مصطفى عبد السلام يكتب: عالم آخر لخبطة.. تساؤلات حول حماية المدخرات
من الصعب قراءة مؤشرات الاقتصاد العالمي بدقة خلال العام الجاري في ظل تنامي المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية حول العالم، والسيولة التي تتمتع بها الأحداث العالمية والإقليمية المعقدة من حولنا، والتقلب في أسواق السلع والمعادن.
فلا أحد يعرف متى ستنتهي الحرب على غزة، وإمكانية اتساع رقعتها لتمتد إلى لبنان وإيران ودول أخرى في المنطقة، ومتى ستتوقف هجمات الحوثي على السفن في البحر الأحمر والتي باتت تهدد التجارة الدولية وأهم ممر مائي في العالم. وكيف تتعامل دول المنطقة مع المخاطر الكبيرة التي تعقب انتهاء الحرب على غزة.
ولا أحد يعرف كذلك موعد انتهاء حرب أوكرانيا التي بدأت قبل عامين وكان لها نتائج كارثية على الاقتصاد العالمي خاصة الأوروبي والروسي وسوق الطاقة العالمي، وكذا على سوق الغذاء مع القيود الروسية الشديدة على تصدير القمح الأوكراني.
ولا أحد يعرف نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة المقررة نهاية هذا العام والتي سيكون لها تداعيات ليس فقط على مستوى المشهد الاقتصادي والسياسي الأميركي الداخلي بل وعلى المشهد العالمي برمته.
ولا أحد يعرف هل سيفلت الاقتصاد الصيني من الأزمات العنيفة التي يمر بها حالياً وأبرزها انعدام الثقة وانكماش قطاع الصناعة وتباطؤ النمو، وكذا أزمة القطاع العقاري المستمرة، ومن أحدث مؤشراتها تصفية شركة إيفرجراند العملاقة التي تجاوزت ديونها المتعثرة 300 مليار دولار، وإفلاس شركات ضخمة أخرى.
ولا أحد يعرف على وجه الدقة موعد تخلي البنوك المركزية العالمية وفي مقدمتها البنك الفيدرالي الأميركي عن سياسة التشدد النقدي المطبقة منذ نحو عامين لمواجهة التضخم المرتفع، والتي سيعقبها مباشرة تثبيت سعر الفائدة على العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار واليورو والجنيه الإسترليني.
وهل ستبدأ تلك البنوك في تطبيق موجة خفض الفائدة على العملات كما كان متوقعا، أم تتريث لحين التأكد من انقشاع موجة التضخم وتراجع منسوب المخاطر وظهور نتائج الانتخابات الأميركية؟
هذه اللخبطة تمتد أيضا للمستثمرين وأصحاب المدخرات سواء داخل دول المنطقة أو في الخارج، مثلا في الوقت الذي كانت هناك توقعات قوية ببدء البنك المركزي الأميركي في سياسة خفض سعر الفائدة، بات الأمر غير مؤكد، وغير محسوم في ظل ظهور تطورات مهمة منها مثلا زيادة الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط، واستمرار الحرب على غزة وهجمات الحوثي، وما يمثله ذلك من ضغط على الأسواق وسلاسل التوريد والتجارة الدولية.
وهو ما يعني أن التضخم قد يطل برأسه مجددا، ومن هنا تتعامل البنوك المركزية بحذر شديد مع هذا العنصر حتى لا يحدث اضطراب في الأوضاع الاقتصادية والسياسات النقدية العامة.
وفي ظل هذا الوضع الغامض، لا أحد يعرف أي الأصول وأدوات الاستثمار أكثر جاذبية، أو على الأقل أقل خطرا في الفترة المقبلة، وهل سيتواصل الإقبال الشديد على شراء الذهب من قبل البنوك المركزية والتي اشترت أكثر من ألف طن في عام 2023.
أو كما حدث إبان أزمتي جائحة كورونا وحرب أوكرانيا والمخاطر البيئية الشديدة، أم ستتراجع أسعار المعدن الأصفر في ظل تراجع جاذبيته، وظهور بدائل استثمارية وأصول أخرى أكثر عائدا.
يمتد الغموض أيضا لسوق العملات الرقمية الضخم والجاذب لمئات الملايين حول العالم، فبعد خسائر وانتكاسات منذ أكثر من عامين عادت عملة بيتكوين لتلقى جاذبية شديدة من قبل المضاربين والمستثمرين، وهو ما دفع سعرها لتجاوز 50 ألف دولار لأول مرة منذ ديسمبر 2021 ومقابل نحو 15 ألف دولار في نوفمبر 2022.
في ظل هذا الوضع المعقد، بات الجميع يتساءلون عن كيفية حماية أموالهم من مخاطر التضخم والاضطرابات السياسية وتأكل العملات المحلية، وعاد السؤال القديم الجديد: هل الأفضل الاستثمار في الدولار أم الذهب أم العملات الرقمية أم البورصات العالمية وفي قدمتها سوق المال الأميركي “وول ستريت”؟