الأمة الثقافية

“رغيفٌ وفلّة”.. شعر: مصطفى عكرمة

رسالةٌ إلى أمِّ جائعٍ صبرَ وجاهدَ فانتصر…

——————————

أضناكِ يا أمَّاهُ نوحي جائعًا

  فرجوتِ لي شيئًا يُهدِّئُ جوعي

وأعزُّ ما نرجو رغيفٌ يابسٌ

  لأضمَّهُ، وأبُلَّهُ بدموعي

***

السيرُ ــ أنّى سرْتِ ــ ينــذرُ من مشى

  هيهاتَ يحلُمُ ذاهبٌ برجوعِ!

والثاكلاتُ وكلُّ مَن في قريتي

  ما بينَ ملهوفٍ، وبين صريعِ

القصفُ أنساهم شؤونَ حياتِهم

  لم يأبهـوا لتجارةٍ، وزروعِ

والرُّعبُ يسكنُ كلَّ قلبٍ هالَهُ

  ما حلَّ في الأحياءِ من تقطيعِ

وأبي ووأسفي عليه قد انتهى

  بجحيم قصفٍ عاصفٍ، ومريعِ

وعلى أخي المغدورِ كمْ عاشَ الأسى

  تفديه روحي من أبٍ مفجوعِ!

بيديه واراهُ الترابَ وإثرَه

  واراه جدِّي فاستباحَ دموعي

والجوعُ آلمني، وهدّكِ فقرُنا

  وعجيبُ ما عانيتِ من ترويعِ

وخرجتِ لهفى حرقةٍ لم تُطْعَمي

  يا أمُّ من يومينِ غيرَ ضريعِ

لم تُثْنِ سعيَكِ ريبةٌ ومخاطرٌ

  وإِخالُ خطوَكِ كانَ جدَّ سريعِ

ظِلُّ الرَّغيفِ أمامَ سعيِكِ سابقٌ

  وصدى ندائكِ ليسَ بالمسموعِ

وقضيتِ يا أمِّي ضحيَّةَ جوعِنا

  ليشُبَّ ألفُ تمرُّدٍ من جوعي

***

أُمَّاهُ ما معنى حياتي بعدَها

  إنْ لمْ أَثُرْ لأخي، وألفِ رضيعِ

أُمَّاهُ طيفكِ في جفوني ساكنٌ

  يُذكي دمي في صحوتي وهجوعي

أُمَّاهُ بسمتُكِ الحبيبةُ أيقظَتْ

  أملاً نماهُ بما يُعِزُّ ولُوعي

أملاً غدا حريةً ثُرنا لها

  لمْ نخشَ ما للكُفرِ من تجميعِ

هبَّتْ لها الأحرارُ لا تخشى الرّدى

  تمضي الجموعُ إليهِ إثر جُموعِ

سالَ النَّجيعُ من الأباةِ لنيلِها

  أكرمْ بها تُشرى بسكبِ نجيعِ!

فإذا دمُ الشُّهداءِ يُنبتُ عِزَّةً

  وإذا ربوعُ الشَّامِ خيرُ ربوعِ

وإذا جديبُ الأرضِ حقلٌ مخصِبٌ

  يزهو تماوجُهُ بكلِّ بديعِ

أغنتْ بلادي فاستردَّتْ عزَّها

  وربيعُ أرضي عادَ خيرَ ربيعِ

من كلِّ سنبلةٍ أتت آلافها

  هيهات نشكو بعدها من جوعِ!

فإذا لتكبيرِ المُهيمنِ هزَّةٌ

  والكونُ يحضُنُها بكلِّ خُشوعِ

***

يا أمُّ بسمتُكِ التي قد أشرقتْ

  كانتْ ربيعاً خبّأتْه ضلوعي

فهُرعتُ أزرعُ فوقَ قبركِ فلَّةً

  فعسى تكونُ لِما لقيتِ شفيعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى