الأمة الثقافية

“هُمُ الناسُ شَتّى في المَطالبِ لا تَرى”.. شعر: أبو حيان الأندلسي

هُمُ الناسُ شَتّى في المَطالبِ لا تَرى

أَخا همَّةٍ إِلا قَد اختارَ مَذهَبا

فَمَن يَعتني بِالفِقهِ يَرأس إِذ يلي

قَضاءً وَتَدريساً وَفُتيا وَمَنصِبا

وَمَن كانَ ذا حَظٍّ مِن النَحو وَاللُغا

يَرى أَنَّهُ أَسنى الفَضائلِ مَطلَبا

وَيزهى عَلى هَذا الأَنام لِأَنَّهُ

يَرى هَمَجا في الناس مَن لَيسَ مُعرِبا

وَمَن كانَ بِالمَعقول مُشتغلاً يَرى

جَميعَ الوَرى صُمّاً عَن الحَق غَيَّبا

فَإِن كانَ في النَحوين صاحبَ دِريَةٍ

فَذاكَ الَّذي يُدعى الإمام المهذَّبا

وَحافظ أَلفاظِ القِراءاتِ جاهِلٌ

بِالإعرابِ وَالمَعنى للإقراءِ رُتِّبا

يرقِّقُ ما قَد فَخَّمُوا وَمفخِّمٌ

لما رَقَّقوا لَم يَلقَ شَيخاً مُهذَّبا

يَرى أَنَّ نَظمَ الشاطِبي غايةُ المُنى

وَلَم أَرَ نَظماً مِنهُ أَعصى وَأًصعَبا

يَظَلُّ الفَتى فيهِ سِنينَ عَديدَةً

يُحاولُها فَهما فَيَبقى مُعَذَّبا

بِلُغزٍ وَأُحجِيّاتِ شُلشل شَمَردَلٍ

وَدَغفَلِ أَسماءٍ عَن الفَهم حُجَّبا

وَقَد أولعَ الجُهّالُ فيهِ بِشَرحِهِ

فَمِن شارِحٍ قَصراً وَآخَر أَطنَبا

وَغايَتُهُ نُطقٌ بِأَلفاظِ أَحرُفٍ

كَمالك نَنسَخ ننسِها لا نكذِّبا

لَقَد كانَ هَذا الفَنُّ سَهلاً مُعَرَّبا

فَبَعَّدَهُ هَذا القَصيد وَصعَّبا

وَناظمِ أَشعارٍ يَدورُ عَلى الوَرى

بِذمٍّ وَمَدحٍ مُرهِبا أَو مُرغّبا

يرى أَنَّ نظمَ الشعرِ أَسنى فَضيلَةً

وَلَيسَ بِفَضلٍ ما بِطَبعٍ تركَّبا

وَراوي حِكاياتٍ لِناس تَقَدَّمُوا

غَدا وَاعِظاً يَشرو وَيَنشر مُطرِبا

وَطوراً يُبكّي الناسَ خَوفاً وَرَهبةً

وَطوراً يُرجِّي بِالتَسامح مُذنِبا

وَتالٍ لِقُرآنٍ بِتُربة مَيِّتٍ

قَد اتَخَذَ التَنغيمَ بِالصَوتِ مَكسبا

وَجامعِ آدابٍ وَحفظِ رَسائِلٍ

وَجودَةِ خَطٍّ راجِياً أَن يُقرّبا

إِلى ملكٍ كيما يَكون موقِّعا

فَينظُف أَثواباً وَينبُل مَوكِبا

وَحاملِ أَجزاءٍ لِطافٍ سَقيمَةٍ

تَأبّطها كيما تَروّى وَتكتبا

يَدورُ عَلى شَيخٍ جَهولٍ وَشَيخةٍ

عَجوزٍ تَرى جمع الرُؤوسِ تقربا

وَجمّاعِ أَنواعٍ مِن الفِسقِ لَم يبَل

بِمعصيَة إِن كانَ كَهلاً أَو أَشيبا

أَتَأخُذُ دينَ اللَهِ عَن مثلِ هَؤلا

لَأَنتَ إِذَن في الغَي أَصبَحتَ مُسهبا

وَغايةُ ما يدريهِ أَنَّ فلانةً

رَوَت جُزءَ بيبي وَهيَ ماتَت بِيَثرِبا

وَذا لَقَّبوه جَزرةً وَملقبٌ

بِصاعِقَةٍ إِن كانَ في الحِفظِ أَغلبا

وَمشتغلٍ بِالطبِّ قَد رامَ صَنعَةً

قَليلاً جَداها ما أَشقَّ وَأَخيَبا

يَدور عَلى المَرضى وَيُحرز علَّة

وَيَسأل ماذا كانَ عَنهُ تَسبَّبا

وَيَنهَبُ مِنهُ مالَهُ لا يهمُّه

سواء لَدَيهِ أَن يَصِحَّ وَيَعطَبا

وَغايَتُهُ استقبالُ بَولٍ بِوجهِهِ

وَشَمُّ قَذوراتٍ كَأَن شمّ زرنَبا

وَكَسلانَ يَختارُ المَشيخةَ صَنعةً

فَيَجمَع أَوشاباً إِلى الزَّرد رُغَّبا

تيوسٌ رُعاعٌ وَهوَ جَهلا أَبوهُمُ

فَاقبِح بِهِم وُلداً وَاقبِح بِهِ أَبا

وَيَبهَتُ نَحوَ الأَرض طَوراً وَتارَة

إِلى العالَمِ العُلوِيِّ يَستَمِعُ النَبا

وَيَركبُ عيراً وَهوَ عيرٌ حَقيقةً

فَجهلٌ بَسيطٌ قادَ جَهلاً مركَّبا

فَيُخبِرُ عَن أَشياءَ في ملكوتِهِ

رَآها عَياناً لَيسَ عَنها محجّبا

تَلاميذُهُ يَمشونَ حَولَ حمارِهِ

وَأَوساطُهم مَشدودة لابِسو القَبا

عريُّون عَن علمٍ وَمَن كانَ فاضِلا

تَقرمَطَ كَي يُدعى الامامَ المقرَّبا

فَيُبدي لَهُم أَسرارَ عِلمٍ غَوامِضاً

تلقَّفها عَن سر سرٍّ ترتّبا

فَمِنهُ إِلَيهِ عَنهُ فيهِ لَديهِ قَد

بَدَت غامِضاتٌ عَنهُ تنبَثُ كَالهبا

عَجِبتُ لِمثلي عِشتُ سَبعينَ حِجَّةً

وَتِسعاً أُلاقي الناسَ شَرقا وَمَغرِبا

فَما ظَفِرت عَيني بِمَن هُوَ صالِحٌ

سِوى مَن بِهِ بَينَ الأَنامِ تَلقَّبا

————————————-

الشاعر أبو حيان الأندلسي

محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الجياني الأندلسي النحوي. كان من أقطاب سلسلة العلم والأدب وأعيان المبصرين بدقائق ما يكون من لغة العرب

سمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز من نحو 450 شيخاً، كان شيخ النحاة بالديار المصرية أخذ عنه أكابر عصره

كان ثبتاً صدوقاً حجة سالم العقيدة من البدع، درس النحو في جامع الحاكم سنة 704 هـ وأصبح مدرساً للتفسير في قبة السلطان الملك المنصور في عهد السلطان القاهر الملك الناصر وتولى منصب الاقراء بجامع الأقمر.

توفي بالقاهرة 28 صفر 745 هـ ودفن بمقبرة الصوفية خارج باب النصر وصلي عليه بالجامع الأموي بدمشق صلاة الغائب ، ورثاه الصفدي وذكره في نكت الهيمان.

له (شرح التسهيل)، و(مختصر المنهاج للنووي) و(الارتشاف) وغير ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى