في ظل أزمة اقتصادية مستمرة منذ عام 2019، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني قراراً برفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 28 مليون ليرة لبنانية (312 دولاراً أمريكياً) شهرياً، بدءاً من أغسطس 2025. القرار، الذي جاء بعد نقاشات مطولة مع الهيئات الاقتصادية ولجنة المؤشر، يهدف إلى تخفيف الضغط على العاملين في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، لكنه أثار جدلاً واسعاً حول استدامته وقدرته على مواجهة التحديات الاقتصادية العميقة. فهل يمثل هذا القرار خطوة إنقاذية أم مجازفة قد تُفاقم الأزمة؟
لبنان يعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق، حيث تقلّص الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 54 مليار دولار في 2018 إلى نحو 18 مليار دولار في 2024، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. التضخم المفرط وتدهور قيمة الليرة اللبنانية أديا إلى تآكل القدرة الشرائية، مع ارتفاع تكاليف المعيشة إلى مستويات قياسية. في هذا السياق، يعتمد الاقتصاد بشكل كبير على السياحة (25% من الناتج المحلي) وتحويلات المغتربين، لكن هذه الروافد تبقى عرضة للتقلبات الإقليمية، كما أظهرت الحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران في 2025 التي أضرت بموسم السياحة.
وفقاً لتصريحات الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب للجزيرة نت، فإن قرار رفع الحد الأدنى للأجور إلى 28 مليون ليرة يخصّ العاملين في القطاع الخاص فقط، ولا يشمل موظفي القطاع العام الذين استفادوا من زيادات سابقة رفعت أجورهم إلى حوالي 400 دولار. القرار، الذي أُقرّ في أبريل 2025 بموافقة الهيئات الاقتصادية، لا يتطلب تمويلاً مباشراً من الخزينة العامة، مما يخفف العبء عن الدولة مؤقتاً. ومع ذلك، يشير أبو دياب إلى أن لجنة المؤشر ستعاود الاجتماع في سبتمبر وأكتوبر 2025 لتقييم إمكانية زيادات إضافية إذا تحسنت الدورة الاقتصادية.
الإيجابيات
تخفيف الضغط الاجتماعي: الزيادة تهدف إلى تحسين القدرة الشرائية للعاملين في القطاع الخاص، حيث أصبح الحد الأدنى السابق (9 ملايين ليرة) غير كافٍ لتغطية الاحتياجات الأساسية.
تقليص الفجوة بين القطاعين: القرار يسعى إلى تحقيق عدالة نسبية بين أجور القطاعين العام والخاص، مما قد يعزز استقرار سوق العمل.
تحفيز الإنفاق: زيادة الأجور قد تدعم الاستهلاك المحلي، مما يفيد القطاعات التج @ الخدمية، خاصة في ظل توقعات بموسم سياحي واعد قبل التوترات الإقليمية الأخيرة.
التحديات
غياب التمويل المستدام: الدكتور نبيل سرور، الباحث الاقتصادي، يحذر من أن الخزينة اللبنانية تعاني من عجز مزمن، حيث تراجعت الإيرادات العامة إلى 35-40% من مستوياتها قبل الأزمة. دون تحسين الجباية الضريبية والجمركية، قد تصبح الزيادات عبئاً غير مستدام.
التضخم المستمر: الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان يشير إلى أن الزيادة، رغم أهميتها، تبقى متأخرة وغير كافية، حيث تشير دراسات إلى أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يصل إلى 900 دولار ليتناسب مع تكاليف المعيشة. التضخم قد يبتلع هذه الزيادة سريعاً.
ضغط على القطاع الخاص: الهيئات الاقتصادية أعربت عن قلقها من تكاليف إضافية مثل تعويضات نهاية الخدمة، مما قد يدفع بعض الشركات إلى تسريح عمال أو تقليص استثمارات.
بالتوازي مع رفع الأجور، أقرّت الحكومة مشروع قانون معجّل لتعديل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بهدف جذب استثمارات خاصة في قطاعات حيوية مثل الكهرباء، المياه، والاتصالات. أبو دياب يوضح أن القانون، الذي أُعدّ في 2017، يحتاج إلى تعديلات تشريعية لتفعيل المراسيم التطبيقية، مما قد يساهم في تمويل القطاعات الإنتاجية. لكن أبو سليمان يشدد على ضرورة وجود إطار قانوني شفاف وآليات رقابة صارمة لتجنب الهدر والفساد.
السياحة وتحويلات المغتربين شكّلا العمود الفقري للاقتصاد اللبناني منذ 2022، مع توقعات بإيرادات سياحية تصل إلى 5-6 مليارات دولار في 2025. لكن الحرب القصيرة بين إسرائيل وإيران، واستمرار التوترات الإقليمية، أثرا سلباً على توافد السياح، خاصة من دول الخليج. أبو دياب يؤكد أن استمرار الهدنة وتطبيق القرار 1701 هما شرطان أساسيان لتحقيق هذه التوقعات.