“وداعًا شيخنا الحويني”.. شعر: رأفت عبيد أبو سلمى

ما ثَمَّ إلا الحُزنُ في الأعماقِ
وعلا الوجِيبُ وماله مِن راقي
في كل يومٍ .. للمنيَّةِ صرخةٌ
ما ثَمَّ باقٍ غيرُ وجهِ الباقي
يا ربِّ رحمتَكَ التى يُرجَى بها
دفعُ البلاءِ وناجعُ الترياقِ
اجبُر مليكَ الكونِ كسْرَ قلوبنا
وارحم مُصابًا في أبي إسحاقِ
ما جلّ فيه الخطبُ إلا ما أرى
في فقدنا إياهُ من إخفاقِ
عَلَمٌ تقر بها العيونُ وتهتدي
مُهَجٌ كمثل الشمسِ في إشراقِ
يسقى القلوبَ القاحلاتِ بكأسه
ماءَ الهدايةِ يا لِهذا الساقي
من بحر أحمدَ لم تزلْ قنواتهُ
تجري بما في البحر من إغداقِ
نادى المُحِبَّ وأسمعتْ كلماتُهُ
قلبَ المحبِّ الوالهِ المشتاقِ
أوَ ما ترى حوضَ النبيِّ ونحوهُ
مُهَجٌ تحنُّ بصادقِ الأشواقِ
هو لم يزلْ يزكي الحنينَ لهديهِ
وفَّى لما في الدين من ميثاقِ
والسنَّة الغراءُ تشهدُ عُمرَهُ
أفناهُ في شغفٍ بها دفَّاقِ
يصطادُ من بحر الهدايةِ لؤلؤًا
يُهدَى إلى أصحابها العشاقِ
خمسون عامًا رحلةٌ يسعى بها
ما بين خوفِ الله والإشفاقِ
كم أرهقته من السنينِ مشاهِدٌ
فمضى بها في شدةِ الإرهاقِ
والفارسُ المغوارُ لم يهدأ له
عزمٌ به كم ذاد عن أخلاقِ
حتى ارتقى قممَ السماحةِ عاليًا
فوق السحابِ فكان نعم الراقي
مذ أن عرفتكَ والمنابرُ أطرقتْ
لخطابكم والناسُ في إطراقِ
فكأنما هو سلسلٌ من سلسلٍ
كالشهدِ يُرسَل في ألذِّ مَذاقِ
ورأيتُ صبركَ كما بدا أعجوبةً
يا كم لصبركَ في السمو مَراقي
اليوم تبكيكَ المساجدُ إن بكتْ
يومًا .. بدمعٍ نازفٍ مهراقِ
تبكي وكم حنتْ إليك يراعةٌ
إن تاق فيها الحِبرُ للأوراق
يا دوحة الإيمانِ طيبي إن زها
عِلْمٌ، وأورقَ أيما إيراقِ
سيظلُّ عِلْمُ الشيخُ يسكبُ نورَهُ
بعد المماتِ ورغم أنفِ فراقِ
والعِلمُ .. إرثُ الأنبياءِ مُمَجَّدٌ
أغلى من الأنوار في الأحداقِ