أقلام حرة

د. سامي خاطر يكتب: دور الطلاب والأكاديميين في الانتفاضة الإيرانية (2)

[الدور التاريخي للطلاب والشباب في النهضة الثورية بإيران وتناميه]

تتبوأ الجامعة منذ القدم مكان الصدارة في المجتمع، فهي مركز إشعاع لكل جديد من الفكر والمعرفة، والمنبر الذي تنطلق منه آراء المفكرين والأحرار والفلاسفة ورواد الإصلاح والتطور، وتساعد الدول على اللحاق بركب الحضارة الحديثة.

أصبح الدكتور علي شريعتي أسطورة جماهيرية استطاعت أن تلهم الشباب في إيران على اختلاف تياراتهم الفكرية الحلم بتفتيت عرش الطاووس الذي يجلس عليه الشاه، والسعي إلى تأسيس الجمهورية الإيرانية،فقد طور علي شريعتي أيديولوجية انتقائية جمعت بين التأثيرات الفلسفية العلمانية واليسارية وعلم اللاهوت الكاثوليكي التحرري ورمزية الإسلام الشيعي ولغته، وتصور شريعيتي الإسلامي الشيعي على أنه أيديولوجية تحررية حقة، وبسبب غياب التنظيم في حركات التغيير العسكري، وإسقاط الديمقراطية في عهد الشاه عقب الانقلاب على مصدق لم يتبقَّ لآمال التغيير متنفساً إلا في التغيير الثقافي بقيادة الدكتور شريعتي، وكان شريعتي عدواً للنظام الشاهنشاهي والإمبريالية، ولم يكن أيضاً صديقاً لرجال الدين، فقد اعتبرهم تقليصاً للإسلام إلى مجموعة من القواعد الثابتة والطقوس الجافة التي لا معنى لها، وقد ألهمت تلك الفكرة مجموعة من الطلاب والمثقفين في نضالهم ضد الشاه أثناء الثورة، وقد ضحى الكثيرون منهم بحياتهم في حرب العصابات بينهم وبين شرطة الشاه.

عاد شريعتي إلى إيران للتدريس في مشهد التي تعلم فيها،وانصب اهتمامه الفكري على المعنى الحقيقي للتشيع، فكان يرى أنه لا ينبغي البحث عن معنى التشيع الحقيقي في مذهب الدولة الرسمي من القرن السابع عشر، بل في درس العدالة والمساواة الاجتماعية الذي قدمه الإمام الأول علي بن أبي طالب، وفي هذا الإطار قدم شريعتي أحد إسهاماته الفكرية المهمة في كتاب «التشيع العلوي والتشيع الصفوي»، وأثر شريعتي كثيراً في طلابه لتصبح الجامعات وقوداً لا ينضب للمظاهرات والاحتجاجات على ممارسات نظام الملالي حتى وقتنا هذا، وبات الطلبة في الجامعة على وعي كامل بمفهوم الانتماء كأحد قيم المواطنة فضلاً عن وعيهم بأهمية الجامعة كمرحلة محورية في تنظيم الانتماء الوطني؛ من خلال إدراكهم لطبيعة دور الجامعة في بناء الشخصية القادرة على تعظيم هذا الانتماء.

رعب خميني من الجامعة ولجوءه إلى الثورة الثقافية الأولى

بادر نظام الملالي تحت مسمى «الثورة الثقافية» بسفك الدماء في الجامعات اعتباراً من منتصف عام 1980، وبادر في 5 يونيو 1980بإغلاق الجامعات لمدة 3 سنوات، وكما أسلفنا قُتِل خلال الثورة الثقافية 17طالباً، وأصيب أكثر من 2000 طالب، وتم اعتقال العديد من الطلاب والأكاديميين وزُج بهم في السجون، كما تم إعدام بعضهم.

وبادر مجلس الثورة الثقافية في نظام الملالي بتصفية الأساتذة تنفيذاً لمرسوم خميني، وتم فصل العديد من الأساتذة وغيرهم من الفئات الأكاديمية أو إجبارهم على ترك العمل في الجامعات، وأنشأ مجلس الثورة الثقافية في غضون هذه السنوات الثلاث أجهزةً للحصول على المعلومات ومراقبة المعتقدات، والعمل بأفضل الأساليب التي تراها في التعامل مع الجامعات والتعليم العالي حتى يتسنى لها السيطرة على الجامعات. ببأفضل وطرق

وبناءا على ذلك، تم تخصيص 45 في المائة من حصة القبول في الجامعات لعناصر البسيج وقوات حرس نظام الملالي وأسر المحاربين القدامى، وأقر مجلس الملالي قانون “التحاق المقاتلين بالجامعات”.

رعب خامنئي اليوم من الجامعة ولجوئه إلى الثورة الثقافية الثانية، وتجنيد 15,000 عنصر متحيز لنظام الملالي

بالتزامن مع فصل الأساتذة تم إلغاء بعض الأقسام الجامعية، وتقلصت الطاقة الاستيعابية لبعض الأقسام الأخرى، ووصف محسن رناني، عضو هيئة التدريس في قسم الاقتصاد بجامعة أصفهان هذه الخطوة بأنها الثورة الثقافية الثانية والانقلاب على النظام التعليمي.

ويتم في عملية فصل الأساتذة استبدال الأساتذة الذين تم فصلهم من العمل بسبب دعمهم للطلاب المحتجين ومعارضتهم للسياسات القمعية لنظام الملالي بعناصر متحيزة للنظام الحاكم، والهدف من ذلك هو ضخ عناصر قوات حرس نظام الملالي والبسيج داخل الجامعة على أنهم أستاذة جامعيين.

دور الطالبات الإيرانيات وتضحياتهن البطولية

أصيب أكثر من 1000 فتاة بأعراض مرضية بعد تعرضهن للتسمم منذ نوفمبر الماضي، ويعتقد أنها حالات تسميم موجهة تستهدف الطالبات  باستخدام غاز سام،وبحسب ما ورد فإن عشرات الفتيات في 26 مدرسة على الأقل في جميع أنحاء البلاد أصبن بالأعراض ذاتها، وهو ما يمثل تصاعدا واضحا في تعداد الحالات،كما أبلغ العديد من الأشخاص عن أعراض مماثلة، ومنها مشاكل في الجهاز التنفسي، والغثيان، والدوخة والتعب، وتأتي عمليات التسميم هذه انتقاما من المرأة الإيرانية والشابات الإيرانيات بسبب دوران البطولي في قيادة الانتفاضة واستمرارها، وقد اعترف النظام الإيراني في بادئ الأمر أن منظمة دينية متطرفة تبنت هذه الأعمال الإجرامية بقصد منع الطالبات من الالتحاق بالمدارس وهو المطلب الذي سيستفيد منه النظام بعدم مشاركة الفتيات في الانتفاضة وبالتالي إضعافها والقضاء عليها على حد اعتقاده.

العلاقة المفترضة بين الأساتذة الجامعيين وأبنائهم الطلاب

يجب على الأستاذ أن يحترم تلامذته ويقدرهم ويحرص على مصلحتهم من خلال بذل كامل جهده، وأن يسعى إلى معرفة مشاكلهم والعمل على حلها بالإمكانيات المتاحة وإرشادهم، وأن يجتهد في فهم نفسية كل واحد من طلبته حتى يحسن التواصل معهم ويكسب ثقتهم وودهم وليحقق بذلك التجاوب المطلوب،كما يجب أن تكون علاقة الطالب الجامعي بأستاذه علاقة احترام ورغبة جادة في التعلم، وأن يتحلى بالحماس والمشاركة الفعالة، وحضور المحاضرات في الوقت المخصص والاستعداد الجيد لكل محاضرة، وطرح الأسئلة العلمية، ومقابلة جهود أساتذته بالعرفان والتقدير. العلاقة بين الأستاذ الجامعي وطلبته يجب أن تكون في أفضل صورة لجعل العملية التربوية والتعليمية تفاعلية وتكاملية.

د.سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي

د. سامي خاطر

أكاديمي وأستاذ جامعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى