2 أغسطس 1849م: وفاة “محمد علي” مؤسس الأُسرة العَلَوية الحاكمة في مصر
(محمد علي باشا المسعود بن إبراهيم آغا القوللي)
– الميلاد: 4 مارس 1769م، بمدينة قَوَلَة، مقدونيا (قَوَلَة: بفتح حروف القاف والواو واللام)
(قَوَلَة = كافالا: مدينة يونانية تقع في شمال منطقة مقدونيا)
– “محمد علي” ابن أحد الأُسَر الألبانية الأصل، وكان أبوه رجلا ثَريًّا، وكبير تجار التبغ، والسفن البحرية، وأنجب 17 ولدًا، لم يعش منهم سوى “محمد علي”
وقبل كل ذلك، كان والده (مسعود إبراهيم باشا) رئيسا للجند غير النظاميين في الدولة العثمانية، وكان من الشخصيات العامة المرموقة في دولة الخلافة، وهذا ينفي كل ما يقال عن شخصية محمد علي، وأنه كان مجرد عسكري مجهول في جيش الخلافة العثمانية.
– الوفاة: 2 أغسطس 1849م. (80 سنة) الإسكندرية، مصر،
– عندما بلغ سن العاشرة عملَ مع والده في تجارة الدخان وتأجير السفن، وملازمة والده في أعماله الأمنية والعسكرية.
قيادة الباشبوزق
– تولّى بعد والده رئاسة الجنود غير النظاميين (باشبوزق)؛ وأظهر شجاعة فائقة.
(باشبوزق أو باشي بوزوق (بالتركية: Başıbozuklar، ومفردها Başıbozuk) نوع من العساكر غير النظاميين في الجيش العثماني من المشاة والفرسان، كانت لهم أسلحة وتجهيزات مختلفة خاصة بهم، وكان أغلبهم من الألبان والأكراد والشركس، بالإضافة إلى جميع الأعراق الأخرى، وكانت تتم الاستعانة بهم في السيطرة على الاحتجاجات، وضبط الأسواق، وحراسة المؤسسات السيادية، والأماكن المهمة، وكانوا يشبهون قوات حميدتي في السودان الآن، لكن قوات الباشبوزق كانت تحت سيطرة الدولة)
المجيء إلى مصر
– جاء “محمد علي” إلى مصر عام 1799م، ضمن فرقة عسكرية عثمانية للعمل على إخراج الفرنسيين من مصر، لكنّ القوات العثمانية انهزمت في موقعة “أبي قير البرية”، ولذا غادر مصر.
– عاد مرة أخرى إلى مصر عام 1801م، ضمن جيش القبطان حسين الذي جاء ليساعد الإنجليز على إجلاء الفرنسيين عن مصر؛ فذاعت شهرته وعلا نجمه عند العثمانيين وبين عامة المصريين.
– بعد جلاء الحملة الفرنسية تمت ترقيته إلى رتبة سرجشمة (لواء)، ثم رُشِّحَ لمنصب رئيس القيادة العامة وقائد حرس القصر لدى الحاكم العام (وزير دفاع وقائد حرس القَصر الحاكم)
– في 9 يوليو عام 1805م، وافق السلطان العثماني على طلب العلماء وقام بتعيين محمد علي واليًا على مصر وعزلَ خورشيد باشا.
الرجل القوي
– مؤسس الأُسرَة العَلَويّة التي حَكَمَت مصر، من 1805م، حتى 1952م، والرجل القوي الذي نجح في السيطرة على حُكم مصر وما حولها، وكانت بداية ولايته مليئة بالحروب ضد المماليك، والإنجليز، والثوار اليونانيين، واستطاع أن يبسط سيطرته على الكثير من الدول الأخرى بفضل قوته، حتى قال عنه المؤرخون: حجّاج مصر
– حاكم مصر، في الفترة من 1805م إلى 1848م، بعد أن بايعه أعيان البلاد ليكون واليًا عليها، وبعد ثورة الشعب على سلفه خورشيد باشا،
إمبراطورية محمد علي
– بواسطة ذكائه الحاد، واستغلاله للظروف المحيطة به؛ نجح في أن يستمر حاكما على مصر، 43 سنة..، ليكسر بذلك العادة العثمانية التي كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين.
– في كتابه: (كل رجال الباشا.. محمد علي وجيشه وبناء مصر الحديثة).. يفضح المؤلف الدكتور خالد فهمي، حقيقة “محمد علي” تاجر الأفيون وأكبر سارق للآثار المصرية
– يرى المؤلف أن مقولة “محمد علي باني مصر الحديثة” مقولة كاذبة
كما يرى أن إمبراطورية “محمد علي” العسكرية وحروبه في كلٍ من السودان، والحجاز، واليونان، وسوريا، لم تكن نابعة من رغبته في تحقيق استقلال مصر عن الدولة العثمانية كما يزعم أغلب المؤرخين، وإنما كانت نابعة في الأساس من أطماعه التوسعية، وكراهيته للوحدة الإسلامية، ورغبته في تحقيق المجد الشخصي له ولأسرته من بعده.
فقد كان محمد علي، مدمنا للحشيش (الأفيون) خامورجيا.. لا علاقة له بالإسلام إلا في اسمه …
– يؤكد المؤلف أن “محمد علي” عند تأسيس الجيش لم يدر بخلده أن يستعين بالمصريين في الجيش، فهم بالنسبة له مجرد “فلاحين أغبياء” لا يصلحون للجندية، فاستعان في بداية الأمر بالألبان، إلا أنه لم يستطع أن يمارس أساليب الانضباط عليهم، وحين تمردوا عليه قرر جلب جنود للجيش من السودان، وأرسل حملة إلى السودان لهذا الغرض، وكان يسمّي “البشر” الذين يتم جلبهم من السودان للتجنيد بـ”العبيد”.
– عندما زادت نسبة وفيات الجنود القادمين من السودان، خلال رحلة جلبهم من هناك إلى مصر، ووصلت إلى الآلاف؛ اضطر محمد علي، في النهاية، إلى تجنيد المصريين الفلاحين في الجيش بعد أن كان يرفض هذا من قبل.
– كان “محمد علي باشا” لا يعرف القراءة والكتابة العربية، وتعلّمها وهو في سن السابعة والأربعين من عمره..
“محمد علي باشا” لم يكن أُمّيًّا، كما ذكر بعض المؤرّخين الذين ظلموه، لقد كان جاهلا بالعربية فقط،، ولكنه كان يجيد التركية، والألبانية، والمقدونية، والإنجليزية، والفرنسية.
سياسة ميكافيللي
– استخدم محمد علي سياسة ميكافيللي، ورفع شعار: «من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك».. ولذا كان مكروها من المصريين في ذلك الوقت.
– رغم أنه كان جاهلا بالعربية، لا يقرأ ولا يكتب بها، إلا أنه كان عبقريا، حاد الذكاء، سبق عصره ومعاصريه في كل شيء..
وأصبحت حدود مصر من الشام لمنابع النيل
– كانت حدود مصر في عهد الرجل القوي: محمد علي باشا، تشمل: مصر، والسودان، ومناطق منابع النيل، وبلاد الحجاز، والجزيرة العربية، واليمن، والشام، وأعالي العراق، وأجزاء من بلاد اليونان، ووصل بجيوشه لمعقل الدولة العثمانية بعد أن اجتاز جبال طوروس (جبال طوروس هي سلسلة جبلية تقع شرق الأناضول التركية)، وكاد أن يسيطر على مقرّ الخلافة، لولا اتحاد جميع الدول الأوروبية ضده، وأرغموه على التراجع، وكانت نهايته الفعلية بمؤتمر لندن 1840م، والذي سلبه كل شيء، وكان السبب في مرضه، وجنونه بعد ذلك.
– كان يفاجيء رجال حكومته في أماكن العمل، فكان يظهر في الإسكندرية أو القاهرة من دون ترتيب أو معرفة أحد، ويرفض الإقامة في القصور أثناء سفرياته في الأقاليم، بل كان ينصب خيمة يستقبل فيها الأعيان،
هل كان محمد علي ماسونيا؟
– كان محمد علي قليل النوم، دائم النشاط، لا يهدأ أبدا ولا يرتاح، ويشك في كل شيء، وأي أحد، فكان يستيقظ في الرابعة صباحا، والعمل عنده يبدأ من قبل شروق الشمس يوميا.. ولذا أتعب كل العاملين في القلعة.
– قال الدكتور على الصلابي: لم يكن من السهل على شاب قليل الخبرة وقليل المعرفة بمصر وطبيعتها أن يصل إلى ما وصل إليه محمد علي، مهما كانت قدرته أو ذكاؤه إلا إذا كان يستند إلى قوة تخطِّط له، وتعينه على تحقيق أهدافه، وتسخّره في نفس الوقت لتحقيق أهدافها، وبخاصة أنه كما ذكر عن نفسه (لا يصلح للولاية وليس من الوزراء ولا من الأمراء ولا من أكابر الدولة)، ويكفينا أن نعرف أن محمد على كان ماسونيًّا، كارهًا للأديان والشريعة الإسلامية تحديدا..
هل ظلمَ المؤرخون محمد علي باشا؟
معظم المؤرّخين الذين كتبوا عن (محمد علي) ظلموه، وقلّلوا من شأنه، لسببين:
1- علمانية محمد علي
2- مجاملة ثورة يوليو 1952م.
رغم أنه ابن الأثرياء، وابن المؤسسة العسكرية العثمانية، وكان والده من كبار دولة الخلافة
فلم يكن محمد علي أُمّيًّا كما تقول المصادر، وتردد الكتب المدرسية، لكنه بالفعل كان يجهل اللغة العربية.
ولم يكن فقيرا مجهولا كما تصرّ المصادر التاريخية على تكرار ذلك، فقد كان والده (ملياردير بلغة هذه الأيام) وكان محمد علي هو الابن الوحيد، ولذا ورث كل شيء، ولم يكن ثراء محمد علي عن طريق صديقه الفرنسي (ليون) تاجر الآثار، والتبغ، كما تقول جميع المصادر،، فكيف ذلك ووالده كان كبير تجار التبغ في المنطقة، وليس تركيا أو مصر فقط..
وكيف كانت معه قوة كبيرة تسانده كما قالوا، وقد وقفت ضده كل دول الغرب في مؤتمر لندن، وعلى رأسهم فرنسا التي زعمهوا أنها صنعته، رغم أنه حاربها كثيرا
الأسئلة كثيرة.. والإجابات أكثر، لكن الشيء الجلي الواضح الذي خرجتُ به بعد قراءتي لكل المصادر المذكورة في الأسفل، أن محمد علي جاء به القدَر، لم يكن ملاكا، ولا شيطانا، ولم تسانده أي قوة أجنبية، ولكنه كان طموحا، تركه الغرب في البداية لأنه كان بعيدا عن ممتلكاتهم، لكنه عندما اقترب من الحدود الأوروبية واحتل ألبانيا، وكاد يسيطرعلى دولة الخلافة، تصدّى له الغرب، وأعادوه لنقطة الصفر، وخاصة بعد إعلان إبراهيم باشا قائد الجيش عن رغبته في احتلال إيطاليا، وهنا اتحدت الدول الصليبية رغم خلافاتهم الشديدة، والحروب المشتعلة التي كانت دائرة بينهم، وأصبح هدفهم جميها هو القضاء على هذا الخطر القادم من بلاد الإسلام..
عزل محمد علي
– رغم ظروف “محمد علي باشا” العقلية السيِّئة، وعدم قدرته على القيام بدور الحاكم؛ لم يجرؤ أحد في عائلته بالمطالبة بعزله، أو حتى التفكير في ذلك، بسبب قوة شخصية الباشا الطاغية، ورجاله في دولته العميقة التي صنعها على مدار أربعة عقود.
– في مارس 1848م، جاء فرمان الباب العالي في تركيا، بتولية ابن محمد علي: (إبراهيم باشا)، حُكم مصر، فقد كانت الدولة العثمانية تتجنّب الصدام مع الرجل القوي محمد علي، ولم تصدر فرمان عزله، إلا بعد أن تأكدت بأنه فقدَ عقله، وصار مجنونا، لا يَعِي، ولا يشعر بأي شيءٍ يدور حوله،
– لم يستمر إبراهيم باشا في الحُكم أكثر من سبعة أشهر ونصف، ومات قبل والده، وهو لم يتجاوز الستين من عمره في 10 نوفمبر 1848م، واختلف المؤرخون في سبب وفاته المفاجئة، رغم عدم مرضه، فمنهم من قال: سكتة دماغية، وبعض المؤرخين يؤكدون أنه مات مسموما، بسبب رفض المصريين لما فعله إبراهيم باشا في الحجاز من قتل وإذلال وتعذيب واعتداءات على المساجد والبيوت والنساء..
النهاية
– أُصيب محمد علي، بمرض الخرف، (ألزهايمر في مراحله المتأخرة) (Alzheimer’s disease) في آخر ثلاث سنوات من عمره، ثم فقد عقله تماما، وأصبح مجنونا، وأغلقوا عليه حجرة نائية في القصر حتى لا يراه أحد، وربطوه كالبهائم حتى لا يقترب من النوافذ والباب، ويحدث صوتا، ويفضح الأسرة العلوية.. فلم يكن يعي أي شيء..حتى أنه لم يعرف بوفاة ابنه إبراهيم…
فسبحان الله مالك المُلك، الملِك الجبار..
– الداهية محمد علي الذي حَكمَ قارتَيْ أفريقيا وآسيا، أصبح لا يعِي شيئا، ويقضي حاجته من دون وَعيّ، في مكان مأكله ومشربه، وهو مربوط كالبهائم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله
– تُوفي “محمد علي” في قصر رأس التين بالإسكندرية يوم 2 أغسطس سنة 1849م، الموافق 13 رمضان سنة 1265هـ، فنُقلَ جثمانه إلى القاهرة، حيث دُفنَ في الجامع الذي كان قد بناه قبل زمن في قلعة المدينة.
– كانت جنازة محمد علي باشا، بائسة، قليلة العدد، هزيلة، بسبب كراهية الوالي عباس حلمي لـ محمد علي، فلم يدع السفراء والقناصل، للمشاركة في الجنازة، ولم تُغلق الحوانيت ولا الدوائر الحكومية.. ولم يشعر المصريون بالجنازة، ولم يعرفوا بموت محمد علي باشا.
—————–
أهم المصادر:
1- عصر محمد علي
(عبد الرحمن الرافعي)
2- محمد علي
(إلياس الأيوبي)
3- حروب محمد علي
(السيد فرج)
4- دولة محمد علي والغرب
(حسن الضيقة)
5- أعلام وأقزام
(د. سيد العفاني)
6- كل رجال الباشا
(د. خالد فهمي)
7- الدولة العثمانية.. عوامل النهوض وأسباب السقوط
(د. علي الصلابي)
8- محمد علي باشا والماسونية
(د. علي الصلابي)
9- محمد علي باشا
(د. محمود السيد الدغيم)
10- موسوعة تاريخ مصر
(أحمد حسين)
11- أيام محمد علي
(عصام عبد الفتاح)
12- محمد علي وأولاده
(جمال بدوي)
——————
يسري الخطيب