائلة للاستمرار في حربه، بصرف النظر عن تجاوبه الحذر والتكتيكي مع دعوات التفاوض، حتى لو أسفرت عن اتفاقات هدنة محدودة.
ومؤخرا نقلت “وول ستريت جورنال” عن “مصادر مطلعة” أن الرئيس الأميركي أخبر قادة أوروبيين، في اتصال هاتفي، أن الرئيس الروسي ليس مستعدا لإنهاء الحرب، لاعتقاده بأنه في موقع المنتصر.وترامب ليس مستعدا للفشل في تحقيق وعوده والظهور بمظهر الضعيف أمام بوتين
المصدر: مواقع إلكترونية