ياسر عبد التواب يكتب: ميزان التفاضل

لو عاد المسلمون في جميع أحوالهم وعلاقاتهم إلى تعاليم شريعتهم وطبقوها حق تطبيقها لاستراحوا وأراحوا فقد جاء الشرع ليطبق ويحكم لا ليزاحمه غيره من الأهواء والمصالح والأخلاق ولو أخذنا قضية النظر إلى الناس وتقويمهم والتمييز بينهم لوجدنا أن كثيرا منا في واد والشرع في واد آخر.. فمن منا -إلا من رحم الله- يجعل مقياس التفاضل بين الناس خاليا من الأفكار المسبقة عن الجنسيات والعرقيات والأسر وغير ذلك.. تجد أحكاما عامة تطلق سلبا أو إيجابا على الناس فجنسية ينظر إليها على أنها مميزة وأخرى تزدرى ولو كان المنتمي إليها عبقريا تقيا..
نعم هناك موازين مختلفة يجب أن يقاس بها الأمور فمثلا في مجال التوظف يجب النظر إلى الكفاءة والأمانة دون الاكتفاء بالأمانة والثقة فقط بينما في أمور كالزواج يجب النظر ابتداء إلى أمر تقوى الله تعالى فهي مفتاح شخصية الزوج الصالح الذي يقوم بهذه الأسرة ويراعي أفرادها ثم قد ينظر بعدها إلى أمور أخرى مادية أو معنوية لكن من خلال النظرة الرئيسية.
المصيبة أن البعض ينسى كل الموازين فيخترع ميزانا آخر ليقيس به كل الأمور وتتضاءل في نظره كل المقاييس ويتيه فخرا بهذا التفرد ويزعم أنه سبق غيره به
فهناك -في هذا السياق- من يجعل محور حياته الفخر بنسبه وأسرته وقبيلته وجنسيته..
لانتكلم عن الانتساب المأمور به شرعا وإنما نتكلم عن التفاخر والكبر والانتصار للنفس والقبيلة من غير نظر إلى حكمة الله تعالى في هذا التنوع والاختلاف وهذا ما أشار إليه تعالى في قوله سبحانه:
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات 13
فذلك ميزان التفاضل الحقيقي وليس بالمال ولا بالحسب يكون الفضل وإنما بالتقوى والإيمان يكون التفضيل عند الله تعالى.
قال ابن جرير: أكرمكم أيها الناس عند ربكم أشدكم اتقاءً له بأداء فرائضه واجتناب معاصيه لا أعظمكم بيتاً ولا أكثركم عشيرة.. قال ابن عباس: ومجدها الناس فقالوا أكرمكم أعظمكم بيتاً..
وفي الحديث عن عقبة بن عامر: قال قال رسول الله ﷺ: الناس لآدم وحواء ، كطف الصاع لم يملؤه، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم،
وفي رواية أخرى(لأحمد):
إن أنسابكم هذه ليست بسبابٍ على أحد وإنما ولد آدم طف الصاع لم تملؤه، ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشاً بذياً بخيلاً جبانا)
فالأصل في الإسلام ألا مفاضلة بين المسلمين إلا بالتقوى..
وقال الشوكاني في فتح القدير: والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك لهذه الفائدة لا للتفاخر بأنسابهم، والقول أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة ثم علل سبحانه ما يدل عليه الكلام من النهي عن التفاخر فقال (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) أي التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى فمن تلبس بها فهو المستحق لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها وأفضل.
وعن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله ﷺ في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال:
«يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فليبلغ الشاهد الغائب».
وبميزان التقوى أمر رسول الله ﷺ أن نزن من جاءنا خاطبا يريد العفاف أخرج البيهقي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ:
«إن الله أذهب نخوة الجاهلية وتكبرها بآبائها، كلكم لآدم وحواء كطف الصاع بالصاع، وأن أكرمكم عند الله أتقاكم، فمن أتاكم ترضون دينه وأمانته فزوجوه فلو أطعناه في ذلك لحلت مشاكل كثيرة كالعنوسة وعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «إن الله يقول يوم القيامة أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم ورفعتم أنسابكم فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، أين المتقون؟ أين المتقون؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
فهلم نجعل ميزان الشرع ميزاننا الحقيقي في الحكم على الناس وعلى الأفكار والأحوال.