“يوتوبيا” كلمة إغريقية الأصل، تعني “اللا-مكان”، وقد أصبحت مع الزمن تشير إلى المدينة الفاضلة التي يعيش فيها الناس في سعادة وعدالة تامة. لكنها في أدب الديستوبيا – أدب الواقع المرير – تتحوّل إلى نقيضها: جنةٌ للنخبة، وجحيمٌ للبقية.
في روايته “يوتوبيا”، كتب الدكتور أحمد خالد توفيق نبوءة مُرعبة عن مصر قادمة، مقسّمة إلى مدينتين: الأولى محصّنة ترفل في الرفاهية، والثانية منسية تتعفن فيها الحياة. لم يكن يتنبأ بالمستقبل فحسب، بل يكتب تحذيرًا أخلاقيًا بلغة الأدب، موجّهًا إلى الضمير الجمعي، في وقتٍ تتشكل فيه مدنٌ تشبه “يوتوبيا”، وأبرزها العاصمة الإدارية التي يعتبرها البعض نسخة واقعية من المدينة المفزعة التي نسجها توفيق بخيوط الخيال السوداوي.
مضمون الرواية:
تقع أحداث الرواية في عام 2023، في مصر منقسمة بوضوح:
يوتوبيا: مجتمع مسوّر على ساحل الشمال، يعيش فيه الأثرياء في رفاهية كاملة، محاطين بالحراسة، وكل ملذّات الحياة متاحة بلا قيد ولا مسؤولية.
خارج يوتوبيا: جموع الفقراء في العشوائيات، جوعى مسحوقون، محرومون من كل حقوقهم، يُنظر إليهم كمجرد أدوات تسلية أو صيد.
يقرر بطل الرواية – وهو شاب مستهتر من سكان “يوتوبيا” – خوض مغامرة مع صديقته “جرمينال”، فيدخلان عالم الفقراء بدافع الملل، لاكتشاف الإثارة في الخطر. هناك يواجهان “غبريال”، الشاب الفقير الذي يحمل بداخله بركانًا من الغضب والرفض، ويقلب عليهما الطاولة.
أبرز الشخصيات:
الراوي: شاب من يوتوبيا، لا يُذكر اسمه، يمثل انحلال الطبقة الثرية.
جرمينال: فتاة من نفس الطبقة، تحمل اسمًا رمزيًا لرواية “زولا” عن الكادحين.
غبريال: شاب فقير، يرمز للتمرد والكرامة.
عبد العال: العجوز الحكيم، لسان حال المقهورين.
أهم المقولات من الرواية:
“في يوتوبيا لا أحد يَمرض. لا أحد يجوع. لا أحد يتألم… إلا من هم خارج السور.”
“كل ما عليك فعله هو أن تولد في المكان المناسب… وستعيش كإله.”
“نحن لا نؤمن بشيء، لأننا نملك كل شيء.”
“الجوع يجعل البشر وحوشًا.”
لماذا يراها البعض نبوءة عن العاصمة الإدارية؟
يشير كثيرون إلى تشابه مدهش بين يوتوبيا الرواية والعاصمة الإدارية:
العزلة: مدينة مغلقة، مراقبة، ذات بنية فاخرة، كأنها لا تنتمي لبقية مصر.
التمييز الطبقي: اختلال واضح في توزيع الثروة والخدمات، يجعلها رمزا لمجتمع فوقي جديد.
الزمن: الرواية كُتبت عام 2008 وتدور في 2023، وهو نفس زمن ظهور العاصمة الإدارية كمشروع قائم.
النقد الرمزي: تُعبّر الرواية عن ما يُمكن أن يحدث حين تنفصل السلطة والنخبة عن الواقع الشعبي.
البعد السياسي والاجتماعي:
“يوتوبيا” تُجسد صراع الطبقات لا في الاقتصاد فقط، بل في المعنى الأعمق للإنسانية. إنها تسأل بصراحة: ماذا لو تُرك المجتمع للفقر والفساد والاحتكار؟
تصف الرواية مستقبلًا يُدار بالحراس، والامتيازات، واللامبالاة، وتسائلنا عن مصير الأمم حين تُستبدل الأخلاق بالحواجز، والرحمة بالكاميرات.
التأثير الثقافي:
الرواية أثّرت بعمق في الوعي الشبابي منذ صدورها، وطرحت سؤالًا فلسفيًا حول المصير المشترك.
تُعدّ من أبرز روايات الديستوبيا العربية الحديثة.
تحوّلت إلى مرجع أدبي واجتماعي لفهم ما يحدث حين تغيب العدالة.
لا تزال تُقرأ وتُحلّل وتُقتبس، في المؤتمرات الثقافية والندوات السياسية، وكأنها كُتبت اليوم.
رواية “يوتوبيا” ليست قصة للتسلية، بل صفعة أدبية على وجه الغفلة، ونبوءة تنذر بواقع صار ملموسًا.
في عالمٍ تتسع فيه الفجوة بين من يملكون كل شيء، ومن لا يملكون حتى حق الحلم، تصبح “يوتوبيا” درسًا في الخيال الموجع… خيالٌ يحذّرنا أن المدينة الفاضلة، إذا بُنيت على أنقاض الآخرين، لا تكون فاضلة، بل كابوسًا مذهبًا.