بحوث ودراسات

د. زينب عبد العزيز تكتب: التجديد في الخطاب الديني حول المرأة (2)

إنشاء لجنة بابوية لتنصير الشعوب؛

فرض المساهمة في عملية التنصير على كافة الكنائس المحلية وعلى كافة الأتباع؛ وهو ما يضع الكنائس المحلية والأقليات المسيحية في موضع الخيانة بالنسبة للبلدان الإسلامية التي يعيشون فيها.

ومما لا شك فيه أن كل ذلك يكشف عن الجدّية والإصرار الذي يتصرفون به لتنفيذ قرارات هذا المجمع لأنها، كما أوضحوا، قرارات مجمع عالمي و لا رجعة فيها..

وحينما بدأت الألفية الثالثة والعالم لم يتنصر، أسند مجلس الكنائس العالمي في يناير 2001 مهمة اقتلاع الإسلام إلى الولايات الأمريكية بحكم أنها أصبحت السلطة العسكرية المتفردة فى العالم. وفى 11 سبتمبر 2001، أي بعد عدة أشهر قامت الولايات الأمريكية بمسرحية تفجير الأبراج الثلاثة بطريقة الهدم تحت السيطرة لتتلفع بشرعية دولية لمحاربة الإسلام.

وذلك لأن «الإسلام هو آخر معقل يقف ضد تنفيذ النظام العالمي الجديد» على حد قول بيير هيلار يوم 11 يناير 2010. الأمر الذي تناقلته العديد من الصحف والمواقع. ولو فكرنا لحظة في عدد ملايين المسلمين الذين تمت إبادتهم بغزوات عدوانية إجرامية بلا أي سند شرعي لأدركنا جدّية الموقف وخطورته.

وثيقة «في زماننا هذا»:

نشير إلى هذه الوثيقة، وهى واحدة من الستة عشر وثيقة التي أصدرها مجمع الفاتيكان الثاني لتحديد علاقاته مع الديانات غير المسيحية، وبها الجزء الرسمي المتعلق بالإسلام تحديدا. وهى الوثيقة التي يرفعها الفاتيكان وأتباعه كالراية والمصدّ في تعاملهم مع الإسلام والمسلمين، لذلك آثرت إدراجها. وهى تتكون من ستة عشر سطرا نصّها كما يلي:

الديانة الإسلامية:

3- إن الكنيسة تنظر أيضا بعين الاعتبار إلى المسلمين الذين يعبدون الإله الواحد، الحيّ القيوم، الرحمن القدير، خالق السماء والأرض، الذي تحدث إلى البشر. إنهم يحاولون الخضوع بكل قواهم لقرارات الله، حتى وإن كانت مخفية، مثلما خضع إبراهيم لله والذي يتخذه الإيمان الإسلامي طواعية مثلا له. وعلى الرغم من أنهم لا يعترفون بيسوع كإله، فهم يبجلونه كنبي؛ ويوقرون أمه العذراء، مريم، وأحيانا يتوسلون إليها بتضرع. كما أنهم ينتظرون يوم الحساب، الذي سيجازى فيه الله البشر بعد بعثهم، وهم يقدّرون الأخلاق، ويقدمون عبادةٍ ما لله، خاصةً بالصلاة، والزكاة والصوم.

«وإذا ما كان عبر القرون قد اندلع العديد من الخلافات و العداوات بين المسيحيين والمسلمين، فإن المجمع يهيب بهم جميعا نسيان الماضي وأن يجتهدوا بإخلاص في محاولة للفهم المتبادل، وأن يقوموا معا بحماية ونشر العدل الاجتماعي، والقيم الأخلاقية، والسلام و الحرية، من أجل كافة البشر» (صفحة 29).

ونخرج من نص تلك الفقرة المتعلقة بالمسلمين، بالنقاط التالية:

* أن كلمة «إسلام» غير واردة بهذا النص.

* أن الكنيسة «تنظر أيضا بعين الاعتبار» إلى المسلمين، ولا تشير إليهم على أنهم أتباع رسالة التوحيد المبلّغة لثالث وآخر مرة، وإنما تنظر إليهم فحسب بعين الاعتبار!

* أن الإله الذي يعبده المسلمون «قد تحدث إلى البشر»، أي أنه لم يتحدث تحديدا إلى سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام) !

* الإصرار المتعمّد لاستبعاد النسب التاريخي للمسلمين لسيدنا إسماعيل، رغم ثبوت ذلك فى نصوصهم حتى بعد تبديلها !.

* كما تشير هذه الفقرة إلى أن «الإيمان الإسلامي» يتخذ سيدنا إبراهيم كنموذج، يتخذه مثلا طواعية ولا ينتسب إليه ! ومن العار أن نرى مواصلة ذلك التعنت بلا خجل في استبعاد الإسلام شكلا وموضوعا !

* والسعي الحثيث لاستبعاد الإسلام من النص الإنجيلي رغم كل الإشارات التي لا تزال في الكتاب المقدس بعهديه، حتى بعد كل ما أصابه من تعديلات وتغييرات متعددة، وهو ما أثبته بجدارة رجل القانون الأمريكي جوزيف هويلس، في كتابه المعنون: «التحريف في المسيحية».

أهم المؤتمرات التنصيرية:

المتابع لكمّ المؤتمرات الكنسية المتلاحقة لتنصير العالم، خاصة في الآونة الأخيرة، يُذهل من مدى الإصرار على تنفيذ قرار تنصير العالم، مع التركيز الشديد على تنصير إفريقيا. بل كثيرا ما تقام المؤتمرات فى أكثر من مكان في آن واحد.

ولا يسع المجال هنا لتناول أو لذكر كل المؤتمرات واللقاءات التي تمت من أجل تنصير العالم، لكن هناك ما يجب الإشارة إليه لأهميته. ففي عام 1974 أقيم أول مؤتمر دولي للتنصير العالمي في مدينة لوزان بسويسرا، تحت عنوان «لوزان 1»، لتدارس كيفية تنفيذ الوثائق الستة عشر الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثاني (1965)، وتدور كلها رغم اختلاف مسمياتها حول قرار تنصير العالم أو تشير بوضوح إلى ذلك القرار. أما مؤتمر «لوزان 2» فقد انعقد في مانيللا بالفيليبين سنة 1989، وشارك فيه 3000 قيادي إنجيلي من 170 بلد. وانتهى المؤتمر بإعادة تأكيد الالتزام بقرارات لوزان 1 ونداءه الذي ينص على: «أن يتم الإعلان عن يسوع إلى أن يعود»… أما بيان مانيللا فيعتمد على نقطتين أساسيتين: «الإعلان عن يسوع إلى أن يعود؛ ومطالبة كل الكنائس بتوصيل الإنجيل للعالم أجمع».

وبين المؤتمرين أقيم في 15 مايو عام 1978، واحدا من أكبر مؤتمرات التنصير من حيث الأهمية، في مدينة كولورادو بالولايات المتحدة، لتدارس كيفية تنفيذ قرارات «لوزان 1» (الذي كان قد انعقد لدراسة كيفية تنفيذ قرارات مجمع الفاتيكان الثاني)، وهو المجمع الذي دارت كل قراراته حول كيفية تنصير العالم وبالتالي حول دراسة كيفية اقتلاع الإسلام. فقد اجتمع 150 خبيرا من أهم مبشري المجال الكنسي لدراسة 40 بحثا تمثل أربعين منفذا لاختراق العالم الإسلامي: «لأن العالم الإسلامي اليوم بحالة من التمزق الاجتماعي والسياسي لذلك يوجد لدى المسلمين اليوم استعداد قلبي وعقلي لتقبل رسالة المسيح».. ومن موضوعات ذلك المؤتمر «المداخل النصرانية للمرأة المسلمة وأسرتها»، ومنها: وضع المرأة في الإسلام؛ نظرة المرأة المسلمة إلى العالم؛ مشاركة المرأة في الإسلام؛ المرأة المثالية في المجتمع الإسلامي وما يعنيه ذلك بالنسبة للكنيسة؛ إنشاء المدارس وتعليم الرجال والنساء وفق النموذج الغربي..

وأكثر ما يلفت النظر في محاور ذلك المؤتمر، هو الإصرار على تنصير المسلمين من خلال اختراق الإسلام ومن خلال الثقافة الإسلامية اعتمادا على الكنائس المحلية والعمالة الأجنبية.

فلقد عجزوا عن مجابهة الإسلام فقرروا اختراقه لتقويضه من الداخل، أي أن يتم التنصير من خلال القرآن الكريم وليس بالهجوم عليه، ومن خلال الثقافة والتقاليد الإسلامية وليس بانتقادها أو السخرية منها ! كما تطالب بعض هذه الأبحاث بالاهتمام بما يصفونه الثغرات الداخلية في الإسلام ومنها: المذاهب والقوميات والطبقات الاجتماعية والتعامل مع كلٍ منها بمنهج خاص؛ والثغرات الخارجية، ومنها محاكاة الغرب والأفكار العلمانية والنزعة العصرية أو الحداثة.. أي من خلال الثغرات التي أوجدها الغرب والضغوط التي يمارسها من خلالها.

وتجدر الإشارة إلى مقدمة أبحاث مؤتمر كولورادو هذا حيث نطالع في السطر الأول: «كانت عملية تنصير المسلمين من أعظم التحديات التي واجهت الكنيسة على مر العصور وأصبح ذلك التحدي أكثر وضوحا بسبب الأحداث السياسية التي تشد الأنظار نحو الأراضي الإسلامية إضافة إلى الانفتاح الحديث الذي يشير إلى استعداد بعض المسلمين لتقبّل رسالة المسيح (…)، وأن أكبر عقبة تواجه عملية تنصير المسلمين هي عدم وجود كنيسة خاصة بالمتحولين عن الإسلام، أى كنيسة تناسب تقاليدهم الثقافية والاجتماعية».

وتنتهي المقدمة القصيرة لهذا الكتاب الضخم، إذ يصل إلى 915 صفحة، بأن «هذا المؤتمر قد بعث الأمل وشجعنا على السير قدما نحو هدفنا الكبير وهو العمل على تنصير الـ720 مليون مسلم، وأن الرب شاء علينا تخليص وتنصير الألوف المؤلفة من المسلمين وأن نجعلهم يؤمنون بأن المسيح هو رب الجميع»!

(ملاحظة بالنسبة لتعداد المسلمين: النص مكتوب سنة 1978).

ومن ناحية أخرى فإن البابا بنديكت 16، الذي كان قد أعلن رسميا حماسه وانضمامه للنظام العالمي الجديد، لا يكف عن المحاولات المستميتة من أجل تنصير العالم بشتى الوسائل حتى السياسية منها. فحينما كان في زيارته للولايات المتحدة، من 15 إلى 20 إبريل 2008، ألقى أحد عشر خطابا تصرّ على الإشارة إلى الإرهاب الإسلامي، وأخص بالذكر ثلاثة منها: البيان المشترك الذي ألقاه مع جورج بوش يوم 16 إبريل، وخطابه يوم 17 أمام ممثلي الأديان المختلفة، ثم الخطاب الذي ألقاه يوم 18 في هيئة الأمم المتحدة. حيث طالب هذه الهيئة الدولية، غير المحايدة، بالتدخل من أجل حماية الأقليات المسيحية في العالم موضحا: «إذا كانت الدول غير قادرة على ضمان مثل هذه الحماية فإن المجتمع الدولي يجب عليه أن يتدخل بالوسائل القانونية الواردة في ميثاق هيئة الأمم المتحدة وفى نصوص أخرى من القانون الدولي»! مكررا هذه العبارة أكثر من مرة.

ولم تتوقف محاولاته عند ذلك الحد وإنما أعلن، يوم الإثنين 28 يونيو 2010، عن إنشاء لجنة بابوية جديدة لتنصير البلدان ذات الجذور المسيحية بعنوان «المجلس البابوي للتبشير الجديد»، بعد أن كان قد أعلن أن اسمها «لتبشير أوروبا»، لكنه غيّر الاسم تفاديا للانتقادات، موضحا أن ذلك المجلس يهدف إلى: «نشر التبشير الجديد في البلدان التي تم تنصيرها سابقا، وبها كنائس قديمة، لكنها تباعدت وتعيش علمنة متزايدة بحيث أن اختفاء معنى وجود الله بات يمثل تحديا لا بد من مواجهته بشتى الوسائل لإعادة نشر الحقيقة الخالدة لإنجيل المسيح».. وفى يومي 24 و 25 مارس 2011 ابتدع وسيلة للدمج بين الحوار والتبشير «دون أن يبدو ذلك على أنه عملية تبشير» على حد قوله، وذلك بعمل منتدى للحوار بين المؤمنين وغير المؤمنين في فناء كاتدرائية نوتر دام في باريس، وهى الاحتفالية التي شارك فيها كل من اليونسكو والمعهد العلمي القومي الفرنسي وجامعة السوربون، ومنها جلسات بدعوات خاصة لكبار المسئولين وطلبة الدكتوراة.. وهو ما يكشف عن مدى نفوذ البابا و مؤسساته، ويوضح إلى أي مدى يمكنه التأثير على دولة تعلن أنها علمانية لكنها تتضامن معه بأهم مؤسساتها العلمية في محاولة اقتلاع الإسلام !!

كما أعلن عن إقامة سينودس خاص بالتنصير الجديد في أكتوبر 2012، وقد بدأت لجان الأساقفة الإعداد له.

مؤتمرات المرأة:

تعد مؤتمرات المرأة والسكان (1995) وكل ما سبقها من إعداد، تطبيقا عمليا لمطالب مؤتمر كولورادو الذي خطط لاقتلاع الإسلام من خلال اقتحامه للمرأة المسلمة من شتى المداخل حتى الدينية. وذلك بحجة الحرية وحقوق الإنسان ليسمح لها بالانفلات من خلال بدعة النوع (gender) التي ترفض سُنة الله عز وجل في خِلقة البشر، مدّعين أن الفرق بين الرجل والمرأة تقسيمات اجتماعية يمكن تعديلها وتبديلها، كما يبدلون في نصوصهم الدينية، من باب الحرية الشخصية وإقامة العلاقات المثلية والحمل خارج إطار الزواج أو بنظام التلقيح الصناعي أو تأجير البطون – وهو ما يمارس في الغرب رسميا منذ سنوات عدة..

والمتابع للأحداث الجارية، فيما يتعلق بمحاصرة الإسلام والمسلمين، تلك المحاصرة التي لا يمكن لإنسان أن يغفلها اليوم، قد يدهش للتباين الشاسع بين أمرين أساسيين: موقف الفاتيكان من جهة، وموقف القيادات الإسلامية من جهة أخرى. كما أن سرعة الإيقاع التي يقود بها الفاتيكان عملية تنصير العالم في هستيريا محمومة، منذ أن قرر مجمع الفاتيكان الثاني تنصير العالم (1965)، تلك العملية التي صارت في الخفاء، بين المواربة والتعامل بوجهين، وخاصة منذ أن أعلنها البابا السابق يوحنا بولس الثاني رسميا وعلنا عام 1982 في مدينة شانت يقب.. فمنذ ذلك الوقت قاموا بنزع برقع الحياء في الهجوم على الإسلام والمسلمين، وصيغة الجمع هنا تشمل التضافر الرهيب بين الأحداث السياسية الأمريكية والفاتيكانية.

أما الملاحظ على الجانب الإسلامي فهو التراخي والتنازل المخزي إلى درجة أن وقّع البعض، جهلا أو عن عمد، على الوثيقة المعروفة باسم «خطاب الـ138» والتي تنص على أننا نعبد نفس الإله ! الأمر الذي سمح للبابا بنديكت 16 أن يتمادى في وقاحة وَعيده لا بتنصير أحد عملائه من المسلمين علنا وبيديه، عشية عيد الفصح عام 2008، أو أن يطالب الكنائس بالقيام بالتنصير علنا وعدم الخشية من ذلك، ولكن أن يعلن صراحة «أن التنصير سوف يُفرض على المسلمين قهرا أو بحرب يخسرونها وتحط من كبرياء إسلامهم وتجبرهم على التنصير الجماعي»!.

ونظرا لخطورة الموقف الحالي وتوالى التنازلات الكاسحة من جانب القيادات الإسلامية رأيت الإشارة إلى هذه الوثيقة التي وقّعت عليها كافة البلدان الإسلامية تقريبا وعلى تنفيذ مطالبها ! ولا أقصد بذلك أي تجريح لأي شخص ولكن ليدرك المسئولين، كل في مجاله، ضرورة الكف عن تنفيذ هذه المطالب، التي لا تعنى سوى اقتلاع الإسلام بأيدي المسلمين، والعمل بوعي وإدراك على رفض ووقف الانصياع لها أيا كانت الحجج.. ولن نكون أول أو آخر دولة تخل بقرار من قرارات المؤتمرات الدولية والأمثلة كثيرة، وتكفى الإشارة إلى الكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين، الذي لا يكف عن السخرية علنا من كافة القرارات التي تدينه والإطاحة بها!

فبعد أن وصلت القحة إلى الإفصاح عن التنصير الجماعي والقهري للمسلمين والمطالبة علنا ببناء كنائس في المملكة السعودية والإعلان رسميا في إبريل 2008، في أحد مواقع الفاتيكان، بأن الإسلام ليس بديانة منزّلة وقد سبق أن وضعه مجمع الفاتيكان الثاني ضمن الديانات الأسيوية في وثيقة «في زماننا هذا»، فلا يسعني إلا مناشدة خادم الحرمين الشريفين بالتصدي لهذه الهجمة وعدم الانسياق في ركاب الفاتيكان الذي لم تعد نواياه بخافية، كما أناشد كافة القيادات الإسلامية، كل في مجاله، أن ينتبهوا جميعا ويتقوا الله ويدافعوا بكل ما أوتوا عن الإسلام وعن نبيه الكريم، صلوات الله عليه، دفاعا حقيقيا جريئا لا يخشى إلا الله سبحانه وتعالى.

الخطاب الوطني:

لقد آثرت التحدث عن الخطاب الديني وكل ما يتعلق به من موضوعات في البداية ثم تناول الخطاب الوطني لوضوح الرؤية. والخطاب الوطني يمكن التعبير عنه بإيجاز من حيث انه ينقسم أيضا إلى فريقين إجمالا: الخاضعون للقيادة المحلية أو المنساقة للسلطة الاستعمارية الخارجية ومطالبها؛ والمتمسكون بالوطن والدين والعاملون على تقدمه واستقلاله. وبالتالي يأتي التساؤل حول مدى الحريات المسموح بها لمن يقومون بهذا الخطاب أو ذاك. لأن الاستعمار حتى وإن كان قد انسحب شكلا من البلدان التي احتلها فقبل مغادرة مستعمراته يقيم بها أنظمة خاضعة له يواصل استعماره من خلالها.. والنتائج التي نراها من حولنا، على الأقل في مختلف وسائل الإعلام وخاصة المجال الإلكتروني والتليفزيوني في البلدان العربية والإسلامية، تشير بوضوح إلى تزايد فرض عملية التغريب وفرض المفاهيم الانفلاتية على المجتمع ككل وبالتالي على المرأة المسلمة، إضافة إلى تزايد الفقر والأمراض مع تزايد انتشار الجهل.. ولا أقصد على الإطلاق التقليل من شأن كل ما تم ويتم من جهود متواصلة في بلداننا، والاهتمام بالوطن والدين و المرأة بصفة عامة، لكن السؤال الأساسي المتعلق بالخطاب الديني يتمحور حول قضية جوهرية: مدى قبول التبعية، أو التعامل مع الآخر على مستوى التكامل والندية؟.

المرأة المسلمة:

بعد تناول مفردات محور «تجديد الخطاب الديني والوطني» وتوضيح ارتباطها بمفاهيم الغرب المسيحي المتعصب، الذي قرر اقتلاع الإسلام بقرار مجمعي عالمي لا رجعة فيه، لتطبيق «النظام العالمي الجديد»، نصل إلى الركيزة المعنية في هذا المحور، وهى: المرأة المسلمة، لنتساءل: ما الذي يُجبرنا على الأخذ بمفاهيم الغرب الصليبي ومفرداته ومطالبه المغرضة، وتبنيها، لنجعل من المرأة قضية منفصلة؟ ما الذي يجعلنا نأخذ بقضايا مختلقة لأسبابٍ معيّنة ونتعامل معها على أنها قضايا مسلّم بها؟ وإلى متى سنظل نلهث وراء الغرب ونترك القرآن الذي أنزله رب العالمين مكملاً ومصوباً لما تم من تحريف واضح في الرسالتين السابقتين؟ لقد أكرمنا المولى عز وجل بالقرآن الذي هو في واقع الأمر: مشروع حضاري متكامل للدين والدنيا أو للدنيا والآخرة، بلا أي انفصال بينهما، فلماذا نبحث عن حلول عند من يحاولون اقتلاعه لغةً ومضموناَ بزعم الحداثة والتقدم؟

لقد نزل القرآن الكريم للمجتمع ككل، دون تفرقة بين رجل وامرأة، إلا في نقطتين مشروح أسبابها بوضوح هما: الميراث والشهادة بمعنى الإشهاد على الدَيْن، نزل لإقامة مجتمع قائم على فكرة العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة وليس على علاقة تنافسية أو عدوانية كما يفرضها علينا الغرب..

فالمرأة في الإسلام، وفى الطبيعة التي أنشأها الخالق عز وجل، دورها الأمومة والرجل عليه القوامة بمعنى الحماية لتأدية الرسالة وليس بمعنى السيطرة والتحكم.. فالأم هي التي تحتضن وليدها وترعاه وتسقيه مبادئ الأخلاق والعِلم، والرجل عليه احتضانهما لتتم الرسالة وتتواصل..

إن المرأة بكل تنويعات أدوارها الاجتماعية، مثلها مثل الرجل، تحتاج إلى رعاية أسرية وإلى مظلة اجتماعية وصحية تعاونها على مواجهة مصاعب الحياة المتعددة، وإلى التعليم وخاصة اللغات الأجنبية، كما تحتاج إلى وسائل نقل عامة وآمنة، والى مساعدة وتوجيه لمواجهة متغيرات العصر، التي باتت تُفرض عليها في بيتها، لتساعدها على تربية أبناءها والتحدث معهم ومع زوجها.. وذلك لا يمنعها من المشاركة في المجتمع وتنميته حين تستطيع القيام بذلك. فقد كانت المرأة في عهد الرسول (صلوات الله عليه) تساهم حتى فى المعارك الحربية قدر جهدها، فما بالنا فزعين مذعورين من مشاكل مختلقة ونبحث لها عن حلول؟!

لذلك من الحق والإنصاف، في الظروف التي نعيش فيها حاليا، أن يكون الخطاب الديني للمرأة، مثلها مثل الرجل، ذو شقين إجماليين: الجانب التأصيلي، الذي يعاونها على فهم دينها والتعمق فيه وفى تطبيقه عمليا فى مختلف مجالات الحياة؛ والجانب الذي يقوم بتوعيتها بكل ما وقع في الرسالتين التوحيديتين السابقتين من تحريف، وبكل ما يكيله لها الغرب الصليبي من برامج تفتح لها باب الانفلات على مصراعيه، لتدمير الأمة المسلمة من داخلها.. فما زلت حتى يومنا هذا أواجَه باستنكار قول أن الفاتيكان يخطط لاقتلاع الإسلام !

كما يجب أن يكون الخطاب الوطني للمرأة، مثلها مثل الرجل، ذو شقين إجماليين: الجانب الذي يربطها بالوطن وجذوره وتراثه واحتياجاته، ليغرس فيها حب الانتماء والحفاظ عليه والعمل على تنميته؛ والجانب الذي يقوم بتوعيتها بكل مخططات الغرب السياسية الاستعمارية والاجتماعية حتى لا تقع في مخالبها.

فلقد وصلت الوقاحة بالغرب المسيحي إلى درجة عدم الاكتفاء بما يقوم به هو من عدوان علينا، فى كافة المجالات، من أجل السيطرة على الموارد لطبيعية التي حبانا المولى بها، وإنما أصبح يعمل على تنفيذ مآربه بأيدي المسلمين رجالا ونساء.. بل لقد بات يعلن صراحة عن ذلك،دون خشيةٍ وبلا حياء، بغرس الفرقة والخلافات لإبعادنا عن تطبيق رسالة رب العالمين..

لذلك أناشد الجميع، بدأ بخادم الحرمين الشريفين و إمام المسلمين، مع مراعاة وتقدير كل ما يقع عليه من مهام وكل ما قام ويقوم به من جهد للحفاظ على الحرمين الشريفين، كما أناشد كل مسلم ومسلمة، أن ننحى أية خلافات بيننا كمسلمين جانبا، والتصدي لهجمة التنصير وعدم السماح بإقامة كنائس في المملكة، التزاما بوصايا سيدنا محمد (عليه الصلاة والسلام)؛ ونتكاتف دفاعا عن القرآن الكريم والإسلام وعن نبينا الكريم (صلوات الله عليه)، دفاعا عن الدين الذي أمرنا سبحانه وتعالى بتطبيقه وبتبليغه..

إن حمل مثل هذه الرسالة الإنسانية يجب يدعونا إلى الفخر ورفع الرأس، والتعامل مع الغرب المتعصب بصفتنا أصحاب حق، لا نخشى إلا الله عز وجل.. والعمل على أن تكون العلاقة بين المجتمعات والدول علاقة تكاملية بنّاءة، وليست علاقة قائمة على الاستعمار والاستغلال أو التنصير..

د. زينب عبد العزيز

أستاذة الأدب الفرنسى وتاريخ الفنون بالجامعات المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى