قال رئيس غرفة تجارة دمشق عصام غريواتي إن “استثمارات وثروات السوريين في الولايات المتحدة تبلغ نحو 25 مليار دولار”، مضيفاً “هذا رقم كبير يمكن أن يساعد في توجه السوريين الأميركيين للاستثمار في سوريا عبر إقامة مشاريع في البنى التحتية وسوريا في حاجة كبيرة إليها”.
وأكد غريواتي في تصريحات نقلتها صحيفة “اندبندنت “أن هناك فرصاً استثمارية كثيرة في سوريا، وهي موضع اهتمام السوريين في الولايات المتحدة، كاشفاً في السياق عن تجمع يضم رجال أعمال سوريين وأميركيين ومستثمرين أميركيين لبحث فرص الاستثمار، وقد زار أكثر من وفد يمثلون هذا التجمع دمشق للاطلاع على الفرص الاستثمارية وبحث إمكان إقامة مشاريع، إذ يركز هؤلاء المستثمرون على البنى التحتية والخدمية، خصوصاً تلك التي تشكل حاجة إلى كثير من السوريين المقيمين في الخارج، خصوصاً أن توافرها يمكن أن يشجعهم على العودة لاحقاً لسوريا والاستقرار فيها.
وأشار غريواتي، وهو أحد مؤسسي مجلس رجال الأعمال السوري -الأميركي، إلى أن سوريا في حاجة إلى استثمارات من قبيل المدارس والجامعات والفنادق، تماماً كما هي في حاجة إلى مشاريع الطاقة والكهرباء والغاز وغيرها، وكشف رئيس غرفة تجارة دمشق عن التوجه لتأسيس بنك سوري – أميركي في سوريا، ويجري حالياً العمل على إجراءات تأسيسه والبحث عن مقار له داخل البلاد، مشيراً إلى أن دمشق في حاجة إلى إقامة المزيد من البنوك والمؤسسات المالية ورفد القطاع المصرفي بدماء جديدة قادرة على إدخال الخدمات المتطورة التي تحتاج إليها بيئة الأعمال والمستثمرين و المتعاملين كافة مع البنوك.
ووصف غريواتي سوريا بأنها بلد الفرص الكبيرة والكثيرة، وأي استثمار فيها مهما صغر فهو مضمون الريعية، داعياً المستثمرين السورين في الخارج وخصوصاً في الولايات المتحدة إلى القدوم إلى سوريا والاستثمار فيها واقتناص الفرص المتوافرة اليوم لأنها بحسب تعبيره قد لا تكون موجودة بعد عام، في إشارة إلى أن هناك إقبالاً من المستثمرين حول العالم من سورين وغيرهم للاستثمار في سوريا وحجز مشاريعهم، مؤكداً أن السوريين سيكونون بمثابة القاطرة التي تجر الاستثمارات والمستثمرين وخصوصاً بعد إصدار قانون استثمار جديد والقيام بعملية إصلاح واسعة للنظام الضريبي في البلاد.
رسوم جمركية قاسية على الواردات السورية
وقبل أيام أبقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب على قرار فرض رسوم جمركية مشددة تبلغ 41 في المئة على الواردات السورية، لتكون دمشق الأكثر خضوعاً للرسوم الأميركية في العالم، متقدمة حتى على دول تخوض واشنطن معها نزاعات تجارية طويلة مثل الصين وكندا والمكسيك، وسبب فرض هذه الرسوم يعود لكون الميزان التجاري لمصلحة سوريا بأضعاف عدة، على رغم أن حجم التبادل التجاري بين البلدين متواضع جداً.
وتبدو الولايات المتحدة واحدة من دول قليلة جداً تظهر أرقام التبادل التجاري معها فائضاً لمصلحة سوريا التي تعاني خسارة ميزانها التجاري مع كل الدول، إلا أن حجم التبادل التجاري بين دمشق وواشنطن متواضع للغاية ولم يتجاوز عام 2024 الـ 10 ملايين دولار، في حين أشارت إحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري عام 2023 بلغ 12.32 مليون دولار، ذهب منها11.3 مليون دولار للصادرات السورية، أما الصادرات الأميركية إلى سوريا فتبلغ 1.29 مليون دولار ,حسب.
سوريا تحتاج إلى 3.19 مليار دولار لتمويل خطة الاستجابة السريعة
وبحسب مصادر تجارية في العاصمة دمشق فإن أهم الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة هي القطنيات والأقمشة الخاصة التي تشتهر بها سوريا وبعض أنواع التوابل والمكسرات والحلويات العربية، إضافة إلى بعض أنواع الكحول ومنتجات حرفية وتراثية ذات طابع سوري، وغالباً فإن تركيبة الصادرات تستهدف السوريين الموجودين في الولايات المتحدة وبعض المطاعم والمحال التجارية المتخصصة.
أما صادرات الولايات المتحدة إلى سوريا فتكاد تنحصر في الأدوية والمكملات الغذائية التي تدخل ضمن اشتراطات معينة نظراً لوجود عقوبات على سوريا، وتشير المعلومات إلى أن قسماً كبيراً من الأدوية الأميركية والمكملات الغذائية المرغوبة في سوريا تهرّب من طريق لبنان، مع الإشارة إلى أن التهريب يمكن أن يرفع حجم المستوردات السورية من الولايات المتحدة بنسبة تفوق التجارة الرسمية.
وأرجع متخصصون سبب وضع رسوم جمركية عالية على الصادرات السورية إلى الاختلال الكبير في الميزان التجاري بين البلدين لمصلحة سوريا، مستبعدين أن تكون هاك أسباب سياسة، خصوصاً أن العلاقات تسير نحو التحسن وترمب خفف العقوبات لمنح سوريا فرصة لتبني نفسها، في حين ذهبت بعض الآراء إلى أن الرسوم تشكل مزيداً من الضغط الاقتصادي على دمشق من قبل الولايات المتحدة.
واعتبرت هذه الأراء أن التعرفة العالية التي فرضتها الإدارة الأميركية على سوريا لن تؤثر كثيراً في حجم التجارة الفعلي بين البلدين، نظراً إلى أن التجارة كانت شبه متوقفة منذ أعوام بسبب العقوبات الاقتصادية والحصار، لكنها تعكس بصورة واضحة استمرار العزلة الاقتصادية المفروضة على سوريا، وتعمل كأداة ضغط سياسية واقتصادية إضافية تهدف إلى الحد من أية تحركات اقتصادية محتملة قد تعزز قدرة الحكومة السورية على المناورة.
الأسواق الأميركية لا تهم المصدرين السوريين
عضو غرفة تجارة دمشق محمد حلاق أكد لـ “اندبندنت عربية” أن “الأسواق الأميركية بعيدة وليست ضمن اهتمام الشركات السورية التي تميل إلى الأسواق الأقرب، سواء في الدول العربية أو الأوروبية، في حين تبدو الأسواق الأميركية بعيدة جغرافياً ولا تستهوي السورين لا تصديراً ولا استيراداً”، وقال “إذا كان هناك تصدير للغذاء وخصوصاً الكونسروة فغالباً يجري ذلك من معامل عائدة للسوريين في دول أخرى مثل مصر والأردن”، مضيفاً أنه “خلال فترة الحرب والعقوبات كان مسموحاً استيراد الأدوية والغذاء ضمن اشتراطات معينة”، مستدركاً “لكن لا يمكن الحديث عن أرقام مهمة بسبب البعد الجغرافي وميل المصدرين السوريين إلى أسواق المنطقة، حيث يمكن لهم المنافسة”.
ووصف حلاق الرسوم الجمركية التي فرضتها الإدارة الأميركية على سوريا بـ “دعاية إعلامية” ليس لها أي تأثير أمام محدودية التبادل التجاري وحتى الصادرات التي تميل لمصلحة سوريا، فالأرقام محدودة جداً وتستهدف الثقافة السورية في الولايات المتحدة وقلة من الأميركيين، مؤكداً أن الصادرات السورية تناسب في جودتها وتنافسيتها أسواق المنطقة، وقال إن “صورة التعاون الاقتصادي المنتظرة بين سوريا والولايات المتحدة تكمن في الاستثمارات والمشاريع الكبيرة التي تحتاج إليها سوريا في مرحلة إعادة الإعمار وتحمل بعداً إستراتيجياً”، آملاً أن ترفع العقوبات بصورة كاملة عن سوريا وموضحاً أنه “برفعها ستستطيع قيادة تعاونها الاقتصادي مع مختلف دول العالم”.
400 مليون دولار قبل عام 2011
وقبل عام 2011 كانت التجارة الثنائية بين سوريا والولايات المتحدة تتراوح ما بين 300 و400 مليون دولار سنوياً، لكنها توقفت تقريباً بعد فرض العقوبات الأميركية وخصوصاً بعد صدور قانوني “محاسبة سوريا” و”قيصر”، ولذلك تمثل التجارة مع سورية أقل من 0.001 في المئة من إجمال تجارة الولايات المتحدة العالمية، وتخرج دمشق من قائمة أكبر 200 شريك تجاري للولايات المتحدة، كما تعد العلاقات التجارية بين البلدين في حكم المقطوعة منذ أكثر من عقد، وأي صادرات حالية تجري ضمن إعفاءات إنسانية أو طبية، وغالباً عبر منظمات دولية أو دول وسيطة، ولذلك فإن فرض تعرفة جمركية بنسبة 41 في المئة ليس خطوة اقتصادية وحسب، بل يحمل رمزية سياسية تعقد حتى عمليات الإرساليات غير الربحية التي تمر عبر القنوات الرسمية، إذ لا تزال سوريا تواجه تحديات كبيرة في فتح أسواق جديدة أو تحسين علاقاتها التجارية مع الدول الكبرى في ظل استمرار الوضع الأمني غير المستقر والعقوبات، مما سيدفع البلاد إلى تطوير علاقاتها مع دول اقرب إليها مثل السعودية وقطر وتركيا، إذ يبدو التعاون الاقتصادي سلسلاً ومتاحاً بصورة أفضل.
في غضون ذلك ذكرت “الوكالة العربية السورية للأنباء” (سانا) أن رئيس هيئة الاستثمار السورية طلال الهلالي أعلن أمس الأربعاء 12 مشروعاً استثمارياً بقيمة إجمالية تبلغ 14 مليار دولار، ونقلت عنه قوله إن “من أبرز هذه المشاريع مطار دمشق الدولي باستثمار قيمته 4 مليارات دولار، ومترو دمشق باستثمار ملياري دولار، ومشروع حيوي للبنية التحتية والتنقل الحضري، وأبراج دمشق باستثمار ملياري دولار، وأبراج البرامكة باستثمار 500 مليون دولار، ومول البرامكة باستثمار 60 مليون دولار”، مضيفاً أن “المشاريع ستمتد عبر سوريا لتشكل نقلة نوعية في البنية التحتية والحياة الاقتصادية”.