مصطفى عبد السلام يكتب: الرهان على «بريكس» وبيع الوهم للعامّة
نظرة لعناوين بعض الصحف ووسائل الإعلام والمواقع المصرية هذه الأيام تجد أنها تصب نحو تقديم توقعات متفائلة جداً للاقتصاد المصري في الفترة المقبلة، والتأكيد أن فترة الأزمة المالية الخانقة منذ بداية العام 2022 قد اقتربت من نهايتها، وسبب التفاؤل هو دعوة مصر للانضمام إلى تجمع «بريكس» «BRICS» بداية من العام المقبل. ولا أعرف بدقة ما الرابط بين الأمرين.
فمصر، وفق تلك التوقعات، مقبلة على فترة ازدهار اقتصادي، وتحقيق معدلات نمو غير مسبوقة، وجذب استثمارات أجنبية ضخمة، بل وإلحاق الجنيه المصري ضربة قاسية للدولار، ووضع نهاية للسوق السوداء وشروط صندوق النقد الدولي المجحفة.
ونظرة للعناوين التالية تستطيع رصد ذلك بسهولة، مثلا هذه العناوين:
«25 مليار دولار من بريكس لمصر.. الدولار لن يبقى له سعر في مصر»، «مفاجأة.. مصر تنهي التعامل مع صندوق النقد الدولي.. نشكركم على حسن تعاونكم»، «رعب وانهيار في السوق السوداء للدولار.. إيه اللى حصل بعد ضربة البريكس؟»، «ضربة للدولار وصندوق النقد الدولي.. ماذا يعني دخول مصر في تحالف بريكس؟»، «اجتماع بريكس اليوم يمثل ضربة قوية للدولار»، «البريكس يقلص هيمنة الدولار، وهو ما يفيد العملة المصرية»، «انضمام مصر للبريكس يساهم في تقليل الاعتماد على الدولار ما يخفف من الضغط على النقد الأجنبي في مصر الذي يمثل الدولار الحصة الكبرى منه».
ومن العناوين أيضا:
«مصر ستصبح بوابة تجارية بين دول البريكس والبلدان الأفريقية»، «بعد انضمام مصر لبريكس.. خبراء: زلزال سياسي ومكاسب اقتصادية عديدة والتحالف الجديد نواة مهمة في تغيير السياسة الدولية”، «انتهى اقتصاد القطب الواحد: انضمام مصر إلى بريكس يعني تدفق مزيد من المزيد من الاستثمارات على مصر»، «القضاء على الدولار.. ما مصير الأخضر بعد انضمام مصر لبريكس؟».
لا أعرف سر هذا التفاؤل الشديد، والذي يذكرني بالزفة التي ساقتها وسائل إعلام مصرية في مناسبات عدة سابقة، مثلاً في عام 2016 عقب اتفاق الحكومة مع صندوق النقد الدولي على اقتراض 12 مليار دولار، تم تقديم الحدث على أنه شهادة ثقة من الصندوق بقوة الاقتصاد المصري ومتانة الجنيه، وأن الاتفاق سيفتح الباب على مصراعيه لجذب مليارات الدولارات وملايين السياح.
ولا يختلف مشهد اليوم عن مشهد أمس، حينما زفة انضمام مصر لمنظمة التجارة العالميّة عام 1995، ومجموعة الـ15، واتفاقية السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي (الكوميسا)، وقبلها الدخول في مفاوضات على اتفاقية الغات، وإبرام اتفاقيّة الشراكة المصرية الأوروبية، وإن كان مشهد اليوم أكثر صخباً واصرارا على توصيل رسالة غير دقيقة بل ومضللة للرأي العام.
لا أحد يقلل من حدث بأهمية قرب انضمام مصر إلى عضوية تجمع البريكس الذي بات يمثل نحو 30% من الاقتصاد العالمي، وأن مصر يمكن أن تحقق مكاسب عدة من الانضمام للتكتل الجيوسياسي والاقتصادي.
لكن في المقابل، فإن التحديات كثيرة والمطلوب فعله أكثر للاستفادة من التجمع سواء على مستوى زيادة الإنتاج والاهتمام بالقاعدة الصناعية، وتحسين فرص الاستثمار داخل مصر، وإعادة الاستقرار لسوق الصرف المضطرب، والقضاء على السوق السوداء للعملة.
ولا أحد ينكر قوة بعض الاقتصادات الأعضاء في التجمع، مثل الاقتصادين الصيني والهندي، كما لا أحد ينكر أن انضمام مصر يمكن أن يفتح أسواق دول البريكس أمام منتجاتها وسلعها، وبالتالي إحداث زيادة في الصادرات المصرية تعوض ذلك التراجع الذي حصل في الشهور الأخيرة.
لكن يجب ألا نبالغ في التوقعات، وألا تصوّر وسائل الإعلام للرأي العام أن أزمات مصر المالية يقف حلها على باب البريكس، وأن مجرّد الانضمام إلى التجمّع سيفتح الباب على مصراعيه لتدفق المنتجات والسلع المصرية باتجاه أسواق الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها.
لأن الواقع يقول غير ذلك، فإذا ما ألقينا نظرة إلى خريطة التبادل التجاري بين مصر ودول المجموعة، نجد أن مصر تستورد من هذه الدول أكثر مما تصدّر إليها، خاصة من الصين والهند وروسيا. وبالتالي فإن انضمام مصر للتكتل يعني تدفق مزيد من سلع البريكس للأسواق المصرية وليس العكس.
وخريطة الاستثمارات الخارجية لدول المجموعة ليست نشطة وثرية مقارنة بالاستثمارات الخليجية والأميركية والأوروبية، فاستثمارات دول البريكس في مصر لا تتجاوز المليار دولار، ومن المتوقع ألا تشهد قفزة في ظل الصعوبات التي تعاني منها اقتصادات البريكس، وفي مقدمتها الاقتصادان الروسي والصيني، والصعوبات التي تعاني منها مصر ومنها اضطراب سوق الصرف.
ودول المجموعة لم تتخذ أي خطوات ملموسة لإصدار عملة موحدة، وكل ما ستفعله هو زيادة استخدام العملات المحلية في عمليات التبادل التجاري، وبالتالي من أين يأتي تهديد الدولار إذاً، ومن تحدث عن عملة البريكس غير المطروحة أصلاً؟
كما أن دول المجموعة ليس لديها استعداد لاستقبال عمالة مصرية، أو حتى زيادة المرور في قناة السويس، في ظل الحديث عن استخدام الصين وروسيا ممر الشمال الروسي وغيره من الطرق المنافسة للقناة المصرية.
أخشى ما أخشاه أن يكون الرهان الحالي على تجمع البريكس هو التوسّع في الاقتراض من الدول الأعضاء، وحدوث تغيير في خريطة الاقتراض الخارجي لمصر بحيث تتوجّه الحكومة أكثر نحو الاستدانة من الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والأرجنتين، وهنا نكون بدّلنا صندوق النقد والبنك الدوليين ببنك التنمية التابع للمجموعة.
البريكس هو تجمع أُسّس قبل 14 سنة، وطوال تلك السنوات لم يهدّد النظام المالي والمصرفي العالمي، ولم يحدث تغييراً في خريطة الاقتصاد العالمي، حتى في ظل التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصادين الأميركي والأوروبي. وبالتالي يجب عدم المبالغة في عضوية التحالف الذي يشهد، أصلاً، خلافات ضخمة بين أعضائه.