خلال الفترة المنقضية من ولاية ترامب الثانية تُلاحظ تغيّرات جوهرية في دور القيادة العسكرية الأمريكية في افريقيا “افريكوم “خاصة في غرب القارة. فقد ظلّ مكافحة الجماعات الجهادية هدفًا رئيسًا، لكن السياسة الأمريكية شهدت تبدّلات في التعاطي مع الحكومات العسكرية وديناميات النفوذ الروسي والصيني.
فقد واصلت بحسب دراسة لمركز أمد للدراسات واشنطن دعمها لجهود مكافحة الإرهاب في الساحل (بما في ذلك التدريب والاستخبارات والتعاون الجوي)، مع التركيز في الوقت نفسه على مواجهة نفوذ الصين الاقتصادي.
ومن جهة أخرى، تراجعت حدة الاهتمام الأمريكي بمواجهة النفوذ الروسي العسكري (خاصة عن طريق “فاجنر” أو “أفريقيا كوربس”)، كما بدا أن إدارة ترامب أكثر تساهلاً مع الأنظمة الانقلابية مقارنةً بالمواقف التقليدية التي تشدّد على الديمقراطية.
في المقابل، واصل البيت الأبيض النافذ سياسة “التجارة بدل المعونة”، رافضًا ميزانيات ضخمة للمساعدات الإنمائية وتحييد بعضها لصالح صفقات تجارية؛ فعلى سبيل المثال فقد حققت الإدارة تجريبيةً مبكرة 33 صفقة استثمارية بقيمة 6 مليارات دولار خلال 100 يومٍ من إدارتها الجديدة، في مقابل تقليص كبير لدور الوكالة الأمريكية للتنمية USAID وبرامج المعونات.

وعادت الدراسة للقول على الرغم من هذه التحولات، ظلّت تهديدات تنظيمات القاعدة وداعش والجماعات الموالية لها مستعرة في الساحل وغرب إفريقيا.
فقد شهدت دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو تصاعدًا في العمليات الإرهابية ضد المدنيين والجيش، مما حتم على واشنطن مواصلة دعم عمليات مكافحة الإرهاب – وإن تغيّرت أساليب هذا الدعم.
فبعد الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من قواعد رئيسية (مثل قاعدة 101 في نيامي وقاعدة 201 في أغاديز بالنيجر) نتيجة الانقلابات، اعتمدت القيادة الأمريكية أكثر على الدعم الجوي (طائرات بدون طيار والتدريب) ونقل الخبرات الأمنية إلى شركائها المحليين.
ومع ذلك، أدت الفراغات الأمنية إلى زيادة الهجمات؛ فقد تعرّضت العاصمة المالية باماكو لهجوم كبير في سبتمبر 2024، في مؤشر على أن الإرهاب لا يزال يهدد استقرار المنطقة. ويشير تقرير للأمم المتحدة إلى أن نحو 2.7 مليون شخص نزحوا في الساحل بحلول يناير 2023 بسبب نزاعات مسلحة، منها 1.6 مليون طفل يعانون من سوء التغذية. هذه الأرقام تؤكد استمرار الحاجة الماسة لتعاون دولي وجهود تنسيق واسعة لمواجهة الأزمات الإنسانية والأمنية في المنطق

وباستقرء معالم النفوذ الدولي في غرب إفريقيا نجد إن الصين تسير اليوم في الصدارة نسبياً من حيث الحضور الاقتصادي والدبلوماسي (القروض والمشاريع ونقص الشروط السياسية)، بينما تتراجع الولايات المتحدة عسكريًا في الساحل لكنها تحاول تعويض ذلك عبر النفوذ التجاري الموجه.
أما روسيا، فقد اكتسبت موطئ قدم بفضل دعمها العسكري للنظم الجديدة، لكنها لم تقدّم حتى الآن حلولًا شاملة للأزمة الأمنية، فتعتمد على تسعير طويل المدى لمصالحها (قد تهدد أوروبا).
وفي المقابل، ما زالت فرنسا والاتحاد الأوروبي يمتلكان رأيًا عامًا ومستثمرين في المنطقة، لكنهما يكافحان للحفاظ على مستوى النفوذ التقليدي وسط تشتّت الاهتمام
لذا يمكن القول إنه على الرغم من الاختلافات الواضحة في الأدوات والأساليب، تتقاسم القوى الكبرى (الولايات المتحدة، الصين، روسيا) ملعبًا واحدًا في غرب أفريقيا.
فيما يظهر التقدم الحالي لصالح الصين في المجال الاقتصادي، مقابل تراجع تشهدْه الولايات المتحدة في النفوذ الأمني المباشر (مما يجعلها تلجأ أكثر إلى التجارة الدبلوماسية).
أما روسيا فقدمت ذاتها بديلًا أمنيًا لأنظمة مضطربة، ولكن من دون توفير استقرار ملموس. ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية لما يُسمّى بـ«المنافسة متعددة الأقطاب» في غرب أفريقيا ستعتمد على قدرة كل قوة على تقديم بدائل حقيقية لمطالب دول المنطقة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية – وهو ما سيحدد “من يتقدم فعليًا ولماذا” في المستقبل القريب