مصطفى عبد السلام يكتب: القمح مقابل الولاء.. بوتين يبتز فقراء وحكام أفريقيا
حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس قلب الطاولة على الغرب أثناء لقائه القادة الأفارقة المشاركين في أعمال القمة الأفريقية الروسية المنعقدة في سان بطرسبرغ، وتأليبهم على الولايات المتحدة، وتقديم الوعود البراقة المتعلقة بالغذاء حينما وعد بتقديم القمح مجانا، بل وتوصيل منتجات الحبوب كذلك مجانا للمستهلكين.
وخلال اللقاء راح بوتين يصور الغرب على أنه ذلك الساحر الشرير والمرابي الذي يحاول التربح من المعدمين، وتجويع الفقراء الأفارقة، ونهب محاصيلهم وثرواتهم الغذائية وسلعهم النفيسة والاستراتيجية.
والتأكيد على أن الغرب وضع العراقيل أمام صادرات الحبوب الروسية، وأنه يبكي حاليا ليس بسبب تأثيرات إلغاء روسيا اتفاق الحبوب على فقراء الدول النامية، ولكن لأن القرار الروسي أوقف تدفق القمح الأوكراني إلى دول الاتحاد الأوروبي الثرية وغيرها من الدول الحليفة للولايات المتحدة، وأن الغرب استغل اتفاق الحبوب للحصول على احتياجاته وحرم الدول الفقيرة من حقوقها الغذائية.
كما أرسل بوتين كذلك عدة رسائل خلال القمة الأفريقية الروسية وقبلها، أخطرها هو الربط بين الحصول على ولاء قادة أفريقيا لموسكو مقابل توفير روسيا الغذاء والقمح والوقود للدول التي يحكمها هؤلاء حتى لا تنشب اضطرابات اجتماعية وثورات يمكن أن تهدد تلك الأنظمة.
وطبقا للصفقة التي عرضها بوتين فإن روسيا ستقدم للأفارقة عشرات آلاف الأطنان من الحبوب مثل القمح والذرة والشعير في غضون شهور، رغم العقوبات الغربية التي تفرض قيودا شديدة على موسكو في تصدير الحبوب والأسمدة الروسية.
ومع إصرار بوتين على أن اتفاق الحبوب بات في خبر كان، وأنه أصبح بلا معنى، وأنه لن يتم تجديده رغم الضغوط الشديدة عليه، أبلغ رسالة مبطنة للقادة الأفارقة وهي: “انسوا القمح الأوكراني الذي لن يصل إليكم مع حصار القوات الروسية موانئ التصدير الأوكرانية، والتعامل مع أي سفينة شحن على أنها هدف عسكري محتمل، بل وتدمير البنية التحتية للموانئ الأخرى التي يراهن الغرب على تصدير قمح أوكرانيا من خلالها”.
وفي المقابل طمأن الرئيس الروسي الدول الفقيرة على كفاية القمح الروسي وإمكانية سد العجز في نظيره الأوكراني، حيث قال إن روسيا تتوقع حصادا قياسيا للحبوب هذا العام، وإنها على أهبة الاستعداد لتحل صادراتها محل صادرات الحبوب الأوكرانية إلى أفريقيا على الصعيدين التجاري والخاص بالمساعدات، وكذلك الوفاء بما وصفه بأنه دور موسكو المحوري في الأمن الغذائي العالمي.
كما أن روسيا صدرت العام الماضي 60 مليون طن من الحبوب، منها 48 مليون طن من القمح، مشيرا إلى أنها تتوقع حصادا قياسيا للحبوب هذا العام.
بوتين ذهب إلى أبعد من ذلك حينما حدد دولاً بعينها لمنحها القمح الروسي المجاني، وهي «بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا، والتي سيتم مدها بكميات تتراوح ما بين 25 و50 ألف طن من الحبوب المجانية لكل دولة في الشهور الثلاثة أو الأربعة المقبلة».
لم يتوقف بوتين عند تلك الرسائل، بل أرسل رسالة أخرى، وهي أن الولايات المتحدة تضحك على الدول الفقيرة وتخدعها، وأنها لا تعمل لصالحها، وأن أكثر من 70 بالمئة من الحبوب الأوكرانية، ما يعادل 48 مليون طن من القمح، أو التي صدّرت بموجب الاتفاق يذهب للأثرياء ودول ذات دخل مرتفع أو أعلى من المتوسط، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، وليس للدول الفقيرة كما تزعم واشنطن.
وأن دولا فقيرة مثل السودان تلقت أقل من 3% من الشحنات، وبالتالي لا تصدقوا ما تردده أميركا والسياسيون الغربيون بأن خروج روسيا من الاتفاق سيتسبب في معاناة الملايين في الدول الفقيرة.
لا أحد من القوى الكبرى يهتم بالفقراء والمعدمين في العالم، فالولايات المتحدة تلقي القمح في البحار والمحيطات خوفا من تراجع سعره في الأسواق العالمية، وتحرم الفقراء منه.
وروسيا تمارس أبشع أنواع الابتزاز ضد الفقراء حينما تضرب صوامع القمح الأوكراني بالمدافع والقنابل، وتستهدف موانئ التصدير على البحر الأسود، وتدمر المحاصيل الزراعية وتستهدف شحنات الحبوب المصدرة.