الأثنين مايو 20, 2024
علي عزت بيجوفيتش تقارير سلايدر سير وشخصيات

19 أكتوبر 2003م:

20 سنة على رحيل المجاهد والمفكّر الإسلامي “علي عزّت بيجوفيتش”

علي مصطفى علي عزّت بيجوفيتش

– الميلاد: 8 أغسطس، 1925م، شاميتس، البوسنة والهرسك

– الوفاة: 19 أكتوبر 2003م، سراييفو، البوسنة والهرسك

– عائلة عزّت بيجوفيتش:

بيج = كلمة “بك” التركية، وفيتش= ابن أو آل، على غرار ما يرد في الأنساب العربية، وبهـا يشـتهر أهـل البوسـنة والهرسـك كـما نلاحظ أثنـاء قـراءة أنـسابهم، حيث تُلـحق بآخـرها، مثـل: إبراهيموفيتش، خليلوفيتش.. إلخ.

– أحد أهم الشخصيات في التاريخ الحديث، القائد الحكيم، والعالم الكبير: علي مصطفى علي عزت بيجوفيتش.

“علي عزت بيجوفيتش”.. صاحب أعظم مقُولة في القرن العشرين:

كنتُ أستعرض ثقافتي أمام المفكّر الإسلامي العملاق، الداعية الدكتور عبد الصبور شاهين، في سنة 2001م، وأحكي عن أشهر المقولات والحِكَم في التاريخ الإسلامي، فابتسم نصف ابتسامة، وقال بلغته العربية الفصيحة: كلها لا تصل إلى عبقرية مَقُولَة بيجوفيتش، (كان الدكتور عبد الصبور من المُتيّمين بـ بيجوفيتش، ويرى أنه رجل القرن العشرين) وكنتُ لا أجرؤ على مقاطعته عندما يتكلم (مثل أستاذي محمد القدوسي، فهو كالقطار لا تستطيع إيقاف ثقافته المتدفقة عندما يتحدث)

بيجوفيتش؟

– قال: نعم.. “علي عِزّت بيجوفيتش”

فقد عَـطَّـرَ سماء القرن العشرين، بل والتاريخ البشري كله بكلماته التي زلزَلَت قواعد اللغة، وعوالم الكَلِم:

(لا يوجد شيءٌ في هذه الحياة، يستحق أن يعيش الإنسان من أجْلِه، أو يموت من أجْلِه؛ سِوَى الإسلام)

حِفظ القرآن وصلاة الفجر

– أجاد قراءة اللغة العربية في الكُتّاب، وقبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية، وقرأ القرآن الكريم كاملا من المصحف وهو في الخامسة من عمره، وأتم حفظه وهو في المرحلة الابتدائية

– يقول بيجوفيتش: (كان أبي يأخذني معه لصلاة الفجر في مسجد (حجسيكا) المجاور لمنزلنا، قبل دخولي المدرسة، ولذا أصبحت فريضة جماعة الفجر بالمسجد في دمي، لا أتركها مهما حدث، فصلاة الفجر في المسجد لها مذاق خاص، وروحانيات عذبة، لا يعرفها، ولا يدرك معانيها إلا المواظب على صلاة الفجر بالمسجد)

سيرة ذاتية وأسئلة لا مفرّ منها

في كتابه: (سيرة ذاتية وأسئلة لا مفرّ منها) ترجمة د. عبد الله الشناق، ود. رامي جرادات، 2004م.. يروي المفكر الإسلامي بيجوفيتش، ما رآه في حياته، ورأيه في الغرب، وما يتمناه للمسلمين، ولماذا تأخروا.. وتعالوا نقتطف من كتابه:

النشاط الفكري في الجامعة

في الجامعة، في زغرب وبلجراد، بدأ على عزت يتجه إلى تبنّي التصوّر الإسلامي، الذي أيقن أنه يتلاءم مع مع أفكاره الخاصة، واتفق مع زملائه على إنشاء جمعية لهم باسم (جمعية الشبان المسلمين) تتبنّى أفكار الإسلام ومعارضة الفاشية والشيوعية والإلحاد، ونظرًا لسقوط يوغسلافيا تحت الغزو الألماني في أبريل 1941م، لم تُسجّل الجمعية بشكل رسميّ، لكن أفكار ومباديء الجمعية انتشرت في أوساط طلاب الثانوية والجامعات، وصار لها مؤيدون في كل أنحاء البوسنة والهرسك، وظلّ نشاط الجميعة مستمرًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

الشيوعيون

بانتهاء الحرب العالمية الثانية، تحوّلت يوغسلافيا من الملكية إلى الشيوعية، واستولى الشيوعيون على سراييفو في أبريل 1945م، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع والمعاناة تجاوزت 40 عامًا، وحاول الشيوعيون استمالة شباب الجمعية مع تهبيط أنشطتهم الفكرية والإعلامية، لكن ذلك لم يتمّ، ومن حينها بدأت مرحلة السجون.

تجربة السجن الأولى

تم القبض على “بيجوفيتش” ومجموعة من زملائه، في مارس 1946م، وعلى إثر محاكمة صورية، تم الحكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة. ورغم ذلك، استمرت الجمعية في نشاطها الفكري، واتسع انتشارها في البوسنة والهرسك، فألقت السلطات القبض على مجموعات أخرى في 1947م، وفي 1948م.

وفي عام 1949م، شنّت السلطات الشيوعية عملية كبرى للقضاء على الجمعية تمامًا، ليثبتوا للرئيس السوفيتي “ستالين” أنهم غير متراخين مع الجهات المضادة للثورة الشيوعية، ووسّعوا دائرة الاعتقالات ومداهمات المنازل إلى أقصى مدىً، وتمَّ تدمير الجمعية تدميرًا كاملاً، وأعدِم قائد الجمعية “خالد كايتاز” رميا بالرصاص، وأودع قادة الجمعية في أنحاء البلاد بالسجون، وتبعثر الباقون أو لجأوا إلى الاختفاء.

في مارس 1949م، أنهى “بيجوفيتش” مدّته وخرج من السجن، وعاد سريعا لممارسة نشاطه الديني والسياسي، وسط تلك الأوضاع القاسية اقتصاديا وسياسيا، لكن في عام 1975م، بدأت الأوضاع تتحسّن نسبيًا عبر إصلاحات دستورية، أعطت كوسوفو كيانًا سياسيًّا، مثل بقية الجمهوريات اليوغسلافية الأخرى، وسمحت ببناء مسجد في بلجراد للمسلمين، وإنشاء معهد دراسات إسلامية في سراييفو.

التغوّل الصربي

بوفاة تيتو في 1980م، تاركًا دولةً على وشك التآكل، تغوّلت القومية الصربية التي بدأت تهاجم عصر تيتو نفسه، وعلاقاته الدولية، وإصلاحاته الدستورية قبل خمس سنوات، وتصاعد هجومهم العدائي على البوشناق المسلمين.

تجربة السجن الثانية

في عام 1983م، تمت محاكمة “على عزت بيجوفيتش” مع مجموعة من زملائه المفكرين والمثقفين البوشناق المسلمين، بتهمة القيام بثورة مضادة والتآمر ضد نظام الحكم، دون وجود أي إشارة إلى أسلحة أو مليشيات مدربة أو مظاهرات أو منشورات أو أجندة اجتماعات سرِّيَّة.. وحكمت المحكمة عليهم بأحكام متنوّعة، حصل منها بيجوفيتش على حكم بالسجن 14 عامًا مع الأشغال الشاقة.

وعندما انتقلت القضية للاستئناف، تم تخفيف الحكم على “بيجوفيتش” إلى 12 عامًا، بناءً على التماسات قدّمها بعض مثقّفي بلجراد، ومثقفين آخرين من خارج يوغسلافيا، وفي السجن، بدأ بيجوفيتش التكيّف مع مناخ العزلة والكآبة، وشرع يسجّل ملاحظاته وتأملاته عن الحياة والمصير والدين والسياسة، والكتب ومؤلفيها، وعن كل ماخطر بباله طوال 2075 يومًا قضاها في السجن.

الخروج إلى الحرية

مع إلغاء دستور 1975م، وإلغاء كل مظاهر الحكم الذاتي التي حصلت عليه كوسوفو، اندلعت مظاهرات واحتجاجات في كوسوفو، ونزلت الدبابات اليوغسلافية إلى الشوارع للتعامل مع الوضع، وتزامنت هذه الأحداث مع انهيار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، ومن ورائه الأنظمة الشيوعية لدول شرق أوروبا.

بيجوفيتش رئيسا للبوسنة والهرسك

شكّلت هذه الأحداث مناخًا سياسيًا ساهم في سرعة الإفراج عن “على عزت بيجوفيتش”، الذي خرج متجهزًا للتعامل وفق منظور جديد كزعيمٍ يثق فيه شعبه ويأتمنه على مستقبله وهويته، وليس مجرد مفكّر ومناضل كما كان فيما سبق، وسرعان ما تمّ اختياره زعيمًا للحزب الجديد “حزب العمل الديمقراطي”، ثم انتخابه رئيسًا لجمهورية البوسنة والهرسك في عام 1990م.

علي عزت بيجوفيتش

– أول رئيس جمهوري لجمهورية البوسنة والهرسك بعد انتهاء حرب البوسنة والهرسك

– مفكّر ومجاهد إسلامي،

شخصية القرن العشرين

– اختاره الدكتور عبدالصبور شاهين (رحمه الله) في آخر حوار لي معه قبل وفاته: شخصية القرن العشرين.

– مؤلف لعدة كتب، أهمها:

1- الإسلام بين الشرق والغرب.

2- الإعلان الإسلامي.

3- هروبي إلى الحرية.

4 – عوائق النهضة الإسلامية.

5 – الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية.

6 – البيان الإسلامي.

7- سيرة ذاتية وأسئلة لا مفرّ منها

الجوائز والتكريمات:

– نال الرئيس المفكّر الداعية “علي عزّت” العديد من الجوائز، ولم يكن يتطلع إليها، ولا يسعى لنوالها، بل كانت هي التي تأتيه طوعًا، فقد عرفه البوسنيون، والعرب، والمسلمون، والمثقفون، والسياسيون من سائر الأجناس، وكان معظم المحبين له، والذين يعرفون فضله ومقامه في ميادين السياسة، والفكر، والدعوة؛ هم الذين يرشحونه، وهم الذين يمنحونه الجائزة تلو الجائزة،

ومن هذه الجوائز:

1- جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1993م.

2- جائزة (مفكر العام) من مؤسسة علي وعثمان حافظ عام 1996م.

3- جائزة جلال الدين الرومي الدولية لخدمة الإسلام في تركيا.

4- جائزة الدفاع عن الديموقراطية الدولية، من المركز الأمريكي للدفاع عن الديموقراطيات والحريات.

5- جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم (رمضان 1422هـ)، تقديرًا لجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين.

الوصيّة:

– رغم سجنه 13 سنة، بسبب دفاعه عن حقوق شعبه المُحتل، ظل مدافعا عنيدا عن حرية شعبه.. ولم يكن بيجوفيتش مجرد مناضل سياسي وزعيم وطني، بل كان المفكّر الإسلامي العملاق، والمثقف الموسوعي الذي يجمع بين العلوم الشرعية والعصرية.

– ترك وصيته الشهيرة، مع رئيس وزراء تركيا، ورئيسها الحالي الرئيس: رجب طيب أردوغان قبيل وفاته،

يقول بيجوفيتش لأردوغان (رئيس الوزراء في ذلك الوقت) في الوصيّة: (هنا أرض الفاتحين، دافعوا عن البوسنة وحافظوا عليها، هذه الأراضي أمانة في أعناقكم).

– وفاة علي عزت بيجوفيتش:

بعد أن استمر رئيسًا لدولة البوسنة والهرسك 10 سنوات، خرج ببيان مفاجيء، وأعلن عن تركه لمنصبه بعد الفترة الرئاسية الحالية، فقد تجاوز الخامسة والسبعين، وأنهكته السنون، وهـدّه المرض، وحفرت قسوة الأيام أخاديدًا في وجهه الشاحب، وضعفَ بصره، ولم يعد قادرا على الرؤية جيدا، واستسلم البطل الذي تحدى دولة يوغوسلافيا الشيوعية بكامل جبروتها للمرض..

ومات علي عزت بيجوفيتش

وخرجت البوسنة كلها تودّع بطلها الأسطوري، وفارس الإسلام في القرن العشرين.

لقد آن لجسده أن يستريح

– اللهم اجعل كل أعماله، وكل ما قـدّمه للإسلام، في ميزان حسناته

 اللهم اغفر له، وارحمه، وتجاوز عن سيئاته، واجعله رفيق النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة.

———–

المصدر:

موسوعة (شموسٌ خَلْفَ غيومِ التأريخ – الجزء الأول – يسري الخطيب)

Please follow and like us:
يسري الخطيب
- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب