مقالات

مصطفى عبد السلام يكتب: الدولار.. 4 أسعار و4 مؤشرات مربكة

إذا ما وضعنا 4 مؤشرات أمام أعيننا فإننا أمام مشكلة حقيقية تتعلّق بالوضع الحالي لسوق الصرف الأجنبي في مصر ومستقبل الجنيه مقابل الدولار في المستقبل القصير، وربما المتوسط والبعيد.

المؤشر الأول هو ما كشف عنه البنك المركزي المصري في أحدث بياناته من أن عجز صافي الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي بلغ 27.12 مليار دولار في شهر أكتوبر الماضي، بارتفاع 1.2%، على أساس شهري، وفقاً لسعر صرف الجنيه في السوق الرسمية والبالغ نحو 30.85 دولاراً.

وهذا الرقم المتعلق بالعجز يعادل ما يقرب من 840 مليار جنيه، كما أنه يزيد عن نصف إجمالي الودائع الدولارية لدى البنوك والبالغ قيمتها نحو 50 مليار دولار.

علماً بأن صافي الأصول الأجنبية بات مشكلة حقيقية للقطاع المصرفي عقب تحوله إلى قيمة سالبة بدايةً من شهر فبراير 2022، وعقب انطلاق حرب أوكرانيا، وهروب ما يزيد عن 20 مليار دولار من الأموال الساخنة في مصر.

وهذه القيمة تعني ببساطة أن الالتزامات المستحقة على البنوك بالعملات الأجنبية تتجاوز الأصول التي تمتلكها. وهذه مشكلة يجب على صانع القرار البحث عن حلول سريعة لها قبل تفاقهما.

المؤشر الثاني يتعلق بارتفاع التزامات مصر لسداد أقساط الدين الخارجي والفوائد المستحقة في العام 2024 إلى 42.3 مليار دولار وفقاً لأحدث تقارير صادرة عن البنك المركزي المصري، منها نحو 16.9 مليار دولار مستحق سدادها خلال النصف الأول من العام المقبل، وهذا المبلغ يتوزع ما بين 13.16 مليار دولار أقساط ديون ونحو 3.743 مليارات دولار فوائد.

وبحسب الأرقام أيضا فإنه من المقرر أن تسدد الحكومة نحو 3.764 مليارات دولار من أقساط وفوائد القروض الخارجية خلال شهر ديسمبر الجاري، منها 3.529 مليارات دولار أقساط دين طويلة وقصيرة الأجل ونحو 234.79 مليون دولار فوائد دين خارجي.

أما المؤشر الثالث فيتعلق بحاجة الأسواق ما بين 5 و10 مليارات دولار لتغطية أعباء الواردات الخارجية وحل أزمة البضائع المكدسة في الموانئ، وهذا المبلغ من الضروري ضخه قبل الإقدام على أي قرار جديد لتعويم قيمة الجنيه، طبقاً لشروط وإملاءات صندوق النقد الدولي.

إضافة إلى المؤشرات الثلاثة السابقة فإننا أمام مؤشر رابع لا يقل خطورة وعلى الجهات المسؤولة في الدولة البحث عن حلول واقعية وناجزة لمعالجته، ويتمثل في تراجع إيرادات مصر الدولارية من أنشطة رئيسية منها الصادرات وتحويلات المصريين العاملين في الخارج.

فحسب الأرقام الرسمية فقد تراجعت تحويلات المغتربين خلال العام المالي الماضي 2022-2023، بنسبة كبيرة تبلغ 30.8%، بحسب بيانات رسمية.

وبالأرقام، تراجعت قيمة التحويلات إلى 22.1 مليار دولار، مقابل 31.9 مليار دولار في العام المالي السابق.

كما تراجعت تلك التحويلات، بنسبة 26.1% خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي الماضي، أي في الفترة بين يوليو 2022 حتى مارس 2023. ولم يتم الكشف بعد عن أرقام الشهور الأخيرة.

وبالنسبة لأهم مصدر للنقد الأجنبي وهو الصادرات فقد تراجعت قيمتها خلال الـ8 أشهر الأولى من العام الحالي، بنسبة 19.4% لتسجل نحو 28.2 مليار دولار، مقارنة بـ34.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي. وهذا التراجع يأتي على الرغم من وعود حكومية بإحداث قفزة في صادرات البلاد الخارجية.

في ظل تلك المؤشرات وغيرها فإن قرار تعويم الجنيه المصري في المستقبل القريب يبدو صعباً إلى حد ما، أو على الأقل يواجه تحديات عدة، بخاصة في ظل وجود 4 أسعار متباينة لسعر الدولار، الأول هو السعر الرسمي في البنوك.

والثاني هو سعر السوق السوداء، والثالث سعر سوق الذهب، والرابع هو سعر شهادات الإيداع الدولية (GDR) التابعة للبنك التجاري الدولي CIB في بورصة لندن.

ربما يدرك صندوق النقد الدولي هذا المأزق الذي يمر به سوق الصرف الأجنبي في مصر، وهنا قد لا يشترط تعويماً جديداً وملحّاً وسريعاً للجنيه مقابل الإفراج عن الشريحتين الثانية والثالثة من القرض المقرر لمصر، بل وبحث زيادة قيمة القرض من 3 إلى 5 مليارات دولار.

وإن حدث ذلك فإننا نكون أمام حالة رضا ملفتة للنظر وغريبة من صندوق النقد تجاه مصر، فبعد التعنت والضغوط والإملاءات وتشويه صورة الاقتصاد المصري في كل مناسبة من قبل كبار المسؤولين وتقارير المؤسسة المالية الدولية، يعود الصندوق فجأة ليتحدث عن تسهيلات مالية غير مسبوقة لمصر، وتقديم شرائح قروض جديدة، رغم أنه لم تحدت تطورات جذرية ولافتة على المستوى الاقتصادي والمالي والنقدي، ورغم تجاوز الديون المستحقة للصندوق 20 مليار دولار.

ترى، ما السر في ذلك، وما سبب هذا التغيير الكبير؟

مصطفى عبد السلام

كاتب صحفي مصري، وخبير اقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى