هيئة علماء العراق: قانون العفو العام لا يحقق أهدافه و”الأحوال الشخصية” يرسخ للطائفية

رفضت هيئة علماء المسلمين في العراق تمرير قانون العفو العام وقانون الأحوال الشخصية، وقانون استعادة العقارات، ضمن مجموعة قوانين مثيرة للجدل أقرها البرلمان العراقي.

وقالت الهيئة إن القانون الأول عليه مآخذ جمّة تفرغه من محتواه ومن مقاصده وروحه، وأن القانون الثاني الذي يخص الطائفة الشيعية يرسخ للطائفية، وأن قانون استعادة العقارات الكردية غير واضح ويفتح الباب نحو أزمة ديموغرافية وعرقية جديدة، ولا سيّما في محافظة كركوك.

وقالت الهيئة في بيان أصدرته مساء الأربعاء، إن تمرير مجلس النواب الحالي ثلاثة من القوانين المثيرة للجدل دفعة واحدة، هي: (قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية، وقانون العفو العام، وقانون إعادة العقارات)، وإفراغها من محتواها؛ لمصالح سياسية، وفق نمط -الحزمة الواحدة- المتعارف عليه في كواليس العملية السياسية؛ تم بناءًا على التوافقات السياسية بين الكتل والأحزاب في حلبة العملية السياسية، يكشف من جديد المصالح المتبادلة القائمة على منظومة المحاصّة السياسية بنمطيها الطائفي والعرقي.

وبيّنت الهيئة أن تمرير القوانين من هذا النوع على الرغم من الجدل الكبير الذي شاب صياغتها، والخلافات العميقة بين الأطراف المعنية بتشريعها التي استمرت سنوات؛ يعطي انطباعًا عن حجم الإشكاليات المعقدة التي تحيق بهذه القوانين، ويؤكد على ما كانت الهيئة تقوله -وما تزال- بأن أحزاب السلطة الرئيسة منها والتابعة؛ تتبادل المنفعة فيما بينها على حساب مصالح العراقيين ومستقبلهم ومصير أولادهم.

وأضافت هيئة علماء المسلمين بالقول: إذا ما استعرضنا هذه القوانين الثلاثة؛ سنجد أن (قانون العفو العام) الذي مُرّر في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب؛ عليه مآخذ جمّة تفرغه من محتواه ومن مقاصده وروحه؛ ففضلًا عن شمول الفاسدين وسرّاق المال العام به ومنحهم البراءة المطلقة من جرائمهم بذريعة (التسوية المالية)؛ فإنه لا يحقق الغرض المنشود من إقراره بشأن من زجّت بهم السلطات الحكومية في المعتقلات تحت ذريعة (الإرهاب) بتوظيفها طائفيًا؛ والذين يشكلون السواد الأعظم من المعتقلين في السجون الحكومية المعلنة.

وزادت الهيئة في بيانها قائلة: إن فقرتي “إعادة التحقيق والمحاكمة للمحكومين بالإرهاب”، و”إعادة المحاكمة والتحقيق للمحكومين بالإعدام بوشاية المخبر السري”، الواردتين فيه؛ لا يتصور تنفيذهما في ظل ما تلطخت به السلطات القضائية في العراق من تسييس طائفي وفساد وظيفي، فضلًا عمّا أكدته المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان: من أن المحاكمات في العراق تفتقر للنزاهة ولا تتحقق فيها الأنماط المعتبرة للعدالة، وأن التحقيق يجري مع المعتقلين تحت سطوة التعذيب وانتزاع الاعترافات بالإكراه.وعليه فإن إعادة التحقيقات والمحاكمات تتناقض مع مقصد (العفو العام) الذي ينبغي أن يتم دون شروط أو قيود.

وبشأن قانون (إعادة العقارات)؛ أكدت الهيئة أن المعضلات التي تضمّنها كثيرة، ولعل من أبرزها عدم وضوح السياسيين في بيان طبيعته ومظان تطبيقه، حيث أقرَّ قسم من النواب بأنه متعلق بأراضٍ تم التعاقد عليها منذ عقود طويلة؛ مما يفتح الباب نحو أزمة ديموغرافية وعرقية جديدة، ولا سيّما في محافظة كركوك، التي من شأن تطبيق هذا القانون فيها إعادة مشهد جديد من مشاهد التهجير لعشرات القرى التي تمتد على مساحات شاسعة، لتتضح بذلك أهداف أخرى سيئة يقصدها مشروع هذا القانون المستمد من الدستور الذي سبق أن هيأ الأجواء لمثل هذا النوع من المخرجات تحت مسمى (المناطق المتنازع عليها)، ودون اتباع طرق أخرى لحل موضوع الأراضي التي يتناولها القانون، بالتراضي وعن طريق دوائر الأراضي والزراعة، وبما يحقق مقاصد القانون ولا يفتح الباب لمشاكل أكبر.

وشدد بيان هيئة علماء المسلمين على موضوع تعديلات (قانون الأحوال الشخصية)؛ حيث سبق لها أن سلطت الأضواء عليه في أكثر من مناسبة، ومنها ما جاء في بيان الهيئة رقم (1290) في (22 /11 /2017)؛ الذي بين أن تعديل هذا القانون يرسخ النزعة الطائفية ويسهم في التأثير على النسيج المجتمعي، الذي سعى المشرع العراقي عند إقراره لقانون (188) وتعديلاته عام (1959م)؛ لتجنبهما بكل ما أوتي من صلاحيات تشريعية؛ مستفيدًا من آراء المذاهب الإسلامية، التي تتقارب في الفروع الفقهية، ولا سيّما في باب الأحوال الشخصية، حتى بات قانونًا يسري على جميع العراقيين دون تمييز.

ثم عرّجت الهيئة على هذه القضية في التقرير الدوري المعني بالحالة السياسية في العراق بتأريخ: (24 /8 /2024) حين انقسم المجتمع السياسي في العراق بسبب إعادة فتح ملف تعديل القانون، وقلنا: إن اللغة الطائفية التي تعلو بين السياسيين في العراق تطغى على التشريعات القانونية، وأن مخاوف العراقيين من هذه التعديلات قادتهم إلى رفضها لاعتقادهم وقناعتهم بأنها تمّس وحدة البلد اجتماعيًا وتفتح الباب مجددًا أمام حالة جديدة من الانقسام الطائفي، وأنها تحد من حقوق المرأة والأسرة العراقية، ولا سيّما وأن النظام السياسي القائم في العراق ومن ورائه القوى والإرادات التي تسيّره؛ اتخذ قراره بالانتقال من حالة الطائفية السياسية -التي حاول فيها فرض واقع مشوّه على العراقيين- إلى حالة فرض الطائفية المجتمعية على العراقيين تحت مظلة القانون!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights