تعكس زيارة رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن إلى بنغازي ولقاؤه مع خليفة حفتر تعكس تحوّلًا كبيرًا في مقاربة أنقرة لليبيا، إذ لم تعد تكتفي بالتحالف مع طرابلس، بل تسعى لبدائل أوسع ولحماية مصالحها عبر الانفتاح على الشرق وتعزيز حضورها الإقليمي.
قام رئيس المخابرات التركية إبراهيم قالن بزيارة مفاجئة إلى بنغازي، بحث ورقة تحليلية لمركز أمد للدراسات السياسية حيث التقى خليفة حفتر للمرة الأولى، في خطوة تشير إلى تحوّل نوعي بعلاقات أنقرة مع الشرق الليبي بعد سنوات من العداء والدعم المطلق لطرابلس.
رمزية اللقاء
ومن المهم الإشارة هنا إلي أن اجتماع قالن مع حفتر ونجلِه صدام، الذي رُقّي مؤخرًا إلى منصب نائب القائد العام لـ “الجيش الوطني الليبي” الموالي لوالده، يعكس رغبة أنقرة في التعامل المباشر مع القيادة الشرقية في ضوء سيطرتها على الموارد والموانئ الاستراتيجية.
يهدف التحرك التركي بالأساس لإقناع برلمان طبرق بالتصديق على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها أنقرة مع طرابلس عام 2019، والتي تمنح تركيا حقوقًا بحرية واسعة شرق المتوسط وتُثير اعتراضات قوية من اليونان ومصر وقبرص رغم أن وزير الخارجية المصري الأسبق سامح شكري قد اكد ان هذه الاتفاقيات تعيد مساحات شاسعة من الجرف القاري لمصر وتصب في مصالح مصر الاستراتيجية .

تزامنت الزيارة مع وصول الفرقاطة التركية “كيناليادا” إلى ميناء بنغازي لأول مرة، بما يعكس حرص أنقرة على إظهار مزيج من الحضور العسكري والدبلوماسي لتعزيز علاقاتها مع الشرق الليبي وترسيخ نفوذها هناك.
بالتقارب مع حفتر، تبعث أنقرة برسائل متعددة إلى موسكو والقاهرة الداعمتين للشرق الليبي، واللتين تتمتعان بنفوذ متعاظم علي حفتر مفادها أن تركيا لاعب حتمي في أي ترتيبات مقبلة، وأن مصالحها في ليبيا لا يمكن تجاوزها أو حصرها بطرابلس فقط او تركيا ستكون لاعبا رئيسيا ومهما في اي ترتيبات تجري في ليبيا لاسيما حال تحقيق استقرار في البلد الغني بالنفط وتشكيل حكومة موحدة .
أهداف استراتيجية
تترجم زيارة قالن انتقال تركيا من استراتيجية الانحياز إلى طرابلس، نحو مقاربة أكثر براجماتية تشمل الانفتاح على جميع القوى الليبية، بهدف حماية مصالحها في الطاقة والتوازن الإقليمي والأمن البحري بشرق المتوسط.
م يقتصر التحرك التركي على الداخل الليبي، إذ عقد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مباحثات ثنائية مع نظيره المصري بدر عبدالعاطي في جدة، على هامش اجتماعات وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، وأكد الوزير المصري دعم وحدة ليبيا ومؤسساتها، فيما التقى فيدان مسؤولين سعوديين، في ما يعكس تنسيقًا متناميًا بين أنقرة والقاهرة والرياض بشأن الملف الليبي.
في المقابل يجدر بنا التأكيد علي أن تمرير الاتفاقية البحرية داخل مجلس النواب الليبي يبدو مرهوناً بتفاهمات سياسية أوسع، في ظل مواقف القاهرة الداعمة لتشكيل حكومة جديدة وإجراء الانتخابات،
وكانت مصر قد رحبت، في يونيو الماضي، بخارطة الطريق التي قدمتها المبعوثة الأممية هنا تيتيه أمام مجلس الأمن، والتي تنص على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وتشكيل حكومة موحدة تقود البلاد نحو انتخابات خلال فترة تمتد من عام إلى 18 شهرًا.
في هذا السياق الحساس تطرح العديد من التساؤلات ؛ هل تنجح تركيا في إقرار اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حفتر؟ وكيف يكون رد فعل مصر؟ التي شهدت علاقاتها مع تركيا تطورا خصوصا بعد لقاء السيسي مع اردوغان في الدوحة وقيام رئيسي البلدين بزيارات متبادلة اعتبرت طيا لصفحة الخلافات بين البلدين