د. أبو محمود نائل يكتب: إلى متى؟ وما أعددتم لقابل أيامكم؟
هي ذات الأسئلة التي عرضها الصحابة الكرام على النبي ﷺ، وقد أرهقتهم الحروب والهجرة يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح، فصبروا على ذلك ما شاء الله أن يصبروا،
حتى قالوا: يا رسول الله، أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال رسول الله ﷺ:
لن تصبروا إلا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليست فيه حديدة” [أخرجه: الطبري، وابن كثير، وابن العربي، والقرطبي، وغيرهم كثير]
ونحن اليوم أمام قضية عقديةٍ تمس كل مسلم على وجه الأرض، ونحن في مقدم المواجهة، ولم نختر المقام بمحض رغبات أنفسنا؛
وإنما محض اختيار الله -تعالى- لنا، فاختلطنا بالأرض اختلاط ماء السماء تصيب نبتاً نافعاً لا ينقطع نماؤه، ولا تفنى بذوره.
وليس أمامنا فيها إلا بذل “غاية الوسع” جهاداً في سبيل الله -تعالى- ودفعاً عن أولى القبلتين،
ومسرى النبي ﷺ ومعراجه إلى السماء، لا نعرف مع ذلك استسلاماً؛ أو خضوعاً؛
ولا نعطي أمام ثوابت عقيدتنا دنيةً في ديننا، فننال شرف الفتح من الله؛ أو نلقى ما لاقى حمزة أسد الله.
وليس ذلك لأننا جبابرة لا يصيبنا أذى؛ ولا نتعرض للكسر؛ ولكنْ لأننا لا نملك خياراً إلا خيار المضي بل والمضي بقوة؛ لاسيما بعد هذا الركود المخيف الذي تحياه أمتنا السنية؛
وبلوغ الوهن فيها مبالغ مرعبة، حتى فضلت العيش تحت سطوة الطغاة يجرّعونها مسخ العقيدة والأخلاق تجرّع متسلط على ذبيحٍ لا يملك حتى الدفع عن نفسه وأبنائه غارات تشويه الدين والعقيدة والمروءة على منصات التطبيع ومواسم ترويج الدعارة بإمضاء شيوخ البلاط !!!
قدر غزة اليوم أن تحمل لواء الدفاع وحدها وسط أمتها “السنية” التي تندب حالها وتشكو ضعفها، وتعيش حالة تطبيع مع الضعف درجة الموت السريري الذي لا يُرجى بُرؤه -على الأقل في المنظور القريب- ولا يُتأمّلُ شفاؤه!
غزة لها الله لا من موطن ضعف، فالمعتصم بالله كبير ومُعان ومنصور؛ ومن ينصرْه الله فلا غالب له
“إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
(آل عمران: 160)،
وهي في الناس مظهرة بأس المجاهدين؛ وكاشفة معادن المخلصين، ومجلية أدران المرجفين !!!
ولسنا -بفضل الله- آيسين أن نبلغ غاية النصر، وأن نورد عدونا موارد القهر؛ وأن يعذب الله عدوه وعدونا بأيدينا
“قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ
(التوبة: 52)
فما أعددتم لقابل أيامكم؟؟
أعددنا الكثير الذي لا ينضب، والعطاء الذي لا يعرف انتهاءً، والمدد الذي ينقص !!
أعددنا الله ورسوله وجنده الميامين، وأرواحاً رخيصةً في سبيل الله، وأخذنا من غربتنا زاداً للعناد، ومن جراحنا ثأراً واجب السداد.
ولقد رأينا محدث الديار، وعالم الحديث، والفقيه الشافعي، فضيلة الأستاذ الدكتور “نزار ريان” تقبله الله- يلبس جعبته وبدلته العسكرية بين مجموعة من المجاهدين على أحد ثغور الرباط، يسأله مراسل إعلامي: ماذا أعدت حماس؟؟
قال الفقيه الألمعي: “أعدت الله ورسوله ﷺ، يكفينا شرفاً أننا جند الله وجند سيدنا النبي ﷺ”
هذا ما نريد أن نبثه في أُذن الدنيا مجتمعةً – سنيّهم وشيعيهم، يهوديهم، ونصرانيهم، وأضرابهم من كل نحلة- نحن نقاتل لأجل دعوة شرعية، وقضية إسلامية؛ ولسنا نرتضي دون تحقيق غاياتنا إلا نصراً عزيزاً؛ أو شهادةً حميدة مجيدة.
ومن ينتظر من غزة أن ترفع الراية البيضاء، فغارقٌ في الأوهام، فالمقاتل الذي يقاتل “وحده” منذ 14 شهراً؛ وبعد 16 عاماً من الحصار، لم يدرس في أدبياته العسكرية “مصطلح استسلام” وإنما تربى على مقولة القسام في أحراش يعبد، وتناقلتها جموع المجاهدين -جيلاً بعد جيل- يرددونها مع كل لحظة مواجهة “إنه لجهاد نصرٌ أو استسهاد”
فاستبشروا وبشّروا فالأزمة آذنت بانفراج قريب بإذن الله.
“إنّ مع العسر يسراً، إنّ مع العسر يسراً”
سيجعلُ اللهُ بعد العُسرِ مَيْسرةً
ويجبرُ الروحَ بعد الحُزنِ واليأسِ
وعدٌ مِن اللهِ في التنزيلِ أثبَتَهُ
فلتطمئنّي لِوَعدِ اللهِ يا نفسي
إنّ القلوبَ إذا ضاقت فإنّ لها
في سُورةِ الشّرحِ سُلوانٌ من البؤسِ