مضر أبو الهيجاء يكتب: المسألة الفلسطينية بين رقي النفوس وعطب العقول
المسألة الفلسطينية بين رقي النفوس وعطب العقول وفساد الحال وغياب المشروع !
لقد شكلت معركة طوفان الأقصى بإبداع المجاهدين الأوفياء منعرجا في نفوس المسلمين أعاد لهم العافية، بعدما تضررت بشكل فظيع من هزات وضربات وأوجاع مرحلة الربيع العربي لاسيما في مصر والعراق واليمن والشام وغيرها.
وفي اللحظة التي يجب فيها التفكير بدعم وإنجاح وإنقاذ الحالة الجهادية القائمة في غزة، فإنه من الواجب الاستفادة الفورية منها في معالجة عطب الذات الذي أصاب الحالات والحركات الثورية على وجه الخصوص في دول التغيير العربية المؤثرة كمصر والشام والعراق.
وفي الوقت الذي يجب أن يصل فيه إشعاع غزة إلى دول المنطقة ليؤثر فيها ويستنهضها من جديد بأمل وقوة ورباطة جأش تنهي إمكانية الانكسار أمام الأنظمة، كما تغلق الطريق أمام أصحاب مشاريع المصالحات مع الطواغيت، والذين فترت عزائمهم وانكسرت هممهم وطال عليهم الأمد فقست قلوبهم .
فإنه من الواجب أن يصل إشعاع ودفء وإسناد واحتضان غزة من قبل تلك الشعوب والحركات التي بذلت وضحت وتقرحت في ثورات الربيع العربي، على الأقل لكي تبقى الشعلة مرفوعة وقائمة على الأرض المباركة، وحتى لا يهنأ الطواغيت والجبابرة إلى أن يأذن الله بتغير الحال، وهو معنى الثبات المطلوب .
لقد شكلت حالة الانفصال والتضاد السياسي بين المسألة الفلسطينية وعموم أنظمة الدول العربية وخصوص دول الطوق حالا فاسدا أضر بالقضية وسمح بتغول اليهود في الأقصى وأباح لهم الشرب من دماء الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة، ثم خنق الفلسطينيين في أراضي فلسطين 48 خنقا مؤذيا ولا يزال .
ولقد ترجم هذا الفساد التخلي العربي الرسمي عن فلسطين وبيع الأقصى والقضية حتى من أقرب المقربين والملاصقين لفلسطين حتى وإن كان اسمهم حماة الأقصى، كما عبر هذا الحال الفاسد تلك الزيارات المكوكية والحميمية التي قام ولا يزال يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي بلينكين حيث يقفز بين أولياءه في العواصم العربية، بعد أن أحضر البوارج الأمريكية ليسحق غزة ويعيد صياغة القضية الفلسطينية بتوافق عربية رسمي ينتهي إلى إطلاق أيدي اليهود في كل المنطقة العربية والإسلامية.
لقد دفع فساد الحال في المنظومة العربية الحركات الفلسطينية التحررية للبحث عن داعم ونصير، فقادها حظها العاثر وعقلها القاصر للحلف مع إيران بعد أن استولى عليها الملالي وجعلوا منها دولة وركيزة وانطلاقة قوية لمشروعهم السياسي الثقافي الطائفي، والذي توسع حتى صبغ بلونه القاتم العراق ولبنان واليمن والشام وعينه لا تزال على مصر بينما يده تعبث منذ زمن في الضفة الشرقية.
لم يعتبر الفلسطينيون في مشروعهم السياسي ومواقفهم وأحلافهم كل ما جرى لعموم المنطقة العربية ودولها التي تفككت وشعوبها التي قتلت وتهجرت على يد ملالي إيران خلال ثلاثين عاما، ولم يضعوا هذا في الميزان، حتى جاء دورهم وذاقوا لوعة الخذلان من إيران، ومع ذلك لم تصفهم عموم الأمة بالخذلان رعاية لقدسية الأقصى وتعظيما لدماء الشهداء في مواجهة الصهاينة اليهود.
وفي الوقت الذي ينزف فيه دم الفلسطينيين كالأنهار، تؤكد إيران لأمريكا والغرب وإسرائيل والأمم المتحدة أنها لن تدخل أي معركة، بشرط ألا تستهدف طهران!
إن موقف إيران ليس مستغربا وموقف الملالي ليس مستبعدا، فقد نحر الملالي بيد إيران ملايين الفلسطينيين الذين أسماهم سايكس وبيكو سوريين وعراقيين، وهجرت إيران في سوريا والعراق من الفلسطينيين -الذين بدل اسمهم وضبط رسم حدودهم سايكس وبيكو- ضعفي من ينتسبون للأرض المباركة .
إن المستغرب والمستقبح هو العطب الذي أصاب العقل الفلسطيني فأفقده البصر والبصيرة ثم شكل مسطرته المضطربة وغير المنصفة، حتى انتهى به المطاف لتكون دماءه خدمة في تلميع ملالي إيران وتحسين شروط تموضعها الإقليمية والدولية !
فهل يعقل اليوم ونحن في معركة مصيرية ( طوفان الأقصى ) ألا نعيد النظر في العلاقة الجاهلية مع إيران، لاسيما وقد أوجدت لنا مبررا سياسيا بتصريحاتها ومواقفها الجلية لنتخلص من إثم تلك العلاقة غير الشرعية في منحة وفرصة تاريخية، ونعيد جسر الهوة مع أمتنا ومحيط فلسطين اللصيق؟
هل وصل عطب العقل الفلسطيني الثوري أن يناشد إيران بالتدخل، ثم يرجوها التدخل، ثم يأمل منها التدخل، كما جاء على لسان الاخ موسى أبومرزوق، وكما نظر له الأخ وضاح خنفر، وكما عبرت عنه كثير من القيادات الفلسطينية الإسلامية !
إن العقل الفلسطيني فعلا قد أصيب بالعطب، وهو عطب لا تغطيه روعة المكون والسلوك الجهادي المبهر، وكما أصاب العطب العقل الفلسطيني في التيار الوطني حين اعتبر أن تنسيقه الحرام مع المحتل فرج لفلسطين وحماية لأهلها وتحقيق لمصالح شعبها، فإن العطب أصاب العقل الفلسطيني في التيار الإسلامي حينما اختار حلفه مع ملالي إيران ورضي بأن يكون أحد مفردات محور المقاومة الذي شكله ملالي إيران وتنتعله سياسيا طهران !
وفي نظرة سريعة للمقارنة بين طرحي الأخ وضاح خنفر – الذي نحبه في الله – وبين طرح عزمي بشارة الفلسطيني القومي المسيحي -الذي نحترم عقله ولا نوافقه-، نجد أن وضاح خنفر الذي يعتبر قامة سياسية واعية وضليعة في الفكر السياسي لا يزال بعد سيل الدماء في غزة ووضوح الخذلان الإيراني يطرح معادلة تؤكد عطب العقل الفلسطيني، حيث يعتبر أن إيران أمام محك، فإما أن تقوم بنصرة المقاومة لتؤكد مصداقيتها وتثبت سرديتها المقاومة، أو أنها ستتخاذل وتنتهي سرديتها وينكسف أمرها ! إن كلام الأخ وضاح خنفر كلام فاقد للوعي وللسوية السياسية في الحالتين، ولا يمكن أن يقبله ويبني عليه من يعقل مشروع ملالي إيران الذي يستخدم القضية الفلسطينية ومفرداتها، كما لا يمكن أن تقبله النفوس السوية التي تنتمي وتنحاز سياسيا للأمة معتبرة لقيمة الدماء، والتي تعي مفهوم وحدة الأمة ولا تغرق في صنم القطرية، فحتى إن قامت إيران وتدخلت بمسرحية فإن أدنى العقول في العراق واليمن والشام تجربة تدرك أنها مرحلة وخطوة توظيفية، لا تستهدف نصرة القضية الفلسطينية بل تحسين تفاهماتها مع من مد لها نفوذها في المنطقة وسلطها لتهلك الشعوب العربية وتحول دون نهضة إسلامية .
بينما إذا نظرنا لعزمي بشارة الفلسطيني القومي المسيحي، والذي جلبه محمد حسنين هيكل لحافظ الأسد في سورية قائلا له إن عزمي بشارة نبي القومية العربية، ليحظى بشارة بمكانة عند النظام السوري علية، تجاوزت كل قيمة للشخصيات الفلسطينية القريبة والمتعاونة معه .
وما أن قامت الثورات العربية وتكشف سلوك الطائفية العلوية في سورية حتى كفر بها عزمي بشارة وبات طرحه الفكري السياسي ومواقفه سهما يطعن في شرعية النظام السوري والعائلة الأسدية .
فلماذا يعيد العقل العربي غير الإسلامي اصلاح عطبه، فيما يصر العقل العربي الفلسطيني الإسلامي الحفاظ على عطبه وقصوره ؟
إن الطلاق البائن بينونة كبرى بين الفصائل الفلسطينية الثورية الإسلامية وبين ملالي إيران ومحورها هو ثمرة واجبة يجب أن نقطفها بعد معركة طوفان الأقصى، وهي الحد الأدنى لمن كان عنده فهم وشرف ومسؤولية، وسوية وكرامة وقيمة للدماء الزكية .
وقد يطرح ضعفاء العقول والقلوب من الذين غابت عنهم دلالة التوحيد ومعانيه الجلية سؤالا مفاده، ما هو البديل عن إيران في ظل تخاذل الأنظمة العربية ؟
أقول إن البديل البديهي عند من يملك تصورا رساليا يسير على نهج الأنبياء والمرسلين والمصلحين ويعتبر قصصهم منهجا في القران الكريم، هو أن يمد يده نحو اخوانه المسلمين فيبني جسوره مع الشعوب العربية والإسلامية ثم يقيم معهم تحالفاته السياسية، لاسيما وهم لزحف القدس جاهزين ليبذلوا الغالي والنفيس، وقد دفعوا من دمائهم وحرياتهم وكرامتهم واستقرارهم الثمن الأكبر بسبب موقفهم العميق تجاه القضية الفلسطينية والأقصى الحبيب، ومصر والشام والعراق واليمن والمغرب -وعبر كل التاريخ بما فيه القرن الأخير- خير الشاهدين.
فكيف يستقيم عند سوي عاقل أن يبني بينه وبين من سيحررون الأقصى فجوة نفسية وعزلة سياسية؟ وهل حلف الفلسطينيين مع قاتل اليمنيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين يبني جسورا بينهم وبين فلسطين، أم يدفعهم للوراء ألف سنة ضوئية، أليس هذا عوار وسقوط في المعادلة الفلسطينية ومشاريعها السياسية القائمة؟
لقد أثبتت شعوب الأمة العربية والإسلامية درجة عالية من الانتماء لفلسطين والحمية تجاه المجاهدين، وتعالوا عن ألم الخذلان والقروح السياسية، فيما بصق الملالي الإيرانيين على دماء الشهداء وعلى المجاهدين في فلسطين ووعدوهم بدفع فاتورة البناء باعتبارهم قد بذلوا جهدهم في تحسين الشروط الإيرانية كعمال مخلصين ستعطيهم أجرهم قبل أن تجف دماؤهم!
علينا أن نعترف أننا قد أخطأنا في فلسطين حين حالفنا المجرمين، وبنينا حلفنا على فتوى تجيز أكل لحم الخنزير للمضطرين، ثم روجنا للعالمين أن ما نأكله طعام زكي فيه نفع للقضية! ونسينا أو تناسينا أن من يأكل لحم الخنزير للضرورة لا يجوز له أن يغير اسمه أو رسمه ويسميه لحم طير وأزكى طعاما!
معركة طوفان الأقصى المشرفة دلالة على حجم الخير في الأمة، وقد كشفت هشاشة بيت العنكبوت، والعنكبوت هنا هو إسرائيل أو أمريكا وغيرها طالما كانت قائمة على الباطل ومخالفة للفطرة، فالباطل يؤذي ويدمر ويضعف نفسه قبل أن يؤذي ويضعف غيره.
لكن معركة طوفان الأقصى محطة عظيمة من محطات الأمة لا تقل ولا تزيد عن محطاتها في الفلوجة والموصل وبغداد والقاهرة والإسكندرية والجيزة والغوطة وحمص ودرعا وادلب وحلب وصنعاء وعدن وغيرها، الأمر الذي يشير ويؤكد إلى حجم الخيرية في الجهود المبذولة من شعوب الأمة، والتي يجب البناء والتعويل عليها وليس على غيرها وإن ادعى فرط حبه للأقصى!
لن تنتهي معركة طوفان الأقصى بتحريره وان كانت على طريقه، ولكنها يجب أن تحدث منعرجا في تاريخ القضية الفلسطينية، وذلك بإعلان طلاقها البائن مع مشروع إيران وفك حلفها السياسي، ثم تولي وجهها قبل الشعوب العربية والإسلامية الثائرة التي حررت فلسطين فيما مضى، وستحررها فيما هو قادم وهو وعد من الله والله لا يخلف وعده، فإن تحقق هذا وتم فك العلاقة مع إيران وملاليها ومكوناتها، ووضعت التصورات لصياغة مشروع سياسي جديد يقبل على الأمة ويتفاعل مع قضاياها ويعول وينسق معها، نكون حينها قد بدأنا مشروع التحرير القريب ونصرنا الأقصى وأحيينا الأمة باذن الله ثم بفضل الدماء الزكية والتضحيات الجلية.
إن صوابية وروعة المكون والسلوك الجهادي لا تعكس بالضرورة صوابية واستقامة القادة السياسيين، ولا تعكس بالضرورة نضج المشروع القائم حاليا في فلسطين، سواء المرهون برام الله للإسرائيليين، أم المرتهن والمعول في غزة على الملالي الإيرانيين وحلف المقاومة.
وكما وقفت الأمة بشعوبها وحركاتها وقادتها وعلمائها الأبرار مع الحالة الجهادية القتالية في غزة هاشم، فإنها يجب أن تقف مع القيادات الفلسطينية الصادقة لتصوبها وتصحح مسارها وتنهي عورها .
إن المشروع الفلسطيني الثوري التحرري فقير في تصوره وقاصر في رؤيته حين انحسر في فلسطين وقضية الأقصى، ولم يول شعوب المنطقة وقضاياها التحررية ومشاريع التغيير الواجبة فيها أهمية وفاعلية، الأمر الذي جعله في كل حالاته مستخدما ولقمة سائغة في فم الأفعى !
لقد ضربت القوى والدول والمشاريع الغربية صورة رائعة في الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فجاءت البوارج والحاملات الأمريكية تهرول نحو فلسطين المحتلة، كما انتقلت على الفور القيادات والشخصيات الرسمية وغير الرسمية من نيويورك الى تل أبيب حتى أصبحت تقود وتوجه المعركة، وباتت اسرائيل نفسها وما تملكه جندا منفذين للإرادة والرؤية الأمريكية الصهيونية .
إن من المهم أن نفكر بتحرير الأقصى عاجلا وليس آجلا، ولكن أقصر طريق هو صراط الله المستقيم، وما دونه ضلال وتيه طويل وبعيد .
لقد مضى على عذاباتنا قرابة قرن، ولم تخفف جراحه كل محاولاتنا الثورية ومعاركنا وكثرة الشهداء الصادقين المخلصين بيننا، كما أننا لم نحرر شبرا من أرضنا بل على العكس زاد التغول اليهودي في أقصانا بعد منعرج أوسلو اللعين والذي حرف تاريخيا فلسطين وأخرجها مع العرب عن مسارها !
معركة طوفان الأقصى أبدعت وصححت مفردة من ثلاث مفردات جميعها شروط للنصر :
1/ المشروع الناضج والقويم والذي لا يغرق في القطرية .
2/ القيادة الناضجة الصادقة والسوية في مواقفها وخياراتها وقبلتها الثورية .
3/ المكون والسلوك الجهادي والذي يشكل ذخيرة القضية ) .
لقد أبدعت فلسطين في الجانب والشرط القتالي، وبقي عليها أن تبدع في إنضاج وتصحيح الجانبين الآخرين كشرط لنقطف الثمرة النهائية ويتحرر الأقصى ويتحقق الوعد بإذن الله.
إن رائحة دماء الشهداء الزكية، وإن حجم أوجاع الفقد، ومرارة الخذلان، أسباب تدفعنا وستدفعنا بإذن الله لنعيد المراجعة ونصوب المسار ونخرج من تيه قائم في فلسطين، لاسيما ونحن المرشحين لنقود بجهادنا عموم المنطقة العربية والإسلامية لحقبة قادمة سنرى فيها وعد الله، فما النصر إلا من عند الله .
يقول سبحانه وتعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) سورة النور الآية 55.
ويقول سبحانه وتعالى ( والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) سورة الأنفال الآية 73.
فلسطين والأقصى والضفة وغزة الجريحة بحاجة إلى موقف مساند من عموم الأمة يقف خلفها في مواجهة الغرب الصهيوني، ويدعمها ويصحح مسارها بعد أن يحتضنها ويتجاوز عن زلاتها .
اللهم انصر أهلنا في فلسطين واحفظ يا رب المجاهدين وخلصنا من إثم وكبيرة اتفاق أوسلو اللعين، ومن خزي العلاقة بالملالي الإيرانيين، واجعل لنا إخوة من الموحدين حلفاء ومناصرين، ومكنا وإياهم من تحرير الأقصى بعد تصحيح أوضاع المسلمين .
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 17/10/2023