يكتب: «بركات أمِّي»
تذكرتُ فضل أمّي وبركات أمّي وإحسان أمّي في ذكراها الثالثة والثلاثين، ليس لأنها أمّي فقط، ولكن كمعجب بذلك النمط الفريد من النساء؛ تلك المرأة الذكية ذكاء فطريًّا عجيبًا، الوفية، الأبية، العطوف على ولدها وكلِّ ذي حاجة ورحم.
وكان لاستقامتها وحزمها وحسن توكلها على الله الدور الأكبر في تربية خمسة من الأولاد، تولت تلك المهمة الشاقة بعد وفاة الزوج ولا يزال أكبرهم يزحف نحو سن البلوغ، فكافحت كفاح عشرة رجال، وأتذكر الآن سعيها وكدّها وجهدها فأترحّم عليها وأستمد منها العزم وقوة الإرادة؛ إذ رغم هذه المشاق لم تكن تُرَى إلا مبتسمة راضية يزيّن تلك الابتسامة انفراجة ساحرة بين اثنتين من قواطعها الأمامية.
رحلت أمي فذهبت معها البركة، وحلّ محلها التخبط والتنازع بين أبناء الأم والأب، كانت أسرة واحدة تمتلك أربعة دور مليئة بالخيرات، فحيثما نظرت في أحدها وجدت الطيور بأنواعها والأرانب والحيوانات، والأرض مخضرة والمخزون وفير، ماتت فصارت الأسرة المجتمعة خمس أسر، وقحلت الدور من النّعم، وغاب الوفاء، وارتحلت الرحمة..
ومن طرائف ذلك الخير أنى أجريت عملية جراحية عام ٨٤، وأوصاها الجراح بأن تهتم بتغذيتي، فظلّت لخمسة عشر يومًا تذبح لي «ديك شمورت» وتغلق علي باب الحجرة حتى أنتهي منه، ثم تزوجتُ وصار لي بيتان فما وجدت بينهما امرأة فعلت فعلها [طبعًا هذه الجملة ستثير المعارك]، رحمها الله.
كنتُ ولا زلتُ أدعو لها ولم أوفها حقها، ولم أردّ إليها ديْنًا واحدًا من ديونها التي لا تُحصى ولا تُقدّر، ولا أملك الآن وهى في دار القرار إلا أن أدعو الله، وليشاركني في ذلك كلُّ محبٍّ لي، بأن يجعلها من أهل الفردوس الأعلى، وأن يبشرّها بروْح وريحان وربٍّ غير غضبان. آمين، آمين، والحمد لله رب العالمين.