الثلاثاء أكتوبر 8, 2024
بحوث ودراسات

علاء سعد حميده يكتب: كراهية الحرب!

مشاركة:

لقد حرص القرآن الكريم في أكثر من مناسبة على التأكيد على أن المؤمنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يكرهون الحرب، والقرآن الكريم وهو يحرص على إظهار هذه الحقيقة النفسية والفطرية التي كانت تعتري المؤمنين، ولو كانوا من الجيل الرباني الخالد من صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يؤكد أولا على سلامة فطرتهم وانسجامها مع الإنسانية الراقية، وينفي عنهم ثانيا شهوة الحرب والانتقام، وسفك الدماء، ويبين لنا سنن الله تعالى في إحقاق الحق عن طريق دفع الناس بعضهم ببعض رجاء ألا تفسد الأرض، فيقول تعالى واصفا حال المؤمنين عندما فُرض عليهم القتال في سبيل الله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (216)البقرة، ولقد سجل القرآن الكريم حال المؤمنين من صحابة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل غزوة بدر وهي أول غزوة يغزونها في سبيل الله فقال تعالى: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) (7)الأنفال، فلم يكن القتال في بدر عن شهوة المؤمنين وإنما عن إرادة الله، في الوقت الذى ود المؤمنون لو لم يكن قتال، ويريد الله تبارك أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين وفق السنة الربانية: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) (251)البقرة، ولعل بداية إذن الله تعالى للمؤمنين بالقتال ارتبطت بسببين، سبب موضعي مرتبط بالظلم الذي وقع على المؤمنين من منعهم من ممارسة عقيدتهم وعبادتهم، وإخراجهم من ديارهم بغير حق، وبسبب آخر كوني مرتبط بسنة الله تعالى في الأرض: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًاۗوَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(39-40)الحج.

لقد سجلت السنة النبوية كراهية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرب، لقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره: “تسمَّوا بأسماءِ الأنبياءِ وأحبُّ الأسماءِ إلى اللهِ عبدُ اللهِ وعبدُ الرحمنِ وأصدقُها حارثٌ وهمامٌ وأقبحُها حربٌ ومُرةٌ” أخرجه أبو داود، وما رواه الطبراني بسنده عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي: كنت رجلاً أحب الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن اسميه حرباً، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن، فلما ولد الحسين هممت أن أسميه حرباً، فسماه الحسين، وقال: إني سميت ابني هذين باسم ابني هارون شبر وشبير. ولقد ورد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم توجيهه: “لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا”.. هذه هي رؤية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم للحرب ولقاء العدو، وهو المخاطب بأمره تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (65) الأنفال.

وليس ثمة تناقض لأن القتال في الإسلام مفروض وفق قواعد ثلاثة محددة:

أولًا: وضع القرآن الكريم قاعدة الردع الاستراتيجي القائم على توازن القوى ودوره في حفظ السلام الإقليمي والدولي. (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (60) الأنفال. والإرهاب هنا بمعنى الإخافة الداعمة لوقف العدوان مخافة رد فعل القوة المسلمة المتكافئة. وعدم إغراء العدو القوي عسكريا بممارسة عدوانه استهانة بقوة ردع المعتدى عليه.

ثانيا: قاعدة التدافع ضمانا لعدم فساد الأرض والحفاظ على دور العبادة وهي علامات العمران البشري في الأرض.

ثالثا: كراهية الله تعالى للعدوان: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (190) البقرة.

أما القتال في الإسلام الذي حث عليه القرآن الكريم في مواضع عديدة من القرآن الكريم، فهو فعل مختلف عن القتل، فالقتال لا يكون إلا بين قوتين عسكريتين أو شبه عسكريتين، ويتطلب مواجهة وهجوم ومدافعة وفعل ورد فعل. أما القتل فهو تنفيذ حكم القتل في شخص لا يملك المقاومة. فإن ما تقوم به آلة العدوان الصهيونية على أهلنا المدنيين العزل في قطاع غزة وبعض مناطق الضفة الغربية في فلسطين هو عملية قتل وليست حربا ولا قتالا.

وبينما ورد الأمر للمؤمنين بالقتال في مواضع عدة من القرآن الكريم، فإن الأمر بالقتل لم يُذكر إلا مرتين فقط، (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين)(191)البقرة، (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً)(91)النساء، وذكر المفسرون أن لفظ القتل هنا ورد بمعنى بذل الطاقة في القتال، وهو قتال معلق على سبب .

لماذا نكره الحرب رغم مشروعية القتال بضوابطه؟

الحرب تتسبب في إهلاك الحرث والنسل وهذا فساد في الأرض، كما تعرض النفس التي كرمها المولى عز وجل للإزهاق، ولقد استقر في قانون الله (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) (32) المائدة، ولذلك فإن الإسلام شرع القتال لضرورة.

كما أن الحرب تقوض الأمن والاستقرار، والأمن مطلب من مطالب الإسلام، ونعمة يمتن بها الله عز وجل على عباده، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) (82) الأنعام، (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (4) قريش، (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (57) القصص.

وكذلك تؤدي الحرب إلى الفوضى وإلى غياب المحاسبة والمسؤولية أمام المجتمع، حيث ترتفع في أوقات الحروب، شعارات من نوعية: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة!

فالمسلم لا يتمنى لقاء العدو، ولا يحب الحرب حبا في سفك الدماء أو إزهاق الأرواح، وإنما يقاتل إن فرض عليه القتال فرضا لإحقاق الحق، ودفع الباطل والحفاظ على المقدسات والعمران، ولغاية كبرى هي إقرار الردع الإستراتيجي الذي يفرض السلم الإقليمي والدولي، أما غير المسلم فمنهم من يختار الحرب شهوة وطبعا يسفك دماء الأبرياء دون حساب، ويدمر العمران بلا اكتراث، فهؤلاء في كل عصر مثل المغول الذين لا يعترفون بقيمة الحضارة ولا العمران، ولا بقدسية النفس المعصومة بعصمة الله.

Please follow and like us:
علاء سعد حميده
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، عضو الهيئة الاستشارية للاتحاد العالمي للإبداع الفكري والأدبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *