تعليقا على زميل إخواني فاضل تساءل طالبا تفسيرا لحالات الارتداد والانقلاب العنيفة من الضد للضد لمن كانوا في الإخوان ثم انقبلوا عليها كأن لم يكن بينهم مودة يوما:
تفسير واحد أظن أن فيه خلاصة الأمر، وهو متعلق بالجماعة نفسها ومنهج وبيئة التربية والتنشئة، حيث توسعت الجماعة في مفهوم المؤلفة قلوبهم، فصارت مغناطيسا لكثير ممن اعتبروا الجماعة شركة تجلب منفعة، هذا مع تكريس التربية لأفكار جعلت منها طائفة مستعلية بالإيمان، كأن العضوية ختم بالخلاص من النار في الآخرة، ومن الفقر في الدنيا.
صارت العضوية مغنما للدنيا ثم للآخرة، فهي ليست جماعة مفتوحة للجميع: فالعضوية ثم الصعود، للمرضي عنهم، والمرضي عنهم بالتأكيد من مدرسة المدبوليزم، من يحسنون هز الرأس بالموافقة، وعشان ما نعلا ونعلا لازم نطاطي نطاطي، وهكذا كانت التصفية إلى القمة للأشد ولاء وطاعة، وهؤلاء إن لم يريحوا أدمغتهم من عناء تقديم النصيحة المخلصة، فهم لم يصيروا قادرين عليها بحكم التقليم الذي جرى لخلايا أدمغتهم، فلم تعد تجد الحافز للتفكير وإيجاد الحلول للأزمات.
ثم فجأة يتسلل المغنم من بين يده او تفوته فرصة او منصب، بحكم أن القمة لا تتسع للجميع كالقاعدة، وأشبه بلعبة الكراسي الموسيقية.
هنا يجد المنتفع نفسه لأول مرة وقد خسر ما كان يصبو إليه وصبر طويلا على الأذى ليناله، كأنما وجد نفسه في الاخرة بعد طول صلاة وصيام وقيام وقعود، وامتناع عن الشهوات طلبا للشهوة الأبدية اللانهائية، يقال له لا جنة لك.
هنا يخرج كل ما خبأه وأضمره في نفسه من ضغائن كتمها طويلا، تخرج مرة واحدة عنيفة مشحونة بالبغضاء وما تخفي صدورهم أكبر، لذلك يستغرب البعض انقلابات هؤلاء العنيف من الضد للضد، هو لم ينقلب، هو كان هكذا من البداية، لكنه كان من الراضين المرضيين، فسكت عما رأى وطالع ولم ينتقده حرصا على المغنم، هؤلاء كانوا يدعون (ربنا آتنا من الجماعة في الدنيا حسنة،
(وبالمرة في الاخرة في حسنة).
أقول قولي هذا موقنا أن ثمة مخلصين وطيبين لم يكن ذلك دافعهم أبدا، وهؤلاء هم وقود استمرارها، ولكن إلى متى؟
غير صحيح ان كل الجماعات هكذا، معظم الحركات الإسلامية
الراديكالية وحتى اليسارية لا يحدث بها ذلك الارتداد العنيف من الضد للضد.
لعل في الأزمة الراهنة فرصة للمراجعة، لو ضاعت فقل على الجماعة السلام.