حكومة الكيان الصهيونى التي لا تمتلك مفهوماً ثابتاً للأمن القومي، لكنها تحتفظ بتصور استراتيجي واضح لمكونات أمنها ومصالحها وحدوده، تعيد صياغة هذا التصور باستمرار عبر أبحاث استراتيجية وسياسات مرنة تتناسب مع التهديدات المتغيرة.
فالوثيقة الأمنية للعامين 2025-2026 التي أعدها اللواء تمير هيمان مدير معهد الأمن القومي الإسرائيلي جاءت كرد فعل على إخفاقات كشفتها عملية طوفان الأقصى والتي وصفها هيمان بأخطر كارثة تواجه اليهود منذ الهولوكوست.
الرؤية الاستراتيجية الجديدة
تعكس الوثيقة محاولة إسرائيل إعادة تعريف أمنها القومي بعد فشل النخب السياسية والعسكرية في توقع التهديدات أو التعامل معها، حيث قدم هيمان رؤية مرنة قابلة للتعديل وفقاً لمتغيرات الواقع مؤكداً أن المقومات القديمة لم تعد صالحة، وتركز الوثيقة على ضمان بقاء إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية ذات حدود قابلة للدفاع عنها وهو خطاب يكرس الهيمنة ويتجاهل الحقوق الفلسطينية.
إيران في بؤرة التهديد
تصنف الوثيقة إيران كخطر رئيسي وتطرح سيناريوهات التعامل معها سواء عبر الانخراط في أي اتفاق نووي محتمل أو التصعيد العسكري المشترك مع واشنطن أو تكثيف العقوبات والعمليات السرية في حال الجمود مما يؤكد طبيعة الصراع الأيديولوجي والأمني بين الطرفين.
السيناريوهات الإقليمية
تتعامل الوثيقة مع دول الجوار وفقاً لدرجة تهديدها المزعوم كاتالى:
– سوريا: تسعى إسرائيل لبناء علاقات سرية مع أي حكومة معتدلة أو دفع البلاد نحو الفوضى لضمان ألا تصبح منصة لإيران أو حزب الله.
– تركيا: تعتبرها تهديداً نسبياً بسبب دعمها لحماس وتوجهات الإسلام السياسي مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية.
– لبنان: تركّز على نزع سلاح حزب الله وتسوية النزاعات الحدودية بينما تتهمه إسرائيل ببناء قدرات عسكرية متطورة.
– فلسطين: تروج لفصل ديمغرافي وسياسي عبر إضعاف حماس وفتح ونقل السيطرة المدنية لغزة إلى جهة فلسطينية محايدة مع التشديد على منع إعادة إعمار القطاع عسكرياً.
الدول العربية 3 مجموعات
أورد تقرير معهد الأمن القومي أن الشرق الأوسط به ثلاث مجموعات: “محور المقاومة” بقيادة إيران؛ وجماعة “الإخوان المسلمين” بقيادة تركيا وقطر؛ ومجموعة الدول المعتدلة التي تطمح إلى مستقبلٍ أفضل، بل ومشترك، والتي تشمل دول الخليج ومصر والأردن وإسرائيل.
التحديات الداخلية
تعترف الوثيقة بغياب الإجماع الداخلي حول مفهوم الأمن بسبب الانقسامات المجتمعية والأزمات الهيكلية مثل الصراع بين العلمانيين والمتدينين والتمييز ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ومع ذلك تطرح أربع ركائز وهى : تعزيز الجيش بتقنيات سيبرانية، ودعم الاقتصاد لتمويل الاحتياجات الأمنية، وتماسك المجتمع استعداداً للتعبئة، وتوسيع التحالفات الدولية لمواجهة العزلة.
زيادة ميزانية الجيش
وعندما ركز هيمن على زيادة ميزانية الجيش الإسرائيلي، فهو يدرك أن إسرائيل لن تتحمل حربا طويلة مع جيش نظامي أكثر من 21 يوم، لهذا خلص إلى أهمية التركيز على القضايا الثلاث ( استعادة الرهائن
لان ذلك يساعد المجتمع الإسرائيلي على التعافي، ويجب الحد من عدم المساواة في إسرائيل من خلال التشريعات، مع التركيز على قضايا تقاسم الأعباء الأمنية والأحوال المدنية، وزيادة ميزانية الجيش الإسرائيلي.
وقد سطر هيمن في وثيقته أربعة ركائز للأمن على النحو كالتالي:
1- جيش قوي، له قراراته الخاصة التي تتعلق بالأمن، وله قوته التكنولوجية والسيبرانية.
2- اقتصاد قوي قادر على دعم الاحتياجات الأمنية بطريقة لا تعيق النمو الاقتصادي، ويوجه الموارد نحو التطوير التكنولوجي.
3- مجتمع متماسك، قادر على الاستعداد للتعبئة في أوقات الطوارئ.
4- العلاقات الخارجية والدولية تخلق شبكة أمان سياسية تعمل حاجزا أمام محاولات فرض العقوبات على البلاد.
تتعامل هذه الركائز مع المجتمع الإسرائيلي وكأنه مجتمع متجانس، وتتجاهل الانقسامات الداخلية بين اليهود أنفسهم (علمانيين/حريديم، أشكنازيم/مزراحيم)، وكذلك التمييز ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل، كما أنها تتجاهل أزمات الهوية والانقسام السياسي الداخلي الذي يقوّض هذه الركائز.
. ومن ناحية أخرى تفترض أن إسرائيل قادرة على الاعتماد على دعم الغرب، ولكن في الفترة الأخيرة فقد تصاعد النقد الغربي ضدها بسبب سياساتها تجاه الفلسطينيين، كما أن الانفتاح على بعض دول الإقليم التي قامت بتوقيع الاتفاقيات الإبراهيمية، فتجدر الإشارة إلى أنها لن تصمد أمام نقد المحافل الدولية ولن تفيد إسرائيل.
تبقى الوثيقة محاولة لموازنة الأدوات العسكرية بالتحالفات الدبلوماسية لكنها تفشل في معالجة جذور انعدام الأمن المتمثلة في الاحتلال والتمييز العنصري كما تكرس خطاباً أيديولوجياً يبرر الهيمنة الإسرائيلية تحت شعار الأمن القومي.