هنية شهيد ورجل صالح.. ولكن الطريق غير صالح!
بقلم: مضر أبو الهيجاء
استشهد بالأمس رجل نحبه ويحبنا وندعو له وكان يدعو لنا، نحسبه شهيداً ورجلاً صالحاً تقياً نقياً كما عرفناه ولا نزكي على الله أحداً.
إن استشهاد الأخ القائد أبو العبد إسماعيل هنية سبب في زيادة أحزاننا وآلامنا، وهو مساوٍ لحزننا على من يستشهد كل ساعة على أرضنا المباركة فلسطين سواء في غزة أو القدس أو الضفة أو فلسطين 48، كما أنه مساوٍ لأحزاننا وآلامنا الكثيرة والعميقة لمن يعدمون كل يوم في العراق العظيم أو يقصفون ويقتلون غيلة في الشام الكريم، أو من يموتون بصمت في اليمن الحزين أو من يتلفون ويذوبون في سجون الظالمين في مصر والخليج دون أن يعلم بحالهم أحد الّا الله.
لكن اغتيال رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في الخارج وهو على رأس مشروع المقاومة، ورحى الحرب دائرة له دلالات سياسية خطيرة سأتناول منها ثلاث دلالات سياسية ورابعة منهجية.
الدلالة السياسية الأولى:
إنهاء دور حماس السياسي.
إن القرار الأمريكي الإسرائيلي بقتل واغتيال رأس حركة المقاومة الإسلامية حماس خارج فلسطين باعتباره القائد السياسي للحركة والذي ليس له ارتباط مباشر بالأعمال القتالية ولم يكن له علم بعملية 7 أكتوبر، كما أنه ليس له تدخل في إدارة الميدان وهو لم يكن يوما جزءاً من المكون العسكري لكتائب القسام، بل هو داعية وأقرب إلى الحالة المشيخية الوعظية، إن كل ما سبق يشير إلى قرار أمريكي دولي بتهشيم وتفكيك مكون حركة حماس السياسي وانهاء دوره وفاعليته في المرحلة القادمة عداك عن التفتيت الجاري على قدم وساق لسحق وإعدام المكون القتالي والجسم العسكري -لا سمح الله-، وهي نتيجة متوقعة للمسار الفلسطيني القاصر في التعامل السياسي مع القضية الفلسطينية، الأمر الذي يوجب على الأمة ونخبها إنقاذها وإخراجها من فضائها القطري إلى فضاء الأمة، كما يوجب انهاء حصرية الأيدي الفلسطينية في قيادتها وإدارتها، بل للأمة حق بالمشاركة الكاملة في الرؤية والقرار والإدارة لأهم قضية معاصرة تخصها وتؤثر عليها وتنعكس على أوضاعها في جميع المناحي، ومآلات الثورات العربية في مصر والشام والعراق من قبلها خير شاهد ودليل على هذا المعنى وتلك الحقيقة التي تعامينا عنها جميعا كعرب وفلسطينيين، وقد قدمت فيما سبق ورقة ومقترحاً في هذا الشأن قبل أن تقع الواقعة وتتلف القضية الجامعة تحت عنوان «انشاء الهيئة الإسلامية العليا لإنقاذ فلسطين» و«إنشاء المؤتمر الشعبي العربي والإسلامي لنصرة ودعم الأقصى وفلسطين».
الدلالة السياسية الثانية:
إيران هي السيّد في المسألة الفلسطينية والراعية للقضية.
من نافلة القول أن وجود المكون القيادي لحماس في قطر هو ضمن الرؤية الأمريكية المدركة والواعية، وقد صرح بهذا وزير خارجية قطر السابق عدة مرات، كما أكده بتصريحه الدكتور موسى أبو مرزوق خلال حرب 7 أكتوبر، وذلك في مواجهة ما شاع وتردد من ضغوط الإدارة الأمريكية على قطر وإحراجها لإغلاق مكاتب الحركة وإخراج قياداتها أو تجميد أعمالها.
ومن البديهي أن إمكانية التخلص من بعض أو كل قيادة حماس في قطر أمر في المتناول سواء بطريقة الاغتيال المباشر أو ببساطة بإغلاق مكاتب حركة حماس جميعها، فلماذا تقرر إسرائيل وتوافق أمريكا على اغتيال قائد حماس السياسي في طهران وليس في قطر أو تركيا؟
كنت قد أشرت في مقالات سابقة إلى أن ارتباط حركة المقاومة الإسلامية حماس -كما حركة الجهاد الإسلامي- بالمحور الإيراني ودوام الارتباط هو نتيجة رؤية مشتركة إيرانية أمريكية، فمن جهة ايران فان المصلحة واضحة وراجحة التحقق، حيث أشار الخميني فور امتلاكه لإيران الدولة إلى أنه لا يمكن للثورة الإيرانية أن يدوم إشعاعها وتتوسع إقليمياً دون أن يكون لها يد في القضية الفلسطينية، وهي الكبيرة التي اجترحتها قيادة التيار الإسلامي في فلسطين ممثلة بحركتي الجهاد وحماس حين أقبلتا على الارتباط بالمحور والمشروع الإيراني، وما ذلك إلا نتيجة قصور فكري منهجي ونتيجة خلل في التصور السياسي، وكلا الأمرين إشكالية حقيقية ورثتها حركة حماس عن حركة الإخوان المسلمين الأم منذ بداياتها الأولى وقبل وجود دولة الملالي حيث كانت الحركة الأم -ولا تزال نسبيا- قاصرة وضعيفة ومشوشة في فهم المشروع السياسي الطائفي ومترددة في اصدار الحكم عليه، الأمر الذي انعكس ضعفاً على فهم عموم المسلمين وخصوص الحركات الإسلامية الإخوانية -وهذا بحث آخر-، أما من جهة أمريكا التي نقلت الخميني من باريس لطهران بناء على وعيها بقدرة وفاعلية المشروع الإيراني الطائفي في تمزيق دول المنطقة وتفتيت وحدة الأمة من مدخل ثقافي، ولعلمها بأن القضية الفلسطينية هي أصلب قضايا الأمة وهي كلمة السر في وحدتها السياسية المأمولة والمستهدفة من جميع الحركات الإسلامية ورجال الاصلاح منذ زمن محمد رشيد رضا -والذي تزامنت مجلته المنار مع تصاعد الأعمال الصهيونية- وحتى يومنا هذا، وكما أشارت ثورات شعوبنا العربية جميعها بالسبابة نحو الأقصى المبارك، فكان لزاماً على أمريكا ألا تدع مجالاً للمسألة الفلسطينية أن تكون أو أن تعود لحضن أمتها السياسي باعتبارها ستشكل منعرجاً خطراً سينقض غزل وترتيبات الغرب للمنطقة ودولها، ولذلك فإنها غضّت النظر عن الدعم المالي والتدريب والتسليح العسكري للفلسطينيين لتكتمل الصورة وتنتقل فلسطين القضية من فك الحوت إلى بطنه المظلم وبأيدي فلسطينية!
الدلالة السياسية الثالثة:
تركيا السنّية ممنوعة من القيام بدور فاعل في القضية الفلسطينية.
إن اغتيال إسماعيل هنية القائد السياسي لحركة حماس يتطابق في أحد زوايا منطلقاته مع اغتيال فتحي الشقاقي الأمين العام والمؤسس الأول لحركة الجهاد الإسلامي، رحم الله الرجلين نحسبهما شهداء ولا نزكيهما على الله.
لقد قررت إيران التخلص الفوري من فتحي الشقاقي حين أدار وجهه نحو ليبيا، ورغم أنه انتقل إليها بشكل سرّي وجواز واسم حركي، إلا أنها أسلمته للموساد الذي قرر اغتياله فعلمت بذلك المخابرات الليبية فأخرجته على وجه السرعة إلى مالطا ليقتله الموساد على الفور.
ومنذ أن أدرك الشيخ العاروري خذلان حسن نصر الله فتقاتل معه واختصما وخرج من لبنان، ثم ذهب هو والشيخ إسماعيل هنية لطهران للقاء الخامنئي طلباً لدخول إيران في معركة الطوفان بعد بدء المعركة البرية، ففاجأهما بخذلان أكبر من خذلان حسن نصر الله، فقد بدأ التفكير الجدي بأردوغان وتركيا على الأقل في المنحى السياسي الذي يمنع من نحر حماس وغزة ويوقف التغول في الضفة.
نعم لقد بدأ التفكير بالنزوح السياسي نحو تركيا وأردوغان منذ تحقق لحظة الغدر الإيراني بالمقاومة الفلسطينية وتحديداً بحركة حماس التي أدرك بعض قادتها أن إيران قد نحرت الحركة سياسياً من خلال عملية 7 أكتوبر، والتي تلقفتها إسرائيل وطارت بها أمريكا لتقفز بإنجازاتها في المنطقة نحو رؤيتها وللأمام!
لكن تركيا المضطربة داخلياً والمحاطة بالمخاطر خارجياً لم تتلقف تلك الفرصة التاريخية، ولم تكن قادرة على تحمل تبعات معركة تأتي في سياق التوافق الاستراتيجي مع إيران، لاسيما وأحداً من القيادات السياسية الفلسطينية لم يستشرها ولم يهيئها للطوفان الأمريكي القادم لتهديم أركان المنطقة المتوترة والملتهبة أصلاً!
ومع تعاظم وتدحرج آثار المعركة فقد تبين للأتراك أن أمريكا التي تستخدم أداتها القذرة إسرائيل في إنجاز رؤيتها وتذليل العقبات أمام أطماعها، لن تتوقف عند حدود شواطئ غزة بل إن تركيا مستهدفة -وقد أشرت لذلك في عدة مقالات في بداية المعارك، مؤكدا أن حضور البوارج الأمريكية البحرية في بداية المعركة كان هدفه ردع تركيا وليس غزة المستباحة والمستضعفة والمحكومة جغرافيا بمعادلة قاهرة وصعبة.
وما أن صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإمكانية التدخل في المسألة الفلسطينية والصراع مع إسرائيل على غرار تدخله في أذربيجان حتى ارتفعت حواجب الإسرائيليين وتوسعت عيونهم، فيما تقطب حاجبي الأمريكان وضاقت حلقات عيونهم وانطبقت شفاههم، وزاد الخطر مخاطر أخرى عندما دعا الرئيس أردوغان وشخصيات تركية سياسية من أطياف عدة القائد السياسي لحماس إسماعيل هنية للحضور والقاء كلمة في البرلمان التركي بأنقرة على غرار كلمة نتنياهو في الكونجرس الأمريكي.
وبدون شك فإن خطاب هنية في البرلمان التركي إن حدث فانه سيكون بمثابة إنقاذ وإنعاش سياسي لحركة حماس لاسيما بعد مآلات قرار معركة الطوفان على حماس من حيث وجودها ودورها، والحق أن تركيا حتى وإن كان تدخلها العسكري مستبعداً –بسبب تعقيدات علاقتها بالناتو- إلا أن دورها في إنقاذ حماس وفلسطين القضية يجب أن يحضر ويتقدم، وما أخفقت فيه مع الشهيد هنية يمكن أن تحققه مع الشهيد الحي خالد مشعل.
وبكلمة يمكن القول أن قتل إسماعيل هنية كقائد سياسي أول يمثل رسمياً حركة المقاومة الإسلامية حماس يأتي في سياق التقاء إرادتين الأولى أمريكية تهدف لمنع تموضع القضية الفلسطينية في حضن الأمة ومنع تركيا من الولوج للقضية الفلسطينية ومزاحمة إيران المهيمنة والوفية، والإرادة الثانية هي إرادة إيرانية صرفة بالانتقام من إسماعيل هنية تماماً كما انتقمت من فتحي الشقاقي حين ذهب للقائد الليبي معمر القذافي، فاستعجلت وقتلت هنية قبل أن يصل لبرلمان تركيا.
لم يكن القائد الليبي معمر القذافي ولا ليبيا مؤهلين لقيادة وريادة المسألة الفلسطينية بل كان دورهما لا يتجاوز الدعم، على عكس تركيا المؤهلة في حقبة وزمن ووجود القائد أردوغان -وفي ظل تطور صناعاتها العسكرية، وتوسع أحلافها السياسية المعقدة ومكانتها الإقليمية والدولية- لأن تتدخل وتساند بسقف مرتفع في المسألة الفلسطينية، علّها تكون البديل المحمود الذي تتمنّاه الأمة بدلاً من المكوّن والمشروع المذموم المعادي للأمة ممثلاً في إيران، لاسيما وأن مصر العظيمة خرجت سياسياً من معادلة الصراع على يد كيسنجر والسادات، كما أن المملكة العربية السعودية تراجعت عن موقفها السياسي التاريخي المناصر للقضية والمتقدم في مواقفه العربية، وبذلك لم يبق غير تركيا كحامل للقضية ورئة بديلة لحركة حماس والمقاومة وعموم القضية، وهو ما أدركه الإسرائيليون ويعيه الأمريكان، ولذلك فقد هدد الأول أردوغان بمصير صدام حسين الذي شنقته إسرائيل بأيدي ملالي إيران، كما سبق الثاني بأن حرك أساطيله البحرية يوم السابع من أكتوبر في رسالة حقيقية وتهديد لتركيا، لتبقى دوماً في حال خوف وضعف وحيادية وحتى لا ينتقل قولها إلى فعل مفض الى نتائج عملية.
الدلالة المنهجية:
تصحيح التصور نحو المشروع الإيراني وفك العلاقة بين ملالي إيران والمسألة الفلسطينية واجب الوقت.!.
من غير المنصف الإشارة الحصرية لحركة حماس والجهاد الفلسطينيتين بلوثة العلاقة والحلف السياسي مع إيران ومحورها ومشروعها، فالمسألة موروثة في السياق الإسلامي وتراكمية في مناحي أخطائها.
فمنذ أن تجاوزت الحركة الإسلامية الأم في بداياتها ما حذر منه ونبه إليه وكتب فيه العلامة محمد رشيد رضا والعالمين السلفيين محمود وأحمد شاكر والعلامة محب الدين الخطيب والألوسي في التنبيه من الشيعة وأصدروا أحكامهم الواضحة على المشروع الشيعي.. منذ ذلك التجاوز الذي وقعت فيه الحركة الاسلامية وكثير من قادتها وروّادها الأوائل بدأ الخلل الشرعي يتوسع ليصبح خللاً منهجياً ثم يشكل لاحقاً شرخاً سياسياً في الأمة.
وإذا كانت دار التقريب بين الشيعة والسنّة قد تشكلت في زمن الإمام الشهيد البنا، وكان البنا رحمه الله قد التقى العديد من الشيعة المؤيدين للتقريب ومنهم محمد تقي الدين القمي وآية الله الكشاني والسيد مجتبى نواب صفوي والذي دعاه سيد قطب رحمه الله للمشاركة في المؤتمر الإسلامي لتحرير القدس عام 1953وقد قام حينها الصفوي بإلقاء خطاب ثوري دعا المسلمين فيه للوحدة لأجل تحرير القدس وتجاوب مع دعوة الاخوان المسلمين له في القاهرة، وكان صفوي هو الممثل لدار التقريب بين السنّة والشيعة في إيران –علماً بأنه مؤسس حركة فدائيان إسلام التي أنشئت عام 1945 وكان اليد المنفذة لاغتيالات رجال الإصلاح الشيعي بأمر من الخميني كاغتياله لأبي الفضل البرقعي صاحب كتاب كسر الصنم وغيره-.
وإذا كانت قد تداعت فروع الاخوان المسلمين لعمل خطة لإنقاذ السيد الصفوي من سجنه عام 1955-حيث اعتقل بعد محاولته اغتيال رئيس الوزراء الإيراني حسين علاء- كما قام مراقب الاخوان في العراق محمد محمود الصواف مع الشيخ كامل الشريف والشيخ علي الطنطاوي الذي حضر الى العراق من سورية وذهبوا جميعا في زيارة رسمية لرئيس الوزراء العراقي محمد فاضل الجمالي للتدخل وإنقاذ السيد الصفوي قبل أن يعدم فنصحهم بإحضار رسائل من مراجع النجف، وقبل ذلك فقد قام الشيخ مصطفى السباعي مراقب الاخوان في سورية بالتصفيق للصفوي أثناء زيارته لسورية زمن الوحدة حين قال في كلمته الشهيرة كل شيعي اخواني وكل اخواني شيعي!
–(ويذكر أن السباعي تراجع عن موقفه بعد عودته من مؤتمر التقريب بين السنّة والشيعة وصرّح لبعض كبار علماء حمص قائلاً بأنهم يريدوننا أن نصبح شيعة، وهي نفس النتيجة التي وصل لها القرضاوي بعد سبعين عاماً).–
إذا كان هذا قد حصل في زمن نشوء وتوسع حركة الإخوان المسلمين وحملها لهموم الدعوة ورغبتها في تحقيق الوحدة وعدم توقفها كثيراً أمام طرح رشيد رضا ومحب الدين ومحمود وأحمد شاكر وكثير من علماء العراق بمن فيهم عبدالكريم زيدان، وكذلك تأثّراً بتوجه الأزهر الشريف الذي كان يدّرس الشيعة كمذهب ..
فقد آن اليوم لقيادات وروّاد الحركة الإسلامية ودعاتها أن يتوقفوا ويعيدوا النظر والمراجعة وألا يتجاوزوا عمّا تجاوزوا عنه سابقا، وأن يأخذوا بالاعتبار تطور المشروع الشيعي وتبلوره في مشروع سياسي امتلك دولة وسخر كل مقوماتها لهدم الدين وتفتيت شعوب المنطقة ومدّ نفوذ الدولة الايرانية !
إن موقف الشيخ العلامة القرضاوي تجاه إيران والشيعة والذي ختم الله له به حياته فكان ناصحاً للمسلمين ومبينا لهم حقيقة وجوهر المشروع الإيراني، ووهم وعبث فكرة التقريب بين المذاهب معتبراً أن الشيعة والتشيع ليس مذهبا بل هو دين مخالف حتى لو تقاطع في بعض مصطلحاته مع الإسلام، أن هذا الموقف حجّة على الحركات الإسلامية المعاصرة وعلى وجه الخصوص الإخوانية منها والمنسجمة مع خلفية الشيخ القرضاوي رحمه الله وكتب أجره.
وقد كان موقف القرضاوي الأخير متطابقاً مع مواقف وأفهام من سبقوه قرابة قرن أمثال العلماء رشيد رضا ومحمود وأحمد شاكر ومحب الدين الخطيب وكثير من علماء العراق العالمين أكثر من غيرهم بالشيعة والمشروع الإيراني، ومع ذلك فقد أصر الشيخ القرضاوي أن يخوض تجربته في التقريب بين المذاهب، ولذلك فقد وضع نائبه في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين آية الله تسخيري، حتى تبيّنت له حقيقة القوم فأعلن موقفه رضي الله عنه.
إن موقف القرضاوي الأخير، ومن قبله واقعة هدم العراق وحرق الشام وإتلاف اليمن وقتل المسلمين والموحدين فيهما دون وجه حق وبالملايين على أيدي ملالي إيران وأذرعهم من الأعراق العربية والفارسية والهندية وغيرها.. إن كل ذلك يشكل حجّة وهو كاف لإعادة تصحيح الأفهام وتغيير بوصلة المشروع الإسلامي والفلسطيني المقاوم وانفكاكه عن إيران ومحورها التخريبي في المنطقة.
الخلاصة:
إن مقتل واغتيال إسماعيل هنية قائد حماس السياسي في منزل قدامى المحاربين في طهران بالأمس ومن قبله قتل واغتيال صالح العاروري الشخصية القوية في القيادة الحمساوية والذي اغتيل في شقة أمنية تابعة لحزب الله بالضاحية الجنوبية في بيروت، ومن قبلهما بسنوات كان قتل واغتيال زعيم ومؤسس حركة الجهاد الإسلامي فتحي الشقاقي والذي اغتيل في مالطا بعد أن سجنه الإيرانيون في بيت بشمال طهران مدة شهر، ثم أطلقوا سراحه ليقتلوه خارج إيران..
إن جميع هذا الإجرام الذي نفذه الموساد الإسرائيلي أو أجهزة أمريكية أو كلاهما مشتركين، لم يأت ولم يتحقق إلا في ظل التنسيق مع الملالي الإيرانيين.
وإن أمريكا -التي تعيد ترتيب أوضاع المنطقة وتعيد ضبط دور إسرائيل ورسم دور إيران الجديد والمنضبط ضمن الرؤية والمسطرة الأمريكية في الهيمنة على المنطقة وإدارتها- لن تقبل بخروج القضية الفلسطينية من الفضاء الإيراني ومحوره المتخادم والمتفاهم في الكليات مع المشروع الأمريكي حتى لو تخاصمتا في زوايا وهوامش لها علاقة وارتباط مباشر بأشكال المحاصصة، والله يشهد إنهم لكاذبون.
إن الدول المؤهلة لتبني القضية الفلسطينية هي ثلاث دول وهي مصر والسعودية وتركيا، فأما الأولى فقد حيّدها كيسنجر وضيّعها الانقلاب الأخير، وأما الثانية فتعيش تحوّل رهيب، وأما الثالثة فهي في حالة ضعف وتحيط بها التهديدات من كل جانب، وذلك فقط باتت فلسطين بلا أب وحيدة ويتيمة.
إن حال القضية الفلسطينية وتحدّياتها الكثيرة ليست شذوذاً عن تجارب الأنبياء والرسل والمصلحين ولا تجارب الشعوب الثائرة، بل إن الابتلاء أصل وسنة جارية لا يمكن القفز عنها أو تجاوزها، كما أن الله لا يهب نصره وتمكينه إلا لمن يثبت فيها ويتجاوز امتحان شرب الماء من النهر.
أما نحن كفلسطينيين فإن معاركنا واجبة ومشروعة وبطولاتنا مشهودة ومعروفة، ولكن قياداتنا السياسية في عموم تجاربنا في السياق الوطني والإسلامي لم تثبت مع طالوت في قتالها لجالوت وذلك حينما شربت وتنعمت وكبرت وتضخمت بماء إيران الآسن حتّى سمّمها وأتلف كبدها ثم قتلها!
أعود فأقول إن القضية الفلسطينية أكبر من شعبها، وإن تحدياتها هي تحديات أمة وليست تحديات شعب منفرد أعزل مهما حوى من صالحين ومصلحين ومجاهدين، وإن الخيار السياسي والجهادي لا يبنيه مع إيران ومحورها إلا كل قاصر حتى وإن كان حافظا لكتاب الله والكتب الستة!
لا مناص من العودة والبناء من جديد، معوّلين على شعوب الأمة –بعد الله- وبانين جسوراً حقيقية معها، وكما صبرنا على آثام العلاقة مع ملالي إيران ثم قتلنا ونحرنا وتشتتنا وخسرنا وفشلنا، علينا أن نبني ونصبر على أمتنا ولا نقع في عبس وتولى، فالله هو الناصر وهو سبحانه من يهب نصره لمن قال ربي الله ثم عمل صالحاً وتوكل على الله واتّقى.
واذا كان قدرنا أن نقتل ونستشهد ونموت على هذا الطريق كما قتل وارتقى كثير من الرسل والأنبياء والمصلحين، فليس أروع من أن نموت في أحضان أمتنا لا أن نقتل في حضن ورعاية إيران ثم تشيّع جنازاتنا في طهران فتصبح هي الناطق والممثل الوحيد للقضية الفلسطينية، رغم أنها قتلتنا أو ساهمت في قتلنا أو استخدمت دماءنا لتزيد من عمرها وحيويتها ونفوذها في المنطقة، والله يشهد انها لكاذبة!
إن قتل قائد حماس السياسي الأخ الفاضل والمجاهد المثابر إسماعيل هنية ليس أخطر من محق غزة وأهلها ولا هو أفظع من التراجع الكبير في عموم القضية الفلسطينية، وهو مصيبة ونتيجة خلل منهجي واسع وعميق لا يقف عند حدود ثوار فلسطين بل تصل شروشه الى معظم الحالات الثورية، ولا غرابة فجميعها تسقى من عين واحدة.
إن معنى الثبات الحقيقي المنسجم مع التصور القرآني لا يتوقّف عند حدود الثبات القتالي في أرض المعركة –فهذا ممّا يجيده المؤمن والكافر-، بل يتعدّاه الى ما هو أهمّ وأعمق دلالة على التوحيد وهو الثبات على الحق والهدى والنور المبين والتمسك بأحكام الدين، وعدم التراجع السياسي أو التبديل الفكري أو المخالفة الفقهية لأحكام شرعية تضبط حالة الحرب كما تضبط حالة السلم.
وأمّا واقع وحال الضرورة الذي كثر الحديث فيه، فانه لا يسوّغ مخالفة أحكام الدين بل هو مضبوط بأحكام ومواصفات دقيقة، والأهمّ أننا في فلسطين صنعنا واقع الضرورة بسبب خياراتنا الخاطئة وأفهامنا القاصرة، فعندما تكون المواجهة مع مشروع معاد لعموم الأمة ويستهدفها في مناح وأماكن عديدة فإن الإعداد الواجب له ليس إعداد أفراد ولا حزب بل هو إعداد جماعي على مستوى الأمة المستهدفة وليس على مستوى الشعب الفلسطيني أو حزب مقاوم فيه، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ} (الأَنفَال): وخطاب الله هنا هو خطاب جماعي لا تحدّه من الناحية الفقهية حدود سايكس بيكو ولا تؤطره سياسياً رؤية حزبية جهوية، طالما كان إعدادا لمواجهة عدوّ يعادي ويهدد عموم الأمة وليست معاداته لخصوص شعب أو لجغرافيا محددة، وإن أي إعداد فردي أو حزبي يبنى عليه قرار فردي في مواجهة عدو جماعي دون اعتبار الأمة ودون البناء على الإعداد المسبق معها بالشكل الذي يحقق معنى وأمر الله الجماعي {وَأَعِدُّواْ} هو افتئات على الأمة ستجني من ورائه الويلات والخسارات، وهذ هو حالنا في فلسطين اليوم.
فمتى سنعيد ضبط المسار الفلسطيني، ومتى ستنضج الأفهام لتنظر من جديد بأفق واسع وبعيد يتجاوز الحدود التي رسمت زوراً حول جزء صغير من أرضنا المباركة، ومتى سنفكر بشمولية مدركة لحقيقة وجوهر المشاريع المعادية والمتعددة، ومتى سنتخلص من مقولات جاهلية قضت بأن عدونا الوحيد هم المجرمون الصهاينة، وأن بوصلتنا إلى القدس تجمعنا وتوحدنا في طريق واحد مع من يقتل أهلنا ويهدم مساجدنا ويغتصب بناتنا وينحر علماءنا في العراق واليمن والشام، حتى إذا علا وارتفعت أسهمه عربد من جديد وسارع لطعننا في ظهورنا وقتل قياداتنا في ديار مجهزة وبتواطئى مكشوف ومكرر!
فهل سيكون دم اسماعيلنا –الذي قتل غدراً- سببا في نفض الغبار عن عقولنا، وهل سيفكر أبا الوليد بعقل ابن الوليد فيحفظ بفقهه ورجاحة عقله بيضتنا الباقية في غزة قبل أن نخسر مكوّننا الجهادي وينتهي رصيدنا الحالي، وهل سيعيد تصحيح المعادلة ويصوّب الطريق لعلّ الله أن يختم له بخاتمة حسنة كما ختم بها لعبده القرضاوي الذي نصح للأمة وحفظ نقاء دينها وعن الجهاد يوما لم يحيد؟
رحم الله الأخ والشيخ الداعية والقائد إسماعيل هنية ونصر الله إخواننا المجاهدين في غزة الصابرة وخلصنا الله من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وصرف عنا إثم مشروع ملالي إيران المحتلين لمحيط فلسطين.. آمين.
مضر أبو الهيجاء
فلسطين – جنين
تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في يوتيوب
تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في واتساب