تقارير

3سيناريوهات تحكم الصراع السياسي بين سلفا كير ورياك مشار بجنوب السودان

 

سلفا كير ورياك مشار

القت ورقة للباحثة الإماراتية الخبيرة في الشئون الإفريقية أمير العريمي الضوء علي الأوضاع في جمهورية جنوب السودان وأخر تفاصيل الصراع بين رئيس الجنوب سلفا كير وخصمه رياك مشار.

وقالت الورقة إنه ورغم الهدوء النسبي الذي حظيت به جوبا بعد إتفاق 2018 إلا أن الجو السياسي العام كان ينذر بالكثير، ونستطيع القول بأن يناير 2024 وما حدث في ولاية الوحدة كان هو البداية الحقيقية لما ألت إليه الأمور مؤخراً في جنوب السودان،

حيث عمل الرئيس “سلفاكير ميارديت” على تشكيل شبكة أمنية خاصة للسيطرة على ولاية الوحدة وتحويل مدينة “Leer” وهي مسقط رأس نائبه “رياك مشار” مسرحاً للاشتباكات المسلحة، فولاية الوحدة الغنية بالنفط رغم أن غالبية سكانها من قبيلة النوير التي ينتمي إليها “رياك مشار”،

إلا أن “سلفاكير” نجح في ضمان موقف حاكم الولاية السابق “Joseph Monytuil”، وسبق ذلك توجه “سلفاكير” إلى استقطاب أحد أهم الكوادر العسكرية في معسكر “رياك مشار” وهو الجنرال “سيمون جاي” في أكتوبر 2023 ، ووزير الأراضي والإسكان “مايكل تشيانججيك” والجنرال “تابان دينق” والذي كان قد دعم “رياك مشار” حتى عام 2016،

وبذلك أصبح معظم السكان في ولاية الوحدة يفضلون الحزب الحاكم على الحركة الشعبية لتحرير السودان “الجناح المعارض”.

ورأت العريمي  أن نجاح الرئيس “سلفاكير ميارديت” في تحييد نائبه “رياك مشار” يعود إلى فشل “رياك” في كسب الثقة المطلقة لقبيلة “النوير” منذ ما قبل الحرب الأهلية التي خاضها “مشار” ضد الرئيس “سلفاكير”  والتي دعمت فيها “النوير” الرئيس ما بين عامي 2013 إلى 2018،

وحاولت العريمي اوضحت أسباب تعثر مشار بالقول :وبالتمعن في شخصية “رياك مشار” فهو شخصية ترتكز على أبعاد أمنية متشعبة ومعقدة انعكست على توجهاته السياسية في التعامل حتى مع المكونات الجنوبية نفسها، خاصة من قبيلته “النوير” والتي يراها مشار بأنها مكونات مزدوجة الولاء ومتقلبة الأراء والتوجهات،

ويعود ذلك بحسب ورقة الخبيرة في الشئون الإفريقية  إلى قناعة “رياك” وبعض الأصوات الجنوبية إلى أن الرئيس السوداني السابق “عمر البشير” إستخدم بعض الفصائل المسلحة بقيادة “توت جاتلواك” التابعة لقبيلة “النوير” لإضعاف الفصائل التي كانت تقاتل من أجل الإستقلال.

وإمعاناً في تكريس سلطته وتعزيز نفوذه في المؤسسات السيادية أصدر الرئيس “سلفاكير” قراراً بإقالة “أنجلينا تيني” زوجة “رياك مشار” التي كانت تشغل منصب وزيرة الدفاع في مارس 2023،

ورغم أن “سلفاكير” حاول أن يقنع المعارضة بأن ما قام به هو تعديل حكومي لابد منه بدليل أنه أقال وزيرين من معسكره “اللذين ينتميان إلى قبيلة الدينكا التي ينتمي إليها الرئيس”.

إلا أن المعارضة أدركت بأن ذلك الإجراء ما هو إلا تغطية على الهدف الرئيسي وهو إبعاد زوجة رياك مشار عن وزارة الدفاع بسبب تنامي شعبيتها في صفوف كبار القادة العسكريين وهذا ما كان يقلق إدارة الرئيس سلفاكير وداعميه.

ورداً على هذه الإجراءات التي وصفها  “رياك مشار” بالتعسفية والمجهضة لمساعي السلام في البلاد وتخالف اتفاق 2018 (نص إتفاق عام 2018 منح الحركة الشعبية لتحرير السودان “المعارضة” بقيادة “رياك مشار” ثلاثة مقاعد من ولايات البلاد العشرة)،

وتعزيزاً لشعبيته في جنوب السودان بدأ “رياك مشار” ومنذ إبريل 2024 إلى التقرب من “سارة ريال” حاكمة ولاية غرب بحر الغزال والعضو في الحركة الشعبية لتحرير السودان “جناح المعارضة”، باعتبارها تمثل رأس المعارضة في الولاية التي تحكمها، وقربها من المجتمع الدولي،

فلقد أسست ريال الشراكة العالمية من اجل السلام في جنوب السودان عام 2012، وشهدت البلاد بعدها استقرارا نسبيا ساهم في عودة مشاريع المانحين، وكانت تجري محادثات مع قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد وبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، ومع اليونيسيف لتحديد المشاريع الإجتماعية،

ورغم محاولات الرئيس “سلفاكير ميارديت” استمالتها لمعسكره إلا إنها ما زالت تظهر الاستقلالية في توجهاتها السياسية وهذا ما اعتبرته المؤسسة الرئاسية إنحيازاً لمعسكر “رياك مشار”.

فيما يجد معسكر “رياك مشار” صعوبة نسبيه في كسب الشخصيات السياسية أمثال “سارة ريال”، وبدأ المقربون من “مشار” يفسرونها بأنها عوائق حقيقية إذا لم يتم احتواؤها فستتحول إلى أوراق رابحة في يد المعسكر الرئاسي وهذا ما يخشاه معسكر “رياك”،

إلا أن ما يعيق انضمام سارة إلى المعارضة هو ضعف شعبيتها بين قيادات المعارضة وذلك بسبب نهجها الشفاف في كشف الملابسات والحقائق، ونادي “أدم نارو” أحد القيادات في الحركة الشعبية المقربين من “مشار” إلى استبدالها،

الصراع في جنوب السودان

وهذا ما أراه والكلام مازال للعريمي أنه سيفرض على “سارة” أحد الإتجاهين فإما أن تحتفظ سارة بموقفها المعارض والمستقل دون الإنضمام لمعسكر الرئيس “سلفاكير”،  وإما أن ينجح نائبها “زكريا جوزيف قرنق” في إقناعها بلإنضمام إلى المعسكر الرئاسي

وفي نفس السياق رصدت ورقة العريمي أهم التحديات التي تواجه حكومة الرئيس سلفاكير ميارديتو ظهور “ويليام جاب دينق” المؤسس لحزب “في مقدمتها

حزب الأغلبية الديموقراطية في كوش” الذي يطرح نفسه كمرشح قادم لرئاسة جمهورية جنوب السودان في الإنتخابات المزمع أجراؤها في ديسمبر 2026،

ويعد “ويليام” زعيماً مجتمعياً في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعاقد مع شركة أمريكية لمساعدته في تطوير فرصه للفوز بالرئاسة، ومن أهم النقاط التي يركز عليها “ويليام” خاصة في حديثه مع وسائل الإعلام الأمريكية هو تطلعه لخلق فرص للشركات الأمريكية في جنوب السودان، والحد من النفوذ الصيني ومبادرة الحزام والطريق في جنوب السودان ،

ومن أهم الداعمين له صحيفة “واشنطن بوست” التي نشرت تقريراً عام 2018 تتناول حياة “ويليام” منذ بداياته في جنوب السودان وتجربته في حرب الجنوب  إلى وصوله إلى الولايات المتحدة.

ومن أهم التحديات التي تواجه سلفا كير القيود على تأشيرات الدخول للأراضي الأمريكية طالت كبار القادة السياسيين في جنوب السودان بسبب تأجيل الإنتخابات حتى ديسمبر ٢٠٢٦.

إنعدام الشفافية المالية والعجز المستمريعد كذلك من اهم التحديات التي تواجه كير حيث  زاد من خطر الدين العام للبلاد، ففي يناير الماضي تم إختيار شركة فري بالنس ” “

الكندية للعمل في جنوب السودان لإصلاح نظام إدارة المعلومات المالية المتكاملة وتتمثل مهمتها في تطوير أنظمة الموارد البشرية وتحسين إدارة المالية العامة، بتمويل من البنك الدولي لمدة عامين بقيمة 15 مليون دولار،

ووفقاً للبنك الدولي فأن هذا المشروع جزء من مشروع أكبر بقيمة “34” مليون دولار، إلا أن البنك الدولي أكد إنعدام الشفافية المالية والعجز المستمر مما يزيد من خطر الدين العام للبلاد، ويتطلع البنك الدولي إلى تعيين مستشار في إدارة عائدات النفط قبل نهاية العام الجاري لدعم الإدارة المخصصة داخل وزارة المالية.

انصار مشار

ورسمت ورقة العريمي ثلاث الأوضاع في جنوب السودان أمامها ثلاثة سيناريوهات الأول: تصدر “رياك مشار” للمشهد السياسي في جنوب السودان،

ولكن ما يعيق رياك هو إفتقاره للمرونة السياسية في العديد من الملفات، وتشبثه بوجهة نظر قد تكون في بعض الأحيان غير مبررة وهذا ما يفسر فشل المفاوضات بينه وبين إدارة الرئيس “سلفاكير:

ومن ناحية أخرى يدرك معظم الساسة الأفارقة بإختلاف توجهاتهم أن  “رياك مشار”  وإن كان هو القائد المناسب لقيادة جنوب السودان، إلا إنه ليس الإختيار الأنسب وفقاً لوجهة نظر أمريكية في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به منطقة وادي النيل ورديفتها في البحيرات العظمي،

ولكن يمكن الإحتفاظ به  وفقا لواشنطن كورقة مستقبلية لتغيير قواعد اللعبة في منابع نهر النيل وهذا رأي تتقاسمه واشنطن مع حلفاءها الأوروبيين.

أما السيناريو الثاني فيتمثل في  الإبقاء على الرئيس “سلفاكير ميارديت” ودعم سلطته، وتطبيق إستراتيجية

”، “التدرج الإصلاحي”، وفي حال غيابه عن المشهد فهناك قيادات ستخلفه، قادرة على القضاء على حالة الكساد السياسي التي وصمت بها جوبا منذ عام ٢٠١١، وهذا سيكون الفارق بين سلفاكير وخلفه وفقاً لوجهة نظر “غربية”

وكذلك يتمثل ثالث السيناريوهات في  دعم ترشح “ويليام دينق”  للإنتخابات الرئاسية ٢٠٢٦، في محاولة لإستنساخ النموذج الليبيري الذي أسسته واشنطن في مونروفيا، فرغم تشابه الظروف الإجتماعية والثقافية بين جوبا ومونروفيا إلا أن ظروف النشأة السياسية بين الطرفين تبدو مختلفة، وهذا ما سيتم تقنينه ليبدو متوافقاً لما يتم الإعداد له،

فواشنطن ستسعى إلى تكثيف جهودها مستقبلاً في جنوب السودان بدءاً بتطوير قانون الهشاشة الذي أطلقته عام ٢٠٢٢ والذي من خلاله ستعمل على توسيع دائرة حلفائها دعماً لإستراتيجيتها الأمنية في إفريقيا، وإنتقاء للمشاريع الاستثمارية كبحاً لجماح موجة الصعود الروسي والصيني المتنامي في دول منابع نهر النيل، مروراً بإختيار القيادات السياسية

ومما يعزز هذا السياريو أن هناك جموعاً أمريكية غفيرة تعود أصولها إلى جنوب السودان يقفون خلف “ويليام” ويتبنون وجهة نظره، ولهم حراك ثقافي وسياسي في المجتمع الأمريكي لا يخفى على أحد، فما المانع من دعم تلك النواة السياسية الجديدة وإعدادها بإتقان وتصديرها جنوب أرض النيلين.

انتخابات جنوب السودان

وفي هذا الأجواء وفي إطار حملة الإعتقالات التي قام بها الأجهزة الامنية في جنوب السودان لبسيط سيطرتها على كافة العوامل التي من شأنها الإخلال بأمن البلاد، يرجح أن يسعى “رياك مشار” إلى تصعيد الموقف وبالتعاون مع قيادات حزبه

وسيسعي مشار الترويج بضرورة إسقاط النظام بحجة مماطلته في إجراء الإنتخابات الرئاسية لعامين رغم وعوده السابقة بالإلتزام بها، ولإنجاح ذلك سيعمل “مشار” على طرح نفسه من جديد، وللذي لا يعرف “رياك مشار” فهو شخصية لا تلتقي قطعاً مع شخصية “سلفاكير ميارديت”،

فمشار  يرى نفسه إمتداداً حقيقياً لتاريخ النضال الجنوبي، بل ووصل به الأمر وفي مرات عديدة أن يشير ضمنياً إلى مستوى إيمانه بقضية الجنوب في إشارة إلى مقارنة إيمانه بإيمان الراحل “جون قرنق”، ولو تمعن القارىء في ملامح رياك مشار وهو يتحدث في قضايا الجنوب السياسية سيجده مبجلاً لجوزيف لاقو الذي وضع كلمة الجنوب إلى حركته ومتحفظاً على جون قرنق الذي إنتزعها إيماناً منه بوحدة السودان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights