مقالات

يسري الخطيب يكتب: قضية الرقش والحروف العربية

– لقد عرف العرب تنقيط حروف الكلام قبل الإسلام، وتظل كلمة الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الشهيرة: “جَـرّدوا القرآن” – بمعنى جـردوه في الخط من النقط، ليحتمل أكثر من قراءة.. مثل: فتبينوا تُـقرأ فتثبتوا بتغيير النقط – دليلا دامغا على ذلك.

– وكان العرب يعيبون على من يضع النقاط على الحروف، ويتهمونه بالغباء، وكان استخدامها نادرا في مراسلاتهم للعجم.. وقد وُجدت بعض الرسائل المنقوطة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين قبل الإسلام.

كما أن كلمة (الرقش) كانت منتشرة عند العرب قبل الإسلام، وبعد نزول القرآن، وهي بمعنى التنقيط.

في كتابه (دراسات في تاريخ الخط العربي منذ بدايته إلى نهاية العصر الأموي)، يقول العلامة السوري صلاح الدين المنجد: (ولا بد أن نوضح هنا التباسا آخر وقع فيه الذين كتبوا عن الخط هو نسبة وضع النقط التي تميز الحروف المتشابهة إلى نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر.. ذلك أن النقط على الحروف المتشابهة ظهر في الكتابة اللينة التي اختصت بها البرديات في زمن مبكر جدا.. فالبردية المصرية المؤرَّخة سنة 22 هـ، كان على بعض حروفها رقش، وكذلك الكتابات الحجرية التي وُجدت في سد الطائف ويرجع تاريخها إلى سنة 58 هـ، ظهر الرقش على بعض حروفها. إذن فالتنقيط كان معروفا ومستعملا قبل نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر اللذان توفيا سنة 90هـ، ولذا فاختراع التنقيط لم يكن لهما)

– روي أن ابن عباس قال: «أول من كتب بالعربية ثلاثة رجال من بولان، وهي قبيلة سكنت الأنبار (العراق)، وأنهم اجتمعوا فوضعوا حروفًا مقطعة وموصولة، وهم: (مُرار بن مرة، وأسلم بن سدرة، وعامر بن جدرة)

فأما “مُرار” فوضع الصور، وأما “أسلم” ففصل ووصل، وأما “عامر” فوضع الإعجام..

وسُئل أهل الحيرة: ممن أخذتم العربية؟ قالوا: من أهل الأنبار» الفهرست ص6 – 7)

– رُويَ عن هشام الكلبي أنه قال: أسلم بن سدرة أول من وضع الإعجام والنقط.

– لا توجد رواية واحدة صريحة وواضحة تنسب إعجام المصحف إلى مرحلة ما بعد الإسلام، وأما نقط المصحف (الشكل) فهناك خلاف حول الشخص الذي قام بذلك،

والمرحلة التي تم فيها النقط والإعجام (قبل الإسلام أم بعد الإسلام؟ في جيل الصحابة أم التابعين؟)

– التضارب في الروايات التاريخية حول تاريخ نقط الحروف العربية ونسبتها إلى عدة أشخاص أمر واضح وجلي في كتب التاريخ، فنجد أن تناول الموضوع كان بأسلوب سردي غير موثّق، بل توجد أخطاء في الفترات الزمنية والمصادر..

وهذا ينفي كل الحشو الذي صدّعونا به عن مجهودات أبي الأسود الدؤلي ونصر بن عاصم، ويحيى بن معمر والخليل بن أحمد الفراهيدي، في تنقيط الحروف العربية… فمجهوداتهم كانت في (التشكيل) واختراع: الضمة، والفتحة، والكسرة، والشدة، والسكون، والتنوين، فقط..

والله أعلم

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى