في تحول لافت في المواقف الغربية تجاه الحرب في غزة، أعلنت بريطانيا و24 دولة من حلفائها، اليوم الإثنين 21 يوليو 2025، دعمها لوقف فوري وغير مشروط للصراع المستمر، في خطوة تعكس تصاعد القلق الدولي إزاء التدهور الإنساني في القطاع. وجاء البيان المشترك وسط تصاعد الانتقادات الموجهة لإسرائيل بشأن استهداف المدنيين وعرقلة دخول المساعدات،.
تصاعد القلق الدولي
ووسط جهود دولية متواصلة تقودها الولايات المتحدة وقطر ومصر للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة. ومع تزايد أعداد القتلى، واستمرار احتجاز الرهائن، وطرح خطط مثيرة للجدل بشأن تهجير السكان، باتت الحرب في غزة تمثل نقطة اختبار حاسمة لمصداقية المجتمع الدولي وقدرته على فرض القانون الإنساني وحماية المدنيين.
أصدرت بريطانيا و24 دولة من حلفائها الغربيين، من بينهم كندا، أستراليا، فرنسا، اليابان، وإيطاليا، يوم الإثنين 21 يوليو، بيانًا مشتركًا يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط ودائم للحرب في غزة، معتبرين أن الوضع الإنساني في القطاع “وصل إلى مستويات غير مسبوقة من المعاناة”، حسبما نقلت وكالة رويترز وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC).
البيان الذي تم التوصل إليه بعد مشاورات بين وزراء خارجية وسفراء الدول المعنية، أكد أن “إراقة المزيد من الدماء لا طائل منها”، ودعا المجتمع الدولي إلى التوحد لإنهاء النزاع، مؤكدًا دعم جهود الولايات المتحدة وقطر ومصر للتوصل إلى تسوية.
انتقادات للمساعدات “المُسيسة”
وفي لهجة تصعيدية غير معتادة تجاه إسرائيل، وصفت الدول الموقعة جهود الإغاثة الإنسانية المدعومة من تل أبيب بأنها “خطيرة” و”تحرم المدنيين من الكرامة”،
معتبرةً أن ما يجري من توزيع مساعدات “بالتنقيط” وقتل مدنيين – بينهم أطفال – خلال محاولتهم الحصول على الغذاء، “أمر لا إنساني وغير مقبول”، وفقًا لما أوردته صحيفة الغارديان البريطانية.
كما حثّ البيان الحكومة الإسرائيلية على “رفع جميع القيود المفروضة على تدفق المساعدات الإنسانية فورًا”، داعيًا إلى تمكين الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية من “العمل بأمان وفعالية لإنقاذ الأرواح”.
موقف الأمم المتحدة
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في تقرير صدر الأسبوع الماضي أن ما لا يقل عن 875 فلسطينيًا، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الوصول إلى المساعدات عبر مؤسسة غزة الإنسانية (GHF)، وهي مبادرة وزعتها القوات الإسرائيلية في مناطق محددة من جنوب القطاع.
وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن “توزيع المساعدات تحت السلاح وعبر مناطق نيران ليس مساعدة بل استغلال إنساني للمشهد”، مضيفًا أن “استهداف المدنيين أثناء سعيهم للبقاء يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي”، بحسب ما نقلته وكالة أسوشيتد برس (AP).
انتقادات سياسية من داخل الغرب
في الأوساط السياسية الغربية، تزايدت الأصوات المنتقدة للحرب وللسياسات الإسرائيلية. فقد صرح وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، بأن “ما نشهده في غزة هو انهيار كامل للقيم الإنسانية، وليس من الممكن استمرار الدعم الأعمى لإسرائيل”. وأضاف: “هذا البيان الجماعي بداية تحول سياسي مطلوب”.
من جهته، عبّر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو عن قلقه العميق قائلاً: “لا يمكننا أن نقبل بمشاهد الأطفال يُقتلون أثناء البحث عن الخبز، ويجب أن ينتهي هذا الآن”، وفقًا لتصريحات نقلتها CBC News.
في المقابل، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في تعليقه على البيان: “إدارة بايدن ترحب بدعم الحلفاء لجهودنا في الوساطة، لكننا ما زلنا نعتقد أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يضمن أمن إسرائيل والإفراج عن الرهائن”.
الرهائن والنزوح القسري
البيان المشترك أدان كذلك استمرار احتجاز الرهائن لدى حركة حماس، مطالبًا بإطلاق سراحهم فورًا، معتبرًا أن “وقف إطلاق النار المتفاوض عليه هو الأمل الأفضل لإعادتهم”.
كما رفض الموقعون بشكل قاطع خطة إسرائيلية مقترحة تهدف إلى نقل سكان من غزة إلى منطقة تُسمى “المدينة الإنسانية”، واصفين الخطة بأنها “غير مقبولة”، وأن “أي تغيير جغرافي أو ديموغرافي دائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة يُعد انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي”.
المواقف الصهيونية
ردًا على البيان، صرّح المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، إيال حولاتا، لصحيفة هآرتس، قائلاً إن “البيان متحيز ولا يعبّر عن الواقع الأمني لإسرائيل”، مؤكدًا أن “المساعدات تدخل وفق الضوابط الأمنية الضرورية، وأن الحكومة لن توقف عملياتها قبل ضمان تفكيك حماس بشكل كامل”.
قراءة تحليلية
يرى محللون في مجموعة الأزمات الدولية (ICG) أن البيان يمثل “أول إجماع غربي واسع يدعو إلى وقف فوري للحرب دون ربط ذلك بمطالب أمنية إسرائيلية صلبة”، ويشكل بذلك تحولًا تدريجيًا في المواقف الأوروبية والكندية تحديدًا.
بدوره، اعتبر الكاتب الأمريكي بيتر بينارت أن “البيان يكشف عن اتساع الهوة بين إسرائيل وكثير من حلفائها التقليديين، الذين بدأوا يواجهون ضغوطًا داخلية متزايدة من الرأي العام لوقف الدعم غير المشروط”.
وفي النهاية بينما تواصل الحرب في غزة حصد الأرواح، يبدو أن المواقف الغربية تشهد تحولًا ملحوظًا، مع دعوات متزايدة لوقفها، وتزايد الانتقادات العلنية للسياسات الإسرائيلية. ومع دخول الأمم المتحدة على خط توزيع المساعدات بعد انهيار الثقة بالمبادرات المدعومة من تل أبيب، يتعزز الطابع السياسي والإنساني للأزمة، وسط انقسام دولي متزايد بشأن سُبل الحل.