د. محمد الموسوي يكتب: صراخ ونحيب وهلع ورعب يملأ الأرجاء
صراخ ونحيب وهلع ورعب يملأ الأرجاء؛ والعدل أساس المُلك ولم يعدلوا ولم يتقوا!!
يتهادى إلى مسامعنا اليوم حجم مريب من الصراخ والعواء والنحيب والهلع الذي يملئ أرجاء وكافة مرابط نظام ولاية الفقيه ويتعالى النعيق على يد حتى أغلب أبواقه الرسمية وبفضل التطور الحاصل في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي باتت فضائحهم على كل لسان داخل وخارج إيران؛ والأمر ليس بجديد فهكذا هو حال النظام يصرخ ويولول وينحب منذ قفزه على الثورة واعتلاء السلطة في إيران غير أن نحيبه وصراخه لم يؤخذا حقهما الإعلامي في الشهرة نظراً لتكتم ما يسمونه أنفسهم بـ (الاستكبار العالمي) على حالهم كي لا يُفتضح أمرهم في بدايتهم وتتكشف سوءاتهم ويخرج عليهم الشارع فيقتادهم كالخراف الطيعة ويصبحون ذكرى شوم عابرة وانتهت سريعاً سريعًا.. الاستكبار العالمي الذي جعل منه الملالي وسيلة يُعلقون عليها كافة مصائبهم وكوارثهم التي أوقعوها على رؤوس الشعب ويحملون عليه متى شاءوا؛ وهو نفسه الذي يكيل لهم من فترة إلى أخرى حزمة كبيرة من مليارات الدولارات تحت تصرفهم للقمع للإرهاب للقتل للتدخل في دول الجوار لصناعة قنبلة نووية وصواريخ وما يشتهون، وليس ذلك فحسب بل أعطى وأباح لهم مساحة يتنفسون فيها يسبون ويشتمون ويلعنون ويعربدون في حدود معينة لكنها كافية لخلق نوع من السياسات اللئيمة، وقد كانذلك أمرٌ جليٌ واضح مقروء بين السطور وأثبتته تجارب الأيام وكذلك اعترافاتهم واعترافات ذيولهم من نفس المدرسة هنا وهناك، ورغم فضل الاستكبار العالمي عليهم كالأم بغريزتها الحانية التي وإن قست في موضع فإنها تحيط وليدها أو ربيبها بكامل العناية وينمو هذا الربيب على النمط الذي أتاحته لهم الأم فيبقى قبيح اللسان سليط بتوجيهٍ منها بالطبع؛ رغم هذا الفضل إلا أنهم يخرجون عن النص كثيراً ويفرطون في الثرثرة القبيحة ولا تلومونهم فحجم الفشل والهلع العظيمين يدفعان ليس إلى القتل والقمع والتعذيب والتطاول بل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
بلغ الأمر في الآونة الأخيرة من خلال ما أظهرته وسائل إعلام النظام الرسمية وخطابات ولي الفقيه الكثيرة التي مل منها القاصي والداني في الدائرة الأولى للنظام أن الهرج والمرج يجتاح أوصال النظام، وقد بلغت الخطيئة فيهم مبلغاً بات يرعبهم من الداخل ويرعب أنفسهم الخاطئة التي تذكرها ثورة الشعب الإيراني في لحظة تمر عليها بما فعلت من جرائم قلت أو كثرت فطفقت تكتب الأقلام بلا أدنى مراعاة أو اعتبار فيفتقونها من هنا ويصيبونها منها ويأتي خامنئي لي ليكحلها من دفاعه المفرط وتزيينه للخطايا والباطل فيعميها، ويخرج قلماً آخر ليطعن في انتفاضة الشعب ويعتبرها بالانتفاضة الآنية ويُسقِط ويُطيح بقدر النظام في نفس الوقت من حيث يفقه أو لا يفقه وأكثرهم لا يفقهون؛ لكن الحقيقة الجلية ومنذ زمن بعيد هي أنه لا توجد اعتبارات حقيقية للنظام وولي فقيهه في أوساط السلطة وأدواتها إلا في حدود معينة تحكمها المصالح والمنافع ويربطها المصير المشترك كما يقولون هم أن الجميع في (مركب واحد) والنجاة والغرق للجميع، وكذلك لم يوجد إجماع في سلطة الحكم على ولي الفقيه لولا عصى الحرس التي تسوق الجميع كالقطعان الصماء البكماء التي لا تستطيع فرض إرادتها أو التلويح بها بسلام بعد أن تمكن الحرس من جميع مفاصل السلطة من جيش وبحرية وداخلية ومخابرات وصناعة وتجارة وزراعة وغيرها وتغول الحرس فتحول إلى دولة مقتدرة موازية للدولة لها في الحصاد والسلب والنهب ولا تتحمل مسؤولية وتبعات الإخفاقات القائمة، كما وضع خامنئي المقربين.. المقربين في سلطات النظام الثلاثة من المعنيين بغرق ونجاة خامنئي ونظامهم ذلك لارتباطهم الشخصي بالعديد من الجرائم والكوارث وبات من الطبيعي أن يبطشوا وبفتكوا بالشعب نجاةً لنظامهم وأنفسهم.
يُبدي بعض ما أسموه في مرحلة ما بـ أقطاب النظام امتعاضه مما يجري ليس من باب الحرص أو وجع الضمير وإنما من باب الذات والهروب من حالة سوء العاقبة التي ستقع لا محالة حتى وإن تأخرت، وقد نسي هؤلاء أنهم شركاء في الامتيازات وصناعة وتأسيس الواقع الأليم القائم؛ نعم هم محقون في مخاوفهم التي ترافقهم في حلهم وترحالهم فحجم الاحتقان الشعبي لابد وأن يكون انفجاره مدوياً، وكذلك هم يعلمون بأن السحل بالشوارع الذي يخشونه هؤلاء سيكون شاملا وسيطال الكبار والصغار وأن المساءلة لن يفلت منها أحداً ولو تُركت الأمور للثوار ستنتهي محاكماتهم في اليوم الأول، ويعلمون أنه لن يكون هناك منفي يرحب بهم كما حدث لسلفهم،وأكثر ما يخشونه ويرعبهم هو أن يقعوا في قبضة المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق والقوى الوطنية والثورية الإيرانية التي بطشوا بها على مدار عقود، لكن ما يمكن طمأنتهم عليه هو أن الناجين منهم من قبضة الشعب ويقعون في قبضة السلطة الانتقالية سينالون محاكمة عادلة بعيداً عن بربريتهم حتى وإن طالت تلك المحاكمة لكثرة أوزارهم وأدرانهم فمرحلة إيران المقبلة مرحلة مدنية تسودها سلطة القانون لكن عليهم أن يتحملوا مسؤولية ما فعلوا ويقروا بها ويعتذروا من الشعب حتى يتم التعجيل بمحاكماتهم بشكل عادل، فجرائم الإبادة الجماعية والقتل والتعسف والعنصرية بحق مكونات الشعب الإيرانية سوف تستغرق سنين ولا يمكن البت فيها بعجالة، ولو استقام الأمر للثوار على أرض الشارع لن تسغرق محاكماتهم سوى دقائق فأولياء الدم يشكلون جزءاً كبيراً من الثوار وعلى سبيل لا يمكن التحكم في مشاعر ذوي الشهداء والمعدومين والمعذبين والمضطهدين وضحايا العنصرية ومنهم ذوي الشهيدة مهسا أميني (جينا أميني) ونيكا شاكرمي وغيرهم وغيرهم من المستضعفين.. لذا مخاوفهم في محلها وأفضل الحلول لهم أن يتخذوا من الليل ستاراً ويجدون لهم مهرباً يلجأون إليه.
نعم.. إشارة وسائل إعلام النظام إلى أن رئيس جمهورية ولي الفقيه تنتظره محاكمة الشعب هي حقيقة نطقوا بها هم أنفسهم وهرع خامنئي ليخيط ما فتقته وسائل إعلامه لكنه بكثرة مديحه وكلماته العارية أسقطها ولم يبقي لها شأناً ولا مشروعية وهو بحديثه كمن يقول نعم صحيح هي سيئة ولكن بعض الشر أهون وعليكم جميعا أن ترضوا بالحمى بدلا من الموت.
لقد ولى زمن التكتم على صراخهم وعوائهم ونحيبهم فتناقضاتهم تفضحهم ووسائل التقنية الحديثة تترصد صغائرهم وكبائرهم، والقوى الوطنية الإيرانية تجلس معهم على موائدهم وهم يعلمون، وليشكروا قوى الاستكبار العالمي التي يسبونها في كل حال وحين فهي من أبقتهم إلى هذا اليوم لكن الدهر يومان ولن ينقذهم صراخهم ولا نحيبهم وعوائهم فأجلهم قادم لا محالة وكل الحلول التي يمكنهم تقديمها لن تعيد الثوار إلى المربع الأول فمن قتلوه لن يعود ومن سلبوها وسلبوه الشرف والكرامة لن تفي كل الحلول بإطفاء مشاعرهم ولن يعود القتلى والمفقودين إلى والديهم.. فأي جرم ارتكبتموه بحق البشرية لابد وأن تكون له عاقبة، وحسن العاقبة للمتقين؛ ولم تتقوا.
د. محمد الموسوي / كاتب عراقي