14 رمضان 612هـ: وفاة “ابن عطاء الله السكندري”
في 14 رمضان 612 هجرية – تُوُفيَ الشيخ (ابن عطاء الله السكندري)
(تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن عيسى بن الحسين بن عطاء الله الجذامي)
(658 هـ / 1260م – 709هـ / 1309م)
وفـدَ أجداده (قبيلة جذام)، إلى مصر بعد الفتح الإسلامي، واستوطنوا الإسكندرية، حيث وُلد “ابن عطاء الله” حوالي سنة 658 هـ، الموافق 1260م، ونشأ كجده لوالده الشيخ أبي محمد عبد الكريم بن عطاء الله، فَقيهًا يَشتغل بالعلوم الشَرعية، حيث تلقي منذ صباه العلوم الدينية والشرعية واللغوية.
– كان الشيخ ابن عطاء الله في أول حاله منكرًا على أهل التصوّف حتى أنه كان يقول: (من قال أن هنالك علمًا غير الذي بأيدينا فقد افترى على الله عز وجل)..
وعندما “تصاحبَ” على الشيخ (أبو العباس المرسي) واستمع إليه بالإسكندرية حتى أعجب به إعجابًا شديدًا، وأخذ عنه طريق الصوفية وأصبح من أوائل مريديه…
– ترك ابن عطاء الكثير من المصنفات والكتب منها المفقود ومنها الموجود، لكن أبرز ما بقي له:
1- لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس وشيخه أبي الحسن.
2- القصد المجـرّد في معرفة الإسم المفرد.
3- التنوير في إسقاط التدبير.
4- أصول مقدمات الوصول.
5- الطريق الجادة في نيل السعادة.
6- عنوان التوفيق في آداب الطريق.
7- تاج العروس.
8- الحاوي لتهذيب النفوس.
9- مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح في ذكر الله الكريم الفتاح.
10- الحِكَم العطائية.
(الحِكم العطائية، هي أهم ما كتبه، وقد حظيت بقبول وانتشار كبير، ولا يزال بعضها يُدرّس في بعض كُليات جامعة الأزهر، كما تَرجم المستشرق الإنجليزى “آرثر أربري” الكثير منها إلى الإنجليزية، وترجمها الإسباني “ميجيل بلاسيوس” إلى الإسبانية)
قالوا عنه:
ابن عطاء الله السكندري من علماء الصوفية، وينتسب إلى الطريقة الشاذلية الصوفية.
قال الحافظ ابن حجر في ترجمته له في (الدرر الكامنة): أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله تاج الدين أبو الفضل الإسكندراني الشاذلي صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه، وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين ابن تيمية فبالغ في ذلك، وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف عديدة ومات في نصف جمادى الآخرة سنة 709 بالمدرسة المنصورية كهلاً، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
قال الذهبي: كان له جلالة عجيبة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل، ورأيت الشيخ تاج الدين الفارقي لما رجع من مصر معظماً لوعظه وإشارته، وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النفوس، ومزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم فكثر أتباعه وكانت عليه سيما الخير…
وقال عنه الزركلي في الأعلام: أحمد بن محمد بن عبد الكريم، أبو الفضل تاج الدين، ابن عطاء الله الإسكندري متصوف شاذلي، من العلماء.
كان من أشد خصوم شيخ الإسلام ابن تيمية
له تصانيف منها: الحكم العطائية في التصوف، وتاج العروس في الوصايا والعظات، ولطائف المنن في مناقب المرسي وأبي الحسن.
أما أشهر كتبه، فهو (الحِكم العطائية).. حكم وأقوال رائعة، لكن في بعضها مخالفات كثيرة في العقيدة، مثل عقيدة (وحدة الوجود) و(الاتحاد والحلول) الموجودة عند الصوفية، وفيها بعض الغموض المفتعل، وقام بشرحها بعض من انتسب إلى الطرائق الصوفية من أصحاب البدع، ومثلهم لا يؤتمنون، وقد يحمّلون العبارات أكثر مما تحتمل وفقاً لأذواقهم ومواجيدهم.
وقفة:
استخرج علماء أهل السُّنّة والجماعة عشرات المغالطات والبدع من كتب ابن عطاء الله السكندري، ومنها على سبيل المثال:
يقول ابن عطاء الله السكندري: (سمعت شيخنا (يقصد المرسي أبو العباس) يقول في قوله عز وجل: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} أي: ما نذهب من ولي لله إلا ونأتِ بخير منه أو مثله. (لطائف المنن صفحة: 63)
ويقول أيضاً في كتابه تاج العروس: (كل من كان مراعياً لحق الله تعالى، لا يُحدِثُ اللهُ حدثاً في المملكة إلا أعلمه. نظر بعضهم إلى جماعة فقال لهم: هل فيكم من إذا أحدث الله سبحانه وتعالى في المملكة حدثاً أعلمه.؟ قالوا: لا. فقال لهم: ابكوا على أنفسكم).
كان ابن عطاء مثل كل الصوفية، يعتمدون على تأويل آيات القرآن تأويلًا باطنيًّا، يصرف الآيات عن مرادها، على طريقة الفرق الباطنية التي ادَّعت أن للإسلام والقرآن ظاهرًا وباطنًا.
يقول ابن عطاء الله السكندري: (لكل آية ظاهر وباطن، وحدّ ومطلع)، كما نقل ابن عطاء عن بعض شيوخه، أنه فسر الآية {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا} الحسنات، {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} العلوم، {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} علومًا وحسنات، {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} [الشورى: 49-50] لا علم ولا حسنة.
الغلوّ في شيوخ الصوفية، وتقديسهم، فقد قالوا عن الشاذلي إن مقامه عند عرش الرحمن، وإن الله كلمه في جبل زغوان الذي اعتكف فيه، وزعموا أنه ما من كائن أو ولي لله إلا وأطلع الله شيخهم أبا العباس المرسي عليه وعلى اسمه ونسبه وكم حظه من الله، وكان الشاذلي يقول مفتخرًا بتلميذه أبو العباس المرسي: (يأتي الأعرابي إليه يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفًا بالله)
وتزعم الصوفية أن المرسي كان يتكلم في سائر العلوم وكل اللغات والألسن، ويقول: (شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ولم يشاركونا فيما نحن فيه)، وكان يقول وهو يمسك بلحيته: (لو علم علماء العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو على وجوههم)
يعتقد أهل الطريقة الشاذلية أن كل المنتسبين للشاذلي لا يدخلون النار، ويرددون مقولة الشاذلي: (أعطيت سجلًّا مدَّ البصر، فيه أصحابي وأصحاب أصحابي إلى يوم القيامة عتقاء من النار)
ومن القصص المنسوبة للسكندري أن رجلًا من تلامذته حَجَ فرأى الشيخ في المطاف وخلف المقام، وفي المسعى وفي عرفة، فلما رجع سأل عن الشيخ هل خرج من البلد في غيبته في الحج فقالوا: لا، فدخل وسلم على الشيخ فقال له: من رأيت في الحج في سفرتك هذه من الرجال؟ فقال الرجل: يا سيدي رأيتك، فتبسم ابن عطاء وقال: الرجل الكبير يملأ الكون.
ومن كراماته المزعومة: أن الكمال بن الهمام زار قبره فقرأ عنده سورة هود حتى وصل إلى قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105]، فأجابه من القبر ابن عطاء الله بصوت عال: (يا كمال ليس فينا شقي)، فأوصى الكمال بن الهمام أن يدفن هناك.
ومن مغالطات ابن عطاء القول بوحدة الوجود، وكان يرى أن كل موجود هو الله ولا وجود لسواه على الحقيقة وأن الخالق والمخلوق واحد، ومثلها نظرية الاتحاد والحلول، ولذا كان يقول: (أنت مع الأكوان ما لم تشهد المكوَّن، فإذا شهدته: كانت الأكوان معك).
كان يرفض الدعاء، ويرى أن الدعاء والطلب من الله اتهامًا له سبحانه وتعالى، ويستدلُّ ابن عطاء الله على ذلك بحديث باطل على لسان سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (حسبي من سؤالي علمه بحالي)، وهو مخالف للآيات والأحاديث الكثيرة التي تحض على دعاء الله كقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} أي: عن دعائي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]
كان يرفض الزواج والتناسل مخالفة لسنة الله في الأرض الداعية إلى إعمار الأرض
دعوته للتوكل الكامل على الله، بلا تفكير أو عمل، وكان يرفض الأخذ بالأسباب، فيقول: (أرح نفسك من التدبير، فما قام به غيرك عنك: لا تقم به لنفسك)
وفاته:
تُوفي الشيخ ابن عطاء الله في القاهرة، 14 رمضان سنة 709 هـ، ودُفنَ بمقبرة المقطم، بسفح الجبل، بزاويته التي كان يتعبد فيها، ولا يزال قَبره مَوجودًا إلى الآن بجبانة سيدي على أبو الوفاء، تحت جبل المُقطم، من الجهةِ الْشرقية لجبّانة الإمام الليث.. وقد أقيم على قبره مسجد في عام 1973م.
———–
يسري الخطيب