“وهي المكانةُ لم تزل مكنونةً”.. شعر: محمد التميمي
جاءتْ لخيرِ الأمَّةِ الغرَّاءُ = فتنفَّسَتْ عن أهلِها الصُّعَدَاءُ
وهي التي لولا الهدى أحيا لها = مهجا طوت أيامَها اللأواءُ
لطمتْ مآسيها شحوبَ أثارةٍ = ألقى على أسفارِها الإزراءُ
لم تدْنُ من قِممِ الفخارِ ولا ازدهى = تاريخُها أو حاولَ الإدناءُ
فأتى من الرحمن وحيٌ حاملا = بشرى يُسَرُّ بزهوِها الفضلاءُ
فاقرأ عليهم يامُحَمَّدُ سِفرها = تُسْمَعْ بفضلِ جلالِها الأصداءُ
فيها النجاةُ من المكاره لم تزل = تأتي بليلِ رحابها البلواءُ
وبها لأمَّتك المكانةُ في الورى = والفتحُ يحملُ خيرَه النُّجباءُ
والمجدُ أومأ بالأمانِ وبالهدى = فاستقبلتْه بشوقها الغبراءُ
فنهارُها بالوُدِّ يطلعُ فجرُه = وتلي مُناهُ الليلةُ القمراءُ
غابتْ ليالي الظالمين وأدبرت = لمَّا أتتها الشِّرعةُ القعساءُ (1)
فالخيرُ والقيمُ الأثيرةُ والهنا = فيها ويحملُ شأنَها الأكفاءُ
في كلِّ أرضٍ للشريعةِ جنَّةٌ = يحكي ثمارَ فصولها البُشراءُ
ذي شرعةُ الرحمن جلَّ جلالُه = سعدتْ بفيضِ حُنُوِّها الأحناءُ
تصغي إلى رجعِ الصَّدى آثارُها = ويعيدُ قُسٌّ ماطوى السُّفهاءُ(2)
حفظتْ مُنى تلك النُّهى أيدٍ جنتْ = ثمرا سقتْ بستانَه النَّعماءُ
وهي النفائسُ للشعوبِ رسالة = نادتْ إليها الشِّرعةُ الزَّهراءُ
يا أمَّتي أنتِ الحفيَّةُ بالورى = فشريعةٌ لدجى الزمانِ ضياءُ
فاستبشري مازال نجمُك عاليا = رغم الخطوبِ يسوقها الأعداءُ
فالليل يُطوَى والصباحٌ يُزيلُه = والفتحُ في خطواته غدَّاءُ
والخالدان الدَّهرَ في أُفْقيْهما = للفخرِ زهوٌ غامرٌ وسناءُ
ركنان مابرحا يبثَّان الهدى = دينًا قويما أهلُه الرُّحماءُ
قرآنُنا مازال معجزةً لنا = في حفظه والسُّنَّةُ الفيحاءُ
لهما الرجالُ الأوفياءُ لدينهم = والمسلمون الصِّيدُ والعلماءُ
ولْيَخْسأ السُّفهاءُ أعداءُ الهدى = والمرجفون اليومَ والعملاءُ
والخانعون المفلسون من الإبا = في غمرةِ الأحداثِ والأنضاءُ(3)
لهم الخسارةُ والتبارُ وإن هُمُ = فلهم لبغيِ عدوِّنا إغضاءُ
بئس الذين تنكَّروا في حكمهم = للأمةِ العظمى وليس تُساءُ !
لكنَّهم كفروا بما قد جاءها = بيدِ النَّبيِّ فما لهم شفعاءُ
بالدِّين فازت بالمكانةِ أمَّةٌ = كانت تهابُ زحوفَها الأعداءُ
ولها القيادات التي أثنى عليها. = . اللهُ أكرمَ شأنَها الخلفاءُ
هي شرعةٌ كانت لأكرمِ أمَّةٍ = ورحابها لبني الورى أفياءُ
فرمالها أضحتْ مباسم جنَّةٍ = فوَّاحةٍ وربوعها خضراءُ
يرعاك ربُّك أمَّتي رغم العنا = فلديك في سِفرِ الخلودِ وفاءُ
رفَّتْ بعزتك البنودُ وإنَّما = لك في يدِ النَّبأ اليقينِ لواءُ
يروي مقاصدَه الكريمةَ خفْقُه = نغما يجيدُ رَوِيَّه الشُّعراءُ
صيدٌ وفرسانٌ وموئلُ نخوةٍ = وهي الشَّريعةُ ركبُها الفقهاءُ
ربَّاهمُ الإسلامُ في أكنافه = بهدى النَّبيِّ فهديُه الوضَّاءُ
والأرض تشهدٌ عزَّهم وهم الألى = ماغرَّهم مالٌ ولا إغراءُ
مالاكهم شِدقٌ سفيهٌ مغرضٌ = إلا وردَّت خبثَه العظماءُ
وهي المكانةُ لم تزلْ مكنونةً = رغم امتهانِ علوِّها البغضاءُ
من ظالمين لأمَّةٍ وشريعةٍ = تاهوا فليس لدى البُغاةِ رجاءُ
واللهُ أكرمها فشرعتُنا زهتْ = واخضوضرتْ بربيعها الأرجاءُ
والمسلمون وقد دعاهم إرثُها = فلسعيهم بيدِ النهوضِ رُواءُ
فلهم رسالةُ رحمةٍ وأُخوَّةٍ = أغنى بديعَ سطورِها الإيحاءُ
قد بورك النَّفحُ الذي شهدت له = بالخيرِ أرضٌ لم يمتْ وسماءُ
بشريعةِ الإسلامِ بالنُّورِ انجلى = فهفتْ لفيضِ قشيبِه الأحياءُ
فشريعةٌ ألقتْ عليهم نهجَها = فتضاءلت لمُتونه الأهواءُ
تبني الشعوبُ رقيَّها بعقولِ مَن = عرفوا الحقيقةَ أهلُها العظماءُ
وبراحها يأتي الهنا ، وبأرضها = تتنوَّعُ الخيراتُ والآلاءُ
قد بارك الرحمنُ زرعَهُمُ وقد = درَّتْ ضروعٌ بالمنى عجفاءُ
والأمن والإيمانُ في أكنافهم = وهما لدفعِ أذى الشقاءِ وِجاءُ
بشرى بإذن الله لم ترحلْ ففي = أحداقهم نورُ الرجا وضَّاءُ
والدِّين ميمونُ العطاءِ وإنَّما = تُزجَى بوجهِ حضورِه النعماءُ
هذا يقينٌ فيه ترجمةٌ لِما = حفلتْ به ولحبِّه الأحناءُ
شيمُ النفوسِ وما تخطَّاها الوفا = وهي الدليلُ اليوم والأصداءُ
صاغتْ محيَّاها الشَّريعةُ فاحتفى = بجلالها وجمالها السُّعداءُ
وكأنَّ أهلَ الأرض كلَّهُمُ أتوا = لظلالها وكأنَّهم أعضاءُ
والناسُ في أنحائها ماغرَّهم = مانمَّقَتْهُ لأهلها الأزياءُ
إنَّ المواءَمةَ الكريمةَ لم تكن = إلا إذا ما فُعِّلَ الإرضاءُ
يغني بها الرحمنُ أوبةَ أمَّةٍ = لتزولَ عن آفاقها الأرزاءُ
طوبى لمَن يرعى فصولَ نهوضها = شدوًا به يترنَّم الأبناءُ
تفنى القرونُ وربُّها لمَّا يزل = يحمي الهدى إن غُيِّبَ الصُّلحاءُ
وهي المكانةُ لم تزل مكنونةً = وبنفحِها يتنفَّسُ النُّصراءُ
—————————–
هوامش :
(1) الشرعة القعساء : المنيعة ، الثابتة ، الخالدة .
(2) قس: كان قس بن ساعدة الإيادى من حكماء العرب قبل الإسلام، وقد تُوفي حوالى عام 600م، ويعدّه «الشهرستاني» في كتاب «المِلَل والنحل» بين مَن يعتقد التوحيد ويؤمن بيوم الحساب، «وكان زاهِداً في الدنيا، خاصة بعد أنْ مات له أخوان ودفنَهُما بيده، وكان يَحضُرُ سوقَ عُكاظ ويَسيرُ بَين الناس ويُنذِرهُم.