تقارير

تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بين الوثائق القديمة وصمود المقاومة

 

تقرير رباب محمد

أثارت عملية طوفان الأقصى عاصفة هوجاء وهستيرية داخل الكيان الصهيوني وتم تداول أفكار وخطط بين الساسة الصهاينة ومن يحركونهم حتى برزت أفكار واقتراحات لرؤساء في المنطقة والعالم من قديم لتهجير الغزاويين، وتعددت اقتراحات جهات التهجير وتنوعت بين العريش وسيناء ودول الجوار حتى وصل الأمر بالبعض باقتراح توزيعهم بين دول العالم أو إنشاء وطن لهم في القطب الشمالي.

كثرةُ التصريحاتِ حول التهجير يعكس ما يدور في الغرف المغلقة من مباحثات بين الساسة. وقد عملت قوات الاحتلال كل ما يمكن لمحتلٍ القيام به لتنفيذ هذه الخطة ودفع الأهالي للنزوح بشكل دعا البعض لطرح تساءلات من عينة هل هذه الاقتراحات وليدة الأيام الماضية؟

وثائق سرية بريطانية قديمة

وكشف تقرير لـ “بي بي سى ” نشرته بتاريخ 31 أكتوبر، عن مخطط إسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من غزة قبل 52 عاماً، بالتحديد عام 1967 بعد احتلال الكيان الصهيوني غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ‏السورية لـ

. كان المخطط حلاً لمشكلة قطاع غزة الذي أصبح كابوساً لإسرائيل، وتحول مخيمات اللاجئين فيه لبؤرة انطلاق للمقاومة وكان  المخطط السري بحسب الوثائق يهدف إلى ترحيل آلاف من سكان قطاع غزة إلى شمال سيناء.

وكشف المصدر ذاته في تقرير نشرته بتاريخ نوفمبر 2017   عن وثائق سرية بريطانية أيضاً عن أن الرئيس المصري المخلوع “حسني مبارك” قَبِلَ توطين فلسطينيين في مصر قبل أربعة عقود.

أثناء مباحثات جرت بينه وبين “ثاتشر” رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك، يوم 6 فبراير 1983 وبحسب الوثائق فإن “مبارك” استجاب لمطلب أمريكي في هذا الشأن، لكنه اشترط كي تقبل مصر توطين الفلسطينيين في أراضيها، لابد من التوصل لاتفاق بشأن “إطار عمل لتسوية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي”.

تكرار اقتراح التهجير

واعتبر التقرير إن تكرار الحديث عن هذا التهجير مدعوماً بالحملات السياسية والإعلامية الإسرائيلية يهدف إلى إقناع الرأي العام العالمي بأنه الحل الوحيد المتبقي لاستقرار المنطقة.

وذهبت بعض وجهات النظر أن تجاهل إسرائيل التحذيرات من هجوم وشيك يوم السابع من أكتوبر إنما كان مخططا شيطانيا لتمرير “سيناريو التهجير” وأثيرت شكوك حول نوايا مبيتة لإيجاد ذريعة لإخلاء غزة من سكانها.

جذور خطط تهجير الفلسطينيين

ووفقا لتقرير الـ “بي بى سي “تعود جذور خطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الفترة التي تلت نكبة 1948. قال “ديفيد بن غوريون” أول رئيس وزراء لإسرائيل، إن “العرب يجب ألا يظلوا هنا، وسأبذل قصارى جهدي لجعل العرب في دولة عربية”.

وفقاً لتقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش”، عام 1967بعد احتلال إسرائيل قطاع غزة في شجَّعت السلطات الإسرائيلية الهجرة القسرية للفلسطينيين بإجبار المسافرين من غزة على ترك بطاقات الهوية وتوقيع وثائق تفيد بأنهم مغادرون بمحض إرادتهم وأن عودتهم مشروطة بالحصول على تصريح من السلطة العسكرية.

ونتيجة ذلك أُلغي اعتراف إسرائيل بوجود نحو 140 ألف فلسطيني، بما في ذلك 42 ألفاً من سكان غزة، بحجة تجاوزهم فترة الإقامة المسموح بها في الخارج.

خطط صهيونية لتهجير غزة

بحسب تقرير أجرته شبكة “تي أر تي “” بالعربي” كانت أول الخطط عام 1968 حيث قدمت وزارة الخارجية الإسرائيلية مشروعاً يهدف إلى تشجيع الفلسطينيين في غزة على الانتقال والعيش في الضفة الغربية، ومنها إلى الأردن ثم بلدان أخرى.

 وفي العام نفسه ناقشت لجنة في الكونجرس الأمريكي خطةً لتهجيرٍ طوعيٍّ لنقل 200 ألف فلسطيني من غزة إلى دول أخرى مثل ألمانيا الغربية والأرجنتين وباراغواي ونيوزلندا والبرازيل وأستراليا وكندا والولايات المتحدة.

وفي عام 1970، حاول “شارون” تفريغ قطاع غزة من سكانه. عن طريق منح تصاريح تنقل للدراسة والعمل في مصر وتقديم حوافز مالية لتشجيعهم على ذلك.

وكان الهدف من هذه الخطة هو إحداث تغيير في التوزيع السكاني في غزة. بالإضافة إلى سياسة “الجسور المفتوحة” للفلسطينيين مع مصر والأردن.

وفي عام 2000، قدم اللواء في الاحتياط “غيورا أيلاند”، الذي كان يرأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، مشروعاً يُعرف باسم “البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين”. نُشر هذا المشروع في مركز بيجن-السادات للدراسات الاستراتيجية.

ينص المشروع على تقديم مصر 720 كيلومتراً مربعاً من أراضي سيناء لصالح الدولة الفلسطينية المقترحة.

وفي عام 2004 قدم “يوشع بن آريه” الرئيس السابق للجامعة العبرية، مشروعاً مطوراً عن مشروع “غيورا أيلاند” السابق.

أما صفقة القرن التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترمب” عام 2020 كانت آخر المشاريع المقترحة التي تحمل نفس المحاور. كل هذه المشاريع لم تحدث أي نجاح حقيقي على الأرض.

الوضع في غزة

ضم قطاع غزة وفقاً لإحصائيات “الأونروا” أكثر من مليوني فلسطيني، ثلثهم لاجئون منذ عام 48، أي أنَّ معظم أهالي غزة هم فلسطينيون عايشوا التهجير بحد ذاتها، وتذوقوا مرارة ترك الأرض والممتلكات والمغادرة وعدم القدرة على العودة وما يرافقها من مآس معيشية، مما أدى إلى تطور الوعي والخبرة للأهالي بالأحداث ودورها في التهجير، وكوَّن ما يشبه نظام مناعي تجاهه.

كما أن الحروب المتكررة والاشتباكات قبل تحرير القطاع، شكل خبرةً فلسطينية لم تتكون عند غيرهم، هذه الخبرة رسخت مفهوم النضال في ذهنية هذا المجتمع بكليته، على مستوى الوسائل والأدوات، وعلى مستوى التوقعات والأفكار أيضاً.

يضاف إلى ذلك كله الصِّلة الاجتماعية التي تربط بين الأهالي وبين حركة المقاومة، وهي بنية غاية في التشابك، إن المقاومين الفلسطينيين المنتسبين للأجنحة العسكرية المختلفة هم أبناء هذا المجتمع، هم كتلة واحدة، الأمهات هناك يلدن الأطفال نذراً لصمود والاستشهاد، فأنّى لكل هذه المخططات من التنفيذ مع وجود الأمهات؟

وفي نهاية الأمر ستفرض المقاومة كلمتها شاء من شاء وأبى من أبى وهذا ستكون له نتائجه المتوقعة وغير المتوقعة على السياسة والاقتصاد والجغرافيا في المنطقة برمتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى