مقالات

يسري الخطيب يكتب: لماذا لم يُـؤذِّن النبي ﷺ طيلة حياته؟

– وَمَرَّت 1446 سنة هجرية.. وما زال السؤالُ قائمًا:

لماذا لم يُؤذِّن النبي؟

– تعددت وتنوعت آراء علماء الإسلام خلال القرون الفائتة، حول هذا الموضوع..

آلاف الأبحاث، والمقالات، والخطب المنبرية، والدروس الدينية، والاجتهادات.. ولكن ما زالت علامة الاستفهام تطلّ علينا بقوة: لماذا لم يُؤذّن النبي ولو مرة واحدة في حياته؟

– لم تعرف مكة الأذان، وإنما كانت البداية في المدينة بعد بناء مسجد قباء، أول مسجد بُنيَ في الإسلام.. وكانت المشكلة التي تُؤرّق النبي (صلى الله عليه وسلم)، كيف يتجمَّعون للصلاة في المسجد؟ وكيف يعرفون دخول وقت الصلاة؟

– بدأت الاقتراحات تتوالى على النبي (صلى الله عليه وسلم)، من الصحابة، فبعضهم قال: نرفع راية قبل وقت الصلاة ليعرف الناس أن الصلاة حضرت، فلم يعجبه ذلك، وقال آخر: البُوق، فلم يعجبه ذلك، وقال النبي: (هو من أمر اليهود)، وقال أحد الصحابة: الناقوس، فقال صلى الله عليه وسلم: (هو من أمر النصارى).

– انصرف عبد الله بن زيد (رضي الله عنه) وهو مهتمٌّ لهمِّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فرأى الأذان في منامه. فجاء مسرعا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال: يا رسول الله، إني لبَيْن نائمٍ ويقظان، إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان.. وكان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يومًا.. ثم أخبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال له: ما منعك أن تخبرني؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحيَيْتُ؛ وكان عمر يخشى أن تكون أضغاث أحلام.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن زيد: (قُمْ مع بلال فأَلْقِ عليه ما رأيتَ؛ فإنه أندَى صوتًا منك)

والذي يتبادر إلى الذهن: أن الأوْلى أن يؤذِّن عبد الله بن زيد؛ لأنه هو الذي رآه، ولكن النبي قال: (فإنه أندى صوتًا منك)، وفي هذا: أن الأمور تُسْنَد إلى المناسب لها من حيث القدرات، ولهذا كان – صلى الله عليه وسلم – يوزِّع الأعمال بين أصحابه حسب قدراتهم ومؤهلاتهم، ويضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كلٌّ حسب ما يُحسِن ويصلح له.

وهذه خلاصة اجتهادات علماء الإسلام في قضية عدم أذان النبي:

1– لو أذّنَ النبي لكان من تخلّف عن الإجابة كافرا.

2– لأن الأذان رآه غيره في المنام، فوكّله إلى غيره.

3- قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن والمؤذّن أمين)

رواه أحمد وأبو داود والترمذي، … فدفع الأمانة إلى غيره.

4- قال الشيخ العز بن عبد السلام: لم يؤذّن النبي لأنه كان إذا عمل عملا أثبته، أي جعله دائمًا، وكان لا يتفرغ لذلك، لاشتغاله بتبليغ الرسالة.

وأما من قال: إنه امتنع لئلا يُعتقد أن الرسول غيره، (عندما يقول أشهد أن محمدا رسول الله) فخطأ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته: وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه.

وذكرَ علماء الإسلام:

1- قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)

لو أذّنَ النبي ولم يأتِ مسلمًا للصلاة؛ فهو لم يلبِّ نداء الله بصوت رسوله، ويكون كافرا وخارجا عن عقيدة الإسلام، لأنه يكون قد شاق الله ورسوله.

2- إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم ير في منامه الرؤيا الخاصة بالأذان، بل رآها الصحابة.. إذن فالرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يُؤمَر بالأذان.

3 – إن أعباء الرسول (صلى الله عليه وسلم)، كانت كثيرة ومهام الدعوة كبيرة، فلم يكن لديه وقت لتحرّى الأذان 5 مرات في اليوم.

4- إنه صلى الله عليه وسلم، أحب أن يخصّ الصحابة، وتحديدا (بلال بن رباح) بهذا الفضل العظيم، وبلال هو العبد الحبشي الفقير الغريب، لتعرف الدنيا أن الإسلام لا يفرّق بين البشر.

وقيل:

– لم يعتمِر النبي في رمضان، مع أنه حثّ على العمرة في رمضان وذَكَر فضلها.

ونحن نرى الآن كيف يكون ازدحام الناس وحرصهم على العمرة في رمضان، مع أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يَعتَمِر في رمضان.. فكيف لو اعتَمَر؟!

– النبي صلى الله عليه وسلم، لا ينطق عن الهوى.. وفي عدم أذانه حكمة إلهية لا ندركها نحن.. فربما حصلتْ مشقّة على الأمة، ولربما تقاتَل الناس على تلك الأفعال والسُّنَن.

– النبي صلى الله عليه وسلم حَثّ على الأذان، وذَكَر فَضل الأذان، كما في قوله: (المؤذّنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة) رواه مسلم.

فهذا قوله صلى الله عليه وسلم وحثّـه على الأذان، فلو توافَق فِعله مع قوله – صلى الله عليه وسلم – لتعارك الناس وتطاحنوا على الأذان في المساجد.

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى