يسري الخطيب يكتب: متى نكسر القاعدة اللغوية؟

يسري الخطيب.. شاعر وباحث ومترجم - مسؤول قسمي الثقافة، وسير وشخصيات
يسري الخطيب.. شاعر وباحث ومترجم – مسؤول قسمي الثقافة، وسير وشخصيات

قبل أن نقرأ هذه الكلمات، ونعرِض لتلك الاستفهامات؛ لا بُدّ أن أحيطكم علما: أن المصادر اللغوية المتضاربة لهذه القضية اللغوية التي أبحرتُ فيها، وأعرِضها هنا؛ أكثر من أن تُحصَى.. فهي متعددة متجددة، وشائكة شائقة..

1- اللغات تبدأ منطوقة، ويتناولها الناس، ويرددها البشر… وما بين اللسان والأُذُن، تنتشر اللغة وتنمو.. أما كتابة أي لغة فهو اجتهاد، وينطبق هذا على اللغة العربية…وقد نزل القرآن الكريم من السماء، على النبي (صلى الله عليه وسلم)، بواسطة جبريل، مسموعا وليس مكتوبا..

نعم.. نزل مسموعا وليس مكتوبا

فالكتابة مجرد اجتهاد، وتطوّر حسب المرحلة…

2- كلمة (100) تُنطق: مِئة.. كسر حرف الميم.. وفي بعض القراءات: مائة

وقيل إن الألف وسط (مائة) للتمييز بين (مِئة) و (فِئة)، وتجد أن اللفظتين متداولتان في التجارة والحياة العامة، فكان لا بُد من تفرقة واضحة في عصورٍ كانت الحروف فيها غير منقوطة.

مائة.. الألف تُكتب ولا تُنطق

هي [مائة] بكسر الميم، وسكون الألف، وفتح الهمزة (الألف تُكتب ولا تُنطق)

أي أن الألف مجرد زيادة كتابية لا أثر لها في النطق.

ويَنْطِقه بعضُهم (ماءة) بفتح الميم (الهمزة على السطر في بعض المعاجم)

3 – (الألف) في واو الجماعة التي زِيدت للتفرقة بين واو الجماعة، والواو الأصلية.

معلمو – مهندسو – فلاحو – مصممو

كتبوا – زرعوا – أكلوا – انقلبوا

4- (عُمر وعَمر) كتبوهما (عمر – عمرو) أي: عُمَر و َمْرو،

(عمرو) لا تُنطق فيها الواو..ولكن (الواو) وُضعت قبل التنقيط والتشكيل للتفريق بينهما..

فهل نحذف الواو هنا لعدم ضرورتها بعد حصول التشكيل، ولعدم صحة نطق الواو؟!

(فقط.. سنضع فتحة فوق حرف العين (عَمر) بديلا لـ عمرو، والواو الزائدة)

5- الفريق الأول يقول:

لا.. فهذا تُراثنا ويجب أن نحافظ عليه، مثل: (طه، هذا، لكن، أولئك)، فنحن لا نكتبها: (طاها، هاذا، لاكن، أؤلائك) وإن فتح هذا الباب سيعطي الفرصة للحاقدين على لغة القرآن الكريم في هدم بنيانها وتشويه حروفها.

6- الفريق الثاني: يصرُّ على التعديل، ويقول إن (ألف الجماعة) و(ألف مائة) و (واو عمرو) حروف زائدة، وغير صحيحة، وُضعت قبل التنقيط والتشكيل للتفريق بين الكلمات، وليس لها ضرورة الآن، والقاعدة الفقهية الشهيرة تقول: “تسقط الوسائل بسقوط المقاصد”..

7– من الطريف في لغتنا العربية المعاصرة أننا نجمع كلمة (جامعة / جامعات) والصحيح أن تُجمع على فواعل، مثل: فاكهة وفواكه، قاعدة وقواعد، حادثة وحوادث، مائدة وموائد، وغيرها… فلا يجوز مثلا أن نقول في جمع (فاكهة): فاكهات،

8- لا يجوز أن نقول في جمع (قاعدة): قاعدات….. ولكن نظرًا لأن تطبيق القاعدة هنا في هذه الحالة سوف يؤدي إلى الوقوع في اللَّبس والخلط بين جمع (جامعة) وجمع كلمة (جامع) – وهو (جوامع).. فقد تم كسر القاعدة الصرفية هنا، وتم الاستغناء عن جمع التكسير (جوامع) في جمع (جامعة) وجُمعت على صيغة جمع المؤنث السالم: (جامعات).

لأننا لو طبقنا القاعدة – في هذه الحالة – وجمعنا (جامعة) على ( جوامع)، فقلنا مثلا: “المجلس الأعلى للجوامع” بدلا من “المجلس الأعلى للجامعات” لتوهّـم الناس أنه مجلس تابع لوزارة الأوقاف، ولا صلة له بوزارة التعليم العالي.

9– حدث من قبل في لغتنا العربية، في جمع كلمة (عيد) حيث جمعوه على (أعياد) مع أن الأصل فيه أن يُجمع على (أعواد) لأن الياء في (عيد) أصلها واو، وجمع التكسير يرد الكلمة إلى أصلها، ولكن حتى لا يلتبس بجمع كلمة (عود) جمعوه على (أعياد)

والله أعلم

10– يمكننا أن نخرج من ذلك بمبدأ عام وهو أنه إذا أدى تطبيق القاعدة إلى الوقوع في اللبس جاز كسر القاعدة، لأن تحقيق غاية الإفادة والإفهام فوق تطبيق القاعدة.

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights