أحمد هلال يكتب: وقف إطلاق النار هزيمة للمقاومة أم انتصار؟!
استطاعت المقاومة الإسلامية فرض إرادتها في ميدان المواجهة وتحكمت في كل تفاصيل الحرب خصوصا وأنها لم تخسر عسكريا بتفوقها على الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب وكانت الضربة الإستباقية الموجعة والمؤلمة بداية لتغييرات ميدانية على الساحة السياسية والعسكرية.
تورط الجيش الإسرائيلي في مستنقع غزة وأصبحت محاكمة نتنياهو وشيكة كما سيتم محاكمة قادة الحرب في إسرائيل لتورطهم في قتل المستوطنين وقتل الجنود خشية تعرضهم للأسر!!.
منذ اندلاع الحرب في غزة والشارع الإسرائيلي في صدمة هائلة ومؤلمة وتحولت المظاهرات إلى حالة من الضغط النفسي الهائل على نتنياهو ومجلس الحرب بسبب ملف الأسرى المحتجزين لدي حماس!!
قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن مئات الإسرائيليين تظاهروا أمام منزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؛ للمطالبة بالإفراج الفوري عن الأسرى في غزة، مطالبين أيضاً باستقالته فوراً.
وفي محاولة منه لتهدئة الشارع الغاضب، أكد نتنياهو في مؤتمر صحفي له، بالتزامن مع الاحتجاجات، أن مفاوضات الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة تتم مع رئيس الموساد يوسي كوهين.
وعلى صعيد الحرب النفسية فإن حركة حماس تعرف كيف تمارس هذه اللعبة؛ فكلما رأت تظاهرة من هذا النوع تطلق أسيراً أو تتكلم عن الأسرى، أو تقول مثلما قالت أخيراً حول رفض الحكومة الإسرائيلية إطلاق اثنين من الأسرى (أطلق سراحهما لاحقاً)، وأيضاً عندما أرسلت صور أحد الأسرى معلنة استعدادها لإطلاق سراحه، وغير ذلك.
هذه كلها جزء من الحرب النفسية التي مارستها حماس، وهذا من حقها في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.
وتستمر “صواريخ حماس على نفس الوتيرة إلى ما قبل بدء الهدنة بساعات مما يضع (إسرائيل) في مأزق كبير جداً”، مما سيجعل حكومة نتنياهو أمام غضب واسع من قبل الإسرائيليين.
وقبل أسبوعين، نقلت صحيفة هآرتس عن بعض المصادر وكشفت أن: البيت الأبيض ومسئولي إدارة بايدن يشعرون بالقلق من عدم وجود إستراتيجية للخروج من غزة لدى إسرائيل؛ ربما تكون الهدنة طوق نجاة أو انسحاب تكتيكي من غزة يحفظ شيء من ماء وجه إسرائيل المهدور والمنهزم.
الحرب الحالية لن تنتهي بانتصار، وهذه المرة سيكون وقف إطلاق النار، كما كتبت صحيفة هآرتس: يعتقد المسئولون الأمريكيون أن نتنياهو مثل الرجل الميت الذي يمشي على قدمين فقط، وهو يخشى قبول الهدنة لأنه يشعر بالتهديد على مستقبله بعد هذه الكارثة، ويرى نتنياهو أن قبول وقف إطلاق النار سيترافق مع معارضة وزير الأمن الداخلي وقد يؤدي إلى انفصال بن جوير عن الائتلاف الحكومي وانهيار الحكومة.
وحسب ما ذكر، فإن الكيان الصهيوني كان في موقف مهزوم في الحالتين سواء استمرت الحرب أو توقفت؛ لكن، إذا كان لدى حكام هذا الكيان أي عقل متبقٍ، فإنهم يفضلون وقف سلسلة الفشل واسعة النطاق على الزيادة الهائلة في خسائر النظام والتورط بشكل أعمق في المستنقع.
بالنسبة لـ«إسرائيل»، فالأمر خيار بين السيئ والأسوأ، في غضون ذلك، إذا كانت الهزيمة في الحرب ضد غزة كارثية بالنسبة لـ«إسرائيل» -وهي كذلك بالتأكيد- فإنها ستكون أكثر كارثية بالنسبة لصاحب العمل الأمريكي،
.
قبل أيام كتب «ستيفن والت»، محرر مجلة «فورين بوليسي»، وهو يشرح بعض الحجج القوية: «الحرب في غزة هي كارثة واسعة النطاق بالنسبة لأمريكا».
عملية الحرب الحالية، سواء استمرت أو توقفت، في كلا الحالتين هي خسارة وهزيمة لـ«إسرائيل»، ولم تقترب «إسرائيل» من أي من الأهداف المعلنة للهجوم، ناهيك عن تحقيقها، ولذلك فإن وقف الحرب في مثل هذا الوضع هو اعتراف بالهزيمة، وخاصة أن استئنافها سيكون له تكلفة مضاعفة على هذا الكيان،
وإذا واصل الحرب فسوف يواجه تكثيف الاحتجاجات الدولية، وزيادة كبيرة في الخسائر العسكرية والخسائر الاقتصادية، والمزيد من الصراع على الجبهة الداخلية؛ كما تظهر الأدلة.بحسب مجلة الإيكونوميست البريطانية، «ظلت غزة لنحو عقدين من الزمن تمثّل مشكلة بلا حلّ، حتى اندلعت الحرب في صباح السابع من أكتوبر لتزيد هذه المشكلة تعقيدا».
على أنّ آخرين يرون في حرب غزة هذه طريقا وفرصة لتسوية الصراع نهائيا. ومن هؤلاء: الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي تحدّث عن “تحويل هذه المأساة إلى فرصة.
وقال غوتيريش، في مؤتمر صحفي: لكي يكون ذلك ممكنا، من الضروري بعد الحرب أن نتحرك بخطوات ثابتة على طريق حلّ الدولتين.
كان نتنياهو يخوض معركة بقاء، دون أن يلتفت إلى مصلحة “إسرائيل” بقدر ما كان يفكر بمصيره بعد هذه الحرب، : نتنياهو يعتقد أن الحرب إذا ما انتهت بغير ما يريد فمن الممكن أن يذهب إلى السجن مثلما جرى مع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت (سجن 16 شهراً لإدانته في قضايا فساد).
وافق نتنياهو مضطرا «متجرعا مرارة الهزيمة»على هدنة لوقف إطلاق النار وفي نفس الوقت معلنا عن استمرارية الحرب بعد انقضاء مدة الهدنة للقضاء على حماس وتحرير الأسرى!!،
وباللغة نفسها، تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إذ حذر مساء الثلاثاء بأن اتفاق الهدنة لا يعني نهاية الحرب في قطاع غزة، مشيرا إلى أن الجيش سيستأنف العمليات “بكامل قوته” بعد انتهاء الهدنة من أجل «القضاء» على حركة حماس و»تمهيد الظروف اللازمة لإعادة الرهائن الآخرين».
وبنفس اللهجة أيضا، عبرت حماس في بيان لها عن استعدادها لمواصلة الحرب: إننا في الوقت الذي نعلن فيه التوصل لاتفاق الهدنة، فإننا نؤكد أن أيدينا ستبقى على الزناد، وكتائبنا المظفرة ستبقى بالمرصاد للدفاع عن شعبنا ودحر الاحتلال والعدوان.
«بطبيعة الحال قطر هي الدولة الوحيدة التي تمكنت من إتمام الصفقة، إذ أنها تلعب دورا مهما في كونها القناة الوحيدة الواصلة ما بين إسرائيل وحماس، ومن هنا كان الحجيج لها من قبل الإدارة الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء».
وانحسر الدور المصري وتراجع في تلك الأزمة بسبب ضعف الإرادة السياسية المصرية والمواقف المتخاذلة منذ بداية الحرب علي عكس الموقف في العام 2012.
«الصفقة والأجواء التي دارت فيها ما زالت غامضة للجميع». فيما يبقى أكبر سؤال معلق اليوم، إن كانت هذه الهدنة ستنفخ فيها حياة جديدة بعد انتهاء عمرها المحصور في أربعة أيام، أم ستعود الحرب بأهوالها إلى غزة وسكانها بمجرد انقضائه؟.
وبكل موزاين الحرب فإن تلك الضربة الإستباقية الموجعة والمؤلمة فرضت واقعا جديدا على الأرض وانتصرت حماس عسكريا بتفوقها على الجيش الإسرائيلي وانتصرت دبلوماسيا بنجاحها في التفاوض وفرض كل شروطها عبر قطر الوسيط النزيه الذي لم يضغط على حماس لصالح الكيان المحتل.
ولم توافق حماس على هدنة إنسانية مقابل الغذاء والدواء والماء والوقود، بل هدنة شاملة بكل تفاصيلها المعلن منها والغير معلن؛ ورغم ذلك وافقت إسرائيل!!.
خسائر فادحة تطال سمعة الجيش الإسرائيلي والأمريكي وتفضح الغطاء العسكري للجيش الأمريكي قبل الجيش الإسرائيلي حيث أن جل التسليح الإسرائيلي صناعة أمريكية تم افتضاح قدراتها عبر اختراق منظومة الردع الإسرائيلية الكاذبة وحطمت أسطورة التفوق التكنولوجي الذي لن يكون عنصر أمان الدولة المزعومة ولا يمكن أن تعتمد عليه أمريكا مستقبلا في حماية قواعدها العسكرية المنتشرة في العالم.
لم تعد حلول التهدئة التقليدية تجدي لاستقرار الأوضاع في تلك المنطقة الساخنة حيث هناك احتلال إسرائيلي لأكثر من 75 عاما لابد أن توضع له نهاية حاسمة تعيد الأرض لأصحابها وترفع المعاناة والألم عن الشعب الفلسطيني وقضيته.
وللقصة بقية
أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري