6تداعيات كارثية لحرب غزة علي الكيان الصهيوني والجيش أبرز الخاسرين
اُعتبرمحللون سياسيون واستراتيجون الاتفاق مع حماس حول وقف إطلاق النار لمدة 42 من الناحية الإسرائيلية بمثابة انكسار أمام المقاومة، واتفاق هزيمة كما وصفه وزير الأمن القومي المستقبل على خلفيته إيتمار بن جفير.
بل وعدّه رائد خطة الجنرالات جيورا ايلاند بمثابة انتصار لحماس، وخرجت جموعٌ من اليمين المتطرف إلى الشارع احتجاجا عليه مهاجمة بنيامين نتنياهو رئيس حكومتهم، ولم يسلم كذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من هذا الهجوم أيضاً.
فما ينظر قطاع كبير للاتفاق نصراً كبيراً لقطاع غزة الذي صمد وقاتل، واستطاعت مقاومته مواجهة الآلة الإسرائيلية الثقيلة بإثخان كبير في جيش الاحتلال، وسط تماسك كبير وهرمية بقيت سيدة الموقف رغم ادعاءات الاحتلال بتفكيكها، وهذا ما فضحته الصور الأخيرة اثناء تسليم الأسرى من قبل المقاومة للصليب الأحمر.
لكنّ القطاع بحسب دراسة لمركز أمد للدراسات السياسية أيضاً سيواجه حقيقة الدمار الواسع، والألم الذي اكتنف كلّ بيت غزي، وسط عدم وضوح لآلية إنعاش حياة الناس الاقتصادية، وكذلك مسيرة الأعمار التي ستطول لأعوام ربما طويلة، إلى جانب غياب استراتيجية فلسطينية داخلية موحدة لمواجهة التحديات الأمر الذي يزيد من التحديات الداخلية في قطاع غزة.
كلمة السر في الاتفاق
ومن الثابت أن هناك مجموعة من العوامل التي دفعت للوصول إلى هذه الصفقة، منها ما ارتبط بالداخل الإسرائيلي، وعجز حكومة نتنياهو عن تحقيق أهدافها الاستراتيجية، وطول أمد الحرب وانعكاساته العسكرية والمجتمعية،
لكن كلمة السرّ في الوصول إلى هذا الاتفاق كانت وصول دونالد ترامب إلى سدّة الحكم في البيت الأبيض، والذي لم يخفِ صراحة رغبته بإنهاء الحرب، وإن كان يعبر عن ذلك بأنّ الجحيم سيُفتح إن لم يعد الرهائن.
وما يعبر عن جدّية ترامب في هذا الاتجاه ليس الانقلاب في مواقف نتنياهو فحسب، إنّما مبعوث ترامب إلى المنطقة، ويتكوف، حيث كان له ثقل بارز في التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى، ويعرف ويتكوف بعلاقته الوثيقة بترامب، والأهم هو إعلان بقائه في المنطقة لضمان تنفيذ الاتفاق بشكل كامل.
الأزمة السياسية داخل إسرائيل
لا شكّ أنّ هذا الاتفاق سيزيد من عُمق الأزمة السياسية في إسرائيل عموماً وداخل الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو، حيث أنّ إيتمار بن جفير زعيم حزب قوّة يهودية ووزير الأمن القومي استقال من منصبه هو ووزراء حزبه، فيما بتسلائيل سموتريتش زعيم الصهيونية الدينية يضغط هو الآخر باتجاه العودة للحرب ويلوح بإمكانية الاستقالة، ما يعني أنّ حكومة نتنياهو ستفقد الأغلبية.
أزمة حكومة نتنياهو ستكون في حجم الابتزازات الداخلية اليوم، فمن أجل استمرارها سيخضع نتنياهو للمزيد من مطالب الأحزاب الدينية، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من الحراك الشعبي الإسرائيلي ضدها،
وسيخلق حالة من الضغط المستمر على نتنياهو وعدم استقرار حكومي، سيؤدي إلى عدم قدرته على معالجة الكثير من القضايا التي ستؤدي إلى وصوله الانتخابات المقبلة وهو في أسوأ أحواله.
فيما كشفت الحرب على قطاع غزة حجم ما تعانيه إسرائيل فيما يتعلق بالجيش وقضايا التجنيد، وهذا ما يدفع اليوم بعض السياسيين مثل بتسلائيل سموتريتش بالمطالبة بإقالة رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي تحت عنوان أنّه السبب والمعيق في تحقيق أهداف الحرب
وكشفت الحرب كذلك أنّ إسرائيل بحاجة لقيادة جديدة لجيشها، الأمر الذي فتح بابا واسعا لأزمة آخذة في الازدياد بين التيارات الإسرائيلية على خلفية نوايا حكومة نتنياهو تجاه هليفي.
وستدخل إسرائيل الآن في جدلية بناء استراتيجية جديدة لمواجهة التحديات، لكن الأهم الخلاف الحاصل على الشكل المطلوب للجيش الإسرائيلي، خاصة بعد فشل نظرية الجيش الصغير والقاتل،
كما أن هناك إقرار الإسرائيلي بالحاجة إلى جيش كبير ومستعد لحروب طويلة المدى، في ظل أنّ التحديات تزداد والفشل في قطاع غزة سيفتح شهية آخرين لمواجهة إسرائيل خلال السنوات القادمة.
كما تواجه إسرائيل انخفاضًا في عدد المجندين بسبب تغييرات ديموغرافية وزيادة رفض التجنيد بين فئات معينة مثل المجتمع الحريدي (المتشددين دينيًا) وأوساط اليسار والعرب داخل إسرائيل.
وحينما جاء وزير الجيش الإسرائيلي قبل أسبوع لطرح آلية للحل هوجم من قبل الجيش الإسرائيلي، حيث اعتبر الجيش مشروع قانون التجنيد الذي اقترحه وزير الدفاع الإسرائيلي، لا تلبي الاحتياجات العسكرية الحالية للجيش، خاصةً بالنظر للحروب المقبلة والخطط الأمنية المستقبلية. حيث يؤكد الجيش على نقص حاد في عدد الجنود سيُعيق قدرة الجيش على أداء مهامه.
كما أظهرت الحرب تراجع ثقة المجتمع الإسرائيلي في جيشه بحدود 10 درجات مقارنة مع ما قبل الحرب، كما أنّ التدخل السياسي في شؤون الجيش، خصوصًا فيما يتعلق بالإصلاحات القضائية والسياسات الأمنية، أدى إلى تآكل الثقة بين المؤسسة العسكرية والجمهور.
بل وامتدت الأزمة إلى الجيش نفسه، حيث أبدى بعض الضباط والجنود ولأول مرّة رفضهم العلني للقرارات السياسية التي تؤثر على استقلال الجيش.
كما كشفت الحرب أنّ إسرائيل تعاني من صعوبة التعامل مع حركات المقاومة غير النظامية مثل حماس وحزب الله، التي تستخدم تكتيكات العصابات والحرب غير التقليدية.
وهذا ما أظهر الجيش الإسرائيلي عاجزاً عن تحقيق “نصر حاسم” في معارك مع الفصائل الفلسطينية وما زاد من حالة الاستنزاف، وأدخل إسرائيل في دائرة نقاش مستدامة حول نظريتها الأمنية.