الأمة الثقافية

المعارضات الشعرية عند أحمد شوقي

 كتبت: خديجة محمد

المعارضة الشعرية لغةً: المقابلة، مأخوذة من عارضتُ كتابي بكتابه، أي قابلته.

المعارضة اصطلاحاً: هي أن يقول شاعر قصيدة يحاكي فيها قصيدة شاعر آخر فينظم على منوالها ملتزماً الموضوع والغرض الشعري، وينسج على بحرها وقافيتها، ويعمل على أن يتفوّق على القصيدة المعارَضة.

وكان من أهم أهداف المعارضات الشعرية الوقوف في وجه حركات التغريب الأدبي التي أعلنت عداءها الصريح للتراث القديم والعودة إلى منابع البيان والشعر العربي وإحيائه ومجاراته، والتأكيد على انتماء الشعراء المعاصرين للأدب العربي الأصيل وأنهم فرع أصيل لدوحة ضاربة في القدم، وامتداد لها..

  معارضات احمد شوقي

ومن أعلام هذا الفن أمير الشعراء أحمد شوقي الذي آمن بضرورة التأصيل الذي يرافق التجديد الإبداعي في الأدب، وتبعه في ذلك عدد كبير من الشعراء المعاصرين.

معارضة سينية البحتري: وصف الشاعر العباسي البحتري إيوان كسرى في سينيته المشهورة وجاء مطلعها:

صُنْتُ نَفْسِي عَمّا يُدَنّس نفسي،

وَتَرَفّعتُ عن جَدا كلّ جِبْسِ

وَتَماسَكْتُ حَينُ زَعزَعني الدّهْـ

ـرُ التماساً منهُ لتَعسِي، وَنُكسي

بُلَغٌ منْ صُبابَةِ العَيشِ عندِي،

طَفّفَتْها الأيّامُ تَطفيفَ بَخْسِ

وَكَأنّ الزّمَانَ أصْبَحَ مَحْمُولاً

هَوَاه ُ معَ الأخَسّ الأخَسّ

عارضه شوقي في سينية: وذلك عندما وصل شوقي إلى بلاد الأندلس؛ شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، فهاجت نفسه ألماً فأنشأ يقول:

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي

اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي

وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ

صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ

عَصَفَت كالصَّبَا اللَعوبِ وَمَرَّت

سِنَةً حُلوَةً وَلَذَّةُ خَلسِ

وَسَلا مِصرَ هَل سَلا القَلبُ عَنها

أَو أَسا جُرحَهُ الزَمانَ المُؤَسّي

كُلَّما مَرَّتِ اللَيالي عَلَيهِ

رَقَّ وَالعَهدُ في اللَيالي تُقَسّي

مُستَطارٌ إِذا البَواخِرُ رَنَّت

أَوَّلَ اللَيلِ أَو عَوَت بَعدَ جَرسِ

راهِبٌ في الضُلوعِ لِلسُفنِ فَطنُ

كُلَّما ثُرنَ شاعَهُنَّ بِنَقسِ

يا اِبنَةَ اليَمِّ ما أَبوكِ بَخيلٌ

ما لَهُ مولَعاً بِمَنعٍ وَحَبسِ

أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو

حُ حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ

وقد عارض شوقي قصيدة ابن زيدون المشهورة التي يقول فيها

بِنتُم وَبِنّا فَما اِبتَلَّت جَوانِحُنا

شَوقاً إِلَيكُم وَلا جَفَّت مَآقينا

نَكادُ حينَ تُناجيكُم ضَمائِرُنا

يَقضي عَلَينا الأَسى لَولا تَأَسّينا

حالَت لِفَقدِكُمُ أَيّامُنا فَغَدَت

سوداً وَكانَت بِكُم بيضاً لَيالينا

ومن القصائد المشهورة التي عارضها شوقي للحصري القيرواني (يا ليل الصب) وهي قصيدة غنتها فيروز:

يَا ليْلُ الصَّبُّ مَتَى غَدُهُ

أقيَامُ السَّاعةِ مَوْعِدُهُ

رَقَدَ السُّمَّارُ فأَرَّقَهُ

أسَفٌ لِلْبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

فَبَكاهُ النَّجْمُ وَرَقَّ لَهُ

مِمَّا يَرْعاهُ وَيَرْصُدُهُ

كَلِفٌ بِغَزالٍ ذِي هَيَفٍ

  خَوْفُ الْواشينَ يُشَرِّدُهُ

نَصَبَتْ عَيْنايَ لَهُ شَرَكًا

في النَّوْمِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ

وقد عارضها شوقي بقصيدته التي مطلعها:

مُضْناكَ جفاهُ مَرْقَدُهُ

وبكاهُ ورحَّمَ عُوَّدُهُ

حَيْرانُ القَلْبِ مُعَذَّبُهُ  

مَقْروحُ الجَفْنِ مُسَهَّدُهُ

أَوْدَى حَرَفًا إِلَّا رَمَقًا   

يُبْقيهِ عَلَيكَ وَتُنْفِدُهُ

يَسْتَهْوي الوُرْقَ تَأَوُّهُهُ  

 وَيُذيبُ الصَخْرَ تَنَهُّدُهُ

وَيُناجي النَّجْمَ وَيُتْبَعُهُ

 وَيُقيمُ اللَيْلَ وَيُقعِدُهُ

وَيُعَلِّمُ كُلِّ مُطَوَّقَةٍ   

شَجَنًا في الدَّوْحِ تُرَدِّدُهُ

وقد كان من القصائد التي أعجب بها شوقي كثيراً وجرّب شاعريته في معارضتها القصيدة الهمزية للإمام البوصيري التي يقول في أولها:

كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ

يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ

وقد عارضها شوقي بقصيدته المعروفة التي يقول في مطلعها:

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ

وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ

وفي مطلع البُردة شهيرة البوصيري حيث يقول الإمام:

أمِنْ تذَكُّرِ جيرانٍ بذي سلمِ

مزجتَ دمعاً جرى من مقلة ٍ بدمِ

أمْ هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ كاظمة ٍ

وأوْمَضَ البَرْقُ في الظلْماءِ مِنْ إضَمِ

فما لعينيكَ إن قلتَ اكففا هَمَتا

ومَا لِقَلْبِك إنْ قُلْتَ اسْتَفِقْ يَهِمِ

أَيَحْسَبُ الصَّبُّ أنَّ الحُبَّ مُنْكتِمٌ

ما بَيْنَ مُنْسَجِم منهُ ومضطَرِمِ

لولاَ الهَوَى لَمْ تُرِقْ دَمْعاً عَلَى طَلَلٍ

ولا أرقتَ لذكرِ البانِ والعَلم ِ

فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ

بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم

وَأثْبَتَ الوجْدُ خَطَّيْ عَبْرَة ٍ وضَنًى

مِثْلَ البَهارِ عَلَى خَدَّيْكَ والعَنَمِ

نعمْ سرى طيفُ من أهوى فأرقني

والحُبُّ يَعْتَرِضُ اللَّذاتِ بالأَلَمِ

يا لائِمِي في الهَوَى العُذْرِيِّ مَعْذِرَة ً

منِّي إليكَ ولو أنصفتَ لم تلُمِ

————————

وهذا وقد وقفنا هنا على عرض المطالع ولم ندخل إلى المكنون من هذه الدرر الأدبية، على أن نقف عند بعض هذه المعارضات بالشرح والتحليل في قابل الأيام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى