د. محمد الموسوي يكتب: النظام العالمي يُقر بمجازر الإبادة الجماعية بالغرب فقط
♦ ويلات الشعب الإيراني وشعوب العراق وسوريا واليمن لا يكترث لها الغرب اليوم لطالما تعلق الأمر بنظام ولاية الفقيه..
♦ مجزرة 1988 في أعين الأحرار جريمة لا تغتفر؛ وفي عين النظام العالمي قضية فيها نظر كونها من أفعال نظام الملالي..
يحيي الشعب الإيراني في هذه الأيام ذكرى مجزرة الإبادة الجماعية التي ارتكبها نظام ولاية الفقيه سنة 1988 بحق أكثر من 30 ألف سجين سياسي أمضى الكثير منهم مدة محكوميته بالسجن فلا يجوز شرعاً وقانوناً إعدامهم، وقد تم ارتكاب هذه المجزرة الوحشية بفتوى من خميني مؤسس النظام للقضاء على خصومه ومعارضيه حفاظاً على نظامه بعد سلبه لثورة الشعب الذي خلع نظام الشاه ليتفاجأ الشعب بعد ذلك بسلب ثورته بعمامة وعباءة الدين وسحرهما وخديعة المدعين بالدين، ويُصبح اسم الثورة الوطنية (الثورة الإسلامية) ليتم اختزال الثورة في إطار المتلحفين برداء الدين ويُستبعد منها حق كل من شارك وضحى فيها من العمال والطلبة ومجاهدي خلق وفدائيي خلق وسائر القوى الوطنية الأخرى وقوى اليسار الحر.
لقد حصر الملالي الدين في أنفسهم فلا أحد يمثل الدين غيرهم ولا أحد يعرف ما يعرفون، وينتمي للدين مثلهم، وبالمثل جعلوا الثورة في إطارهم فمن كان معهم هو من أبناء الثورة، ومن تظلل بظلهم طائعاً صاغراً كان منهم ومن رِغب عنهم كان في أرحم وصفٍ عدواً مارقاً، وهذا ما كان بعد أن استتب الأمر للملالي ونشروا قطعانهم البربرية في كل الأرجاء يستبيحون دماء وحرية وكرامة خصومهم ومضطهدين المرأة أشد اضطهاد معتبرين أن كل ما يرتكبونه من قتل وإجرام باسم الإسلام ولأجل الإسلام وفي الحقيقة ما هم إلا جماعة سلطة سطت على دولة بحجم إيران بمساعدة بقايا دكتاتورية الشاه لتُصبح إيران مسمى فاقد لمفهوم الدولة تُديره مراكز قوى يُهيمن عليها الملالي ويدعمها النظام العالمي كسلطة مُستخلفة بعد الشاه تلبي مصالح الغرب الذي ترك للملالي مساحة للخصوصية والإعلام مسموح فيها بـ السب والإساءة؛ وعلى سبيل المثال للإيضاح أنهم في الوقت الذي كانوا يرفعون فيها شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل كانت أمريكا وإسرائيل تمولانهم بالسلاح وغيره والتاريخ خير شاهد، وكانت الشعارات المُلتهبة المرفوعة من أجل التغرير بالبسطاء لا تتوافق مع واقع الحال وحقيقة ما يجري فعليا على أرض الواقع.. لقد كانت شعارات مخادعة مضللة لعشرات الملايين داخل إيران وخارجها.
دوافع وأسباب مجزرة الإبادة الجماعية سنة 1988
بدأ الخلاف بين خميني ومنظمة مجاهدي خلق وتفاقم بينهم عندما رفض مسعود رجوي التعاون مع خميني في إقصاء قوى اليسار الإيراني وتكون لمسعود رجوي ومنظمة مجاهدي خلق الحظوة الكبرى لدى خميني ونظامه، وكان جواب مسعود رجوي له بأنك أعطيت الماركسيين الحق في ممارسة حقهم السياسي فكيف لا تسمح لهم ولغيرهم بذلك، وكانت تلك بدايات تلتها عمليات قتل وتصفية لعناصر مجاهدي خلق في الشوارع والاعتداء على مقراتهم والقتل الجماعي للمحتجين في الشوارع وفرض سياسة الإكراه ذاتها التي كانت تفرضها الدكتاتورية الشاهنشاهية حول ترك الرداء والحجاب، وفرضها خميني حول فرض ارتداء الرداء والحجاب بالإكراه والاضطهاد وطبق نظام ولاية الفقيه الشرع عبثياً فيما يتعلق بالحجاب والرداء وبما يعنيهم هم فقط وتركوا حقيقة شرع الله فيما يتعلق بدماء الأبرياء وسلب حرياتهم أي استعبادهم وسلب المال العام والتغاضي عن الفساد الاجتماعي.. وعن الفساد الحكومي حتى بات منهجاً مؤسساتياً اليوم في إيران حتى أصبح فيها دولتين طاغيتين فاسدتين؛ دولةٌ للحرس ودولة أخرى شكلية لها امتيازاتها وصلاحيات النهب والسلب ولكنها منزوعة الهيبة والإرادة، وإذا ما دُقِقَت فتاوى خميني بخصوص خصومه السياسيين نجدها لا تمت بصلة لفلسفة الفتوى وجوهر وحقيقة الإسلام وهو ما يثبت جهل الملالي وافتراءاتهم باسم الدين، ولم تكن فتاويهم وفتاوى خميني فيما يتعلق بخصومهم سوى مجموعة توجيهات وأوامر وحشية صارمة لم تراعي أي قيم دينية كانت أو إنسانية، وهذا ما حدث بالفعل مع معارضيهم في الشوارع والسجون والمنافي، فعندما يعتبر خميني أن أعدائه ليس الإتحاد السوفيتي ولا أوروبا ولا غير ذلك وإنما عدوهم وفق تعبيره (ها هنا بين مسامعنا) ويقصد بذلك مجاهدي خلق تحديداً، ثم يضيف بتوجيهاته ضدهم قائلا أبيدوهم ويختلف أمر وفعل الإبادة عن فتوى وأمر وفعل المحاسبة والمحاكمة فلذلك أصول وقيم وثوابت.. وقول أبيدوهم أي اقتلوهم أينما وجدتموهم ولا تأخذكم فيهم شفقة ولا رحمة ولا تتقيدوا بقوانين ولا روتين ولا تضيعوا الوقت في ذلك، وقد أصدر خميني في حينها فتوى الحرابة ضد عناصر وأنصار منظمة مجاهدي خلق، وتتناقض فتوى الحرابة مع الواقع المُعاش بين خميني وخصومه الذين لم يكونوا قطاع طرق ولا قتلة ويُشترط في حد الحرابة أن تتوفر شروط إقامة الحد كالقتل والسرقة العلنية وإرهاب الناس والإشهار والاعتراف بذلك وقد كان خصومه خصوم رأي من نخبة المجتمع، وفي إقامة حد الحرابة يجب أن تكون هناك محاكمة يُقر فيها المتهم بذنبه، ومن أحكام حد الحرابة القتل والنفي بعد الإقرار بالذنب، أما ما حدث في إقامة حد الحِرابة الخاص بالملالي فقط فقد تم على نحو إجرامي مثير لا علاقة له بالشرع ولا يمكن تطبيق حد الحِرابة على نحو سليم في حياتنا المدنية المعاصرة حيث لا تتوفر شروط الحِرابة، وقد كانت لجان الموت التي كان إبراهيم رئيسي رئيس جمهورية الملالي الحالي أحد أعضائها، ومما يُثبت عدم شرعية الفتوى وإجرام ووحشية نظام الملالي أنهم كانوا يخيرون السجين المُساق إلى الإعدام بين الرجوع عن عقيدته السياسية والتوبة وإبراز الندم والفوز بعفو ما يسمونه بالإمام والإمام كلمة كبيرة جدا في المذهب الجعفري أو البقاء على موقفه فيلقى حتفه ويقتلونه بأمر حكومي يطلقون عليه حكم الإعدام، وهنا نتساءل ما هو وجه الربط هنا؟ ما هي علاقة الحِرابة بالخصومة السياسية؟ حقيقةً ساء ما يحكمون والإسلام بريءٌ مما يدعون، وعلى هذا النحو أعدموا أكثر من 30 ألف سجين سياسي لا ينطبق عليه حكم الإعدام شرعاً ولا قانوناً ولم يكن الأمر سوى تصفيات سياسية خوفاً من تأثير المعارضين لهم وكانوا مُدركين أن معارضيهم قادرون على إسقاطهم سلمياً ولا يستطيع الملالي مواجهة معارضيهم دون سلاح ومن الشواهد القريبة البسيطة على ذلك الانتفاضة الوطنية الإيرانية السلمية الجارية ويواجهها النظام بالسلاح وفي بعض الأحيان والأماكن استخدام الملالي الأسلحة الحربية القتالية المتوسطة والثقيلة ما أدى مئات الشهداء منهم 80 امرأة شهيدة وأكثر من سبعين طفلاً عدا عمليات الاغتصاب والقتل البشعة بحق الفتيات ولا يزال النظام على نهجه.
مضت قرابة ثلاثة عقود نيف على مجزرة الإبادة الجماعية للسجناء السياسيين ولا زال النظام مستمرا في مساعيه من أجل إخفاء معالم جرائمه، وهدم شواهد القبور وتدمير المقابر الجماعية وإعدام الوثائق المتعلقة بالضحايا واعتقال وتعذيب ذوي الضحايا الذين تتعالى أصواتهم بإحقاق العدالة بشأن أبنائهم، ولما لا يفعل النظام ذلك مادام هناك من هو متواطئٌ معه ويتستر على جرائمه إذ لا يزال النظام العالمي إلى يومنا هذا لم يعتبر مجزرة السجناء السياسيين سنة 1988 جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية رغم توافر الشروط فيها وإقرار أهل العلم والرأي بأنها جريمة إبادة جماعية متكاملة الأركان وأنها ثاني أكبر جريمة إبادة جماعية بعد الحرب العالمية الثانية وقد أقرت جهات دولية كثيرة بذلك منهم خبراء معنيون بالأمم المتحدة، وعلى الرغم من تصنيف النظام العالمي لجرائم أقل من مجزرة 1988 على أنها جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية إلا أنه لم يعتبرها حتى الآن جريمة إبادة أو جريمة ضد الإنسانية على الأقل إنصافا لذوي الضحايا ومؤسساتهم السياسية الداعية إلى الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان..، ويبدو أن للنظام العالمي رأي آخر في تلك الجرائم المتعلقة بنظام الملالي في إيران وخارجها في ظل سياسة الاسترضاء والمهادنة المُتبعة، وهنا على النظام العالمي ما ورد على لسان الأديب السوري الأرمني أديب إسحاق مع اختلافنا على بعض الجزئيات مع أديب إسحاق يُعد قوله اليوم فيما قال:
قتل امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفر
وقتل شعبٍ آمنٍ مسأَلةٌ فيها نظر
والحقُّ للقوَّةِ لا يُعطاهُ إلاَّ مَن ظفر
ذي حالة الدنيا فكن من شرّها عَلَى حذر
نعم أصبح قولا قديما لا يتماشى بعضه مع متغيرات اليوم وليسمح لنا بالاقتباس والتصرف فيه فقد بات الحال اليوم في ذروة القبح الذي يدفعنا إلى تغيير قوله على النحو التالي:
ليتك تعلم يا أديب ما جرى امتطى نظامهم القبح وانبرى
موشحاً بالعار متزيناً يكيل بمليار مكيال وللحق مُستنكرا
رحيماً يا أديب بقولك ولم أجد ما أرميهم به مُستنكراً
واليوم قتلُ كلبٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفر
وقتل شعبٍ آمنٍ مسأَلةٌ فيها نظر
وقتل ذي لونهم كفرٌ وعن قتلنا غضوا البصر
والحقُّ للقوَّةِ لا يُعطاهُ إلاَّ مَن ظفر
ذي حالة الدنيا فكن من شرّها عَلَى حذر
فهل على ذوي الضحايا وكافة الشعب الإيراني أن يراعي في مطالبه وحقوقها وتضحياته من أجل ذلك مزاجية النظام العالمي خشية أن يفاجئه في يوم من الأيام بقرارٍ يحوله من ضحية إلى أكثر من مُدان؛ بتنا نخشى أن يتهم النظام العالمي بالإرهاب كل من يرفع لافتة أو شعار لا يتوافق مع رؤيته أو حتى من يُدافع عن نفسه.
هذا ما جرى وما يجري بين النظام العالمي وبين ملالي الفقيه.. ومهما تعاظم أمرهم الشعبُ بالغُ هدفه بعد أن سقطت تعويذة عمامة وعباءة الادعاء.. والله غالبٌ على أمره.
د. محمد الموسوي / كاتب عراقي