د. عبد العزيز كامل يكتب: تغيير الخطط.. في مواجهة خطط التغيير (١)
– واقع جديد تماماً يواجه الأمة الإسلامية بعامة، وخلاصتها من الإسلاميين خاصة، وخاصة خلاصتها من العلماء والدعاة على وجه أخص، واقع جديد بعد هزيمة جديدة منيت بها الأمة على أرض العراق، شاركت في صنعها أحزاب النفاق بفروعها الإقليمية، ومنظمات التمثيل العربي والإسلامي برموزها السلبية، وجماهير الشعوب العاجزة حيناً والمتعاجزة أحياناً، مع أكثر قياداتها الفكرية والعلمية والدعوية المغلوبة على أمرها حيناً، والمغلبة للسلامة أحياناً أخرى.
– واقع جديد تتضاعف فيه نذر الخطر المتصاعد من بين دخان جائحة العراق، التي لم يتداع لها سائر جسد الأمة بالسهر والحمى كما ينبغي.
– واقع جديد، وجد المسلمون فيه أنفسهم في ظل نظام عالمي جديد، بدأ يتشكل تحت قصف القنابل وهدير المدافع وأزيز الطائرات، دون أن يعلموا موقعهم فيه، ومكانهم تحت سقفه المتغير والمغيِّر.
– واقع جديد انهار فيه النظام العربي الرسمي بفعالية منظماته ومؤسساته، ومصداقية قياداته وشعاراته، ومستقبل أطروحاته ومشروعاته.
– واقع أصبحت فيه صرخات فلسطين مهددة بالضياع في صحراء التيه العربي، وغدت حسرات بغداد تتحشرج في حلقها من خيانات وجنايات (العرب الأمجاد) الذين شاركوا في العدوان عليها بحجة «تحريرها» من الطغيان، ثم خرسوا عند وقوعها تحت الاحتلال العسكري المباشر للتحالف بين الصليب وبين النجمة السداسية.
– واقع أصبح فيه التهديد والوعيد، هو لغة الحوار من العالم (الحر)، فيما بدا تجاوزاً لأساليب التفاوض والتفاهم والتعايش بين الشعوب التي كان عليها العمل في ظل (الشرعية الدولية) الراحلة إلى ذمة التاريخ بمؤسساتها وقوانينها ولوائحها.
– واقع نرى فيه ونسمع عن مرحلة جديدة من التحرش الشرس، تبدو ملامحها في تهديد سوريا، ولبنان، وتهييج تركيا، وإيران، وتوريط مصر والسودان، وتكبيل باكستان، وعزل أفغانستان، ووأد الأمل في الشيشان، وقتل الإرادة أو شل الفعالية في غيرها من البلدان.
– واقع جديد، تتعرض فيه الجزيرة العربية لخطر داهم لأول مرة في تاريخها، بما فيها من مقدسات وحرمات؛ حيث أصبح خطر اليهود والنصارى يهدد مكة والمدينة (صان الله أرضهما) بعد أن تربع ذلك الخطر على أرضَي القدس وبغداد (فك الله أسرهما).
– واقع جديد، أصبح اليهود فيه قاب قوسين أو أدنى من تنفيذ مؤامرة العصر وكل العصور وهي هدم المسجد الأقصى لبناء المعبد اليهودي مكانه، استكمالاً لمعالم (مملكة إسرائيل) أو (إسرائيل الكبرى) التي قفزوا بسرعة إلى حدها الشرقي في الفرات، ريثما يستكملون الوصول إلى حدها الغربي في بلاد النيل.
– واقع جديد، أصبحت فيه ثروات الأمة في أكثر البلدان مهددة بالخروج كلية من تحت تصرفها، لتنتقل من أيدي السفهاء الذين آتتهم الأمة أموالها التي جعلها الله لها قياماً، إلى أيدي الأعداء الذين يبغون عليها بأموالها، حرباً وسلاماً.
– واقع جديد أصبح فيه تغيير مناهج التعليم سيفاً مسلطاً على الأجيال الحاضرة والقادمة لتضييعها، بعد أن ساهمت المناهج الحالية في مسخها وتمييعها.
– واقع جديد أصبح فيه العمل الإسلامي مكشوفاً بكل حركاته ومؤسساته، وبجميع برامجه وإنجازاته ليوضع في مرمى الاستهداف اليهودي والنصراني والوثني والعلماني في جميع أنحاء العالم.
هذه كلها أخطار، أو عناوين عريضة لأخطار تكفي لأن تكتب في بعضها عشرات المقالات، وتوضع في شأنها العديد من الكتب والمؤلفات، وتعقد لأجلها الندوات والمؤتمرات؛ ولكن هذا ليس هو المقصود تفصيله، وإنما أريد هنا أن أتحدث عن أمر آخر وقضية أخرى أراها أخطر من كل تلك الأخطار؛ لأنها سبب مهم في كل تلك الأخطار.
* أم المخاطر:
وأعني بها: ذلك الشغور المخيف والفراغ المروع في موقع القيادة الجماعية لأمتنا الإسلامية في تلك الظروف المصيرية؛ حيث تواجه كل تلك التحديات والمؤامرات الممتدة منذ عقود طويلة بلا خطط للتصدي، ولا برامج للمواجهة، ولا استراتيجية بعيدة ولا متوسطة ولا قريبة المدى؛ تستطيع بها أن تدافع عن حصونها من الداخل فضلاً عن حمايتها من الخارج.
عندما أتحدث عن ذلك الشغور المخيف والفراغ المروِّع في موقع القيادة؛ فإنني لا أقصد تلك القيادات السياسية المتنافسة إقليمياً ومحلياً، أو الزعامات المتنازعة في الجماعات ظاهراً وباطناً، ولا أقصد أيضاً أصحاب المناصب العلمية، والوظائف الرسمية في المؤسسات الإسلامية.. ولكن أقصد تلك الولاية الشرعية العلمية العامة التي استرعاها الله أمانة قيادة الأمة كلها، وتَعَبَّدَ تلك الأمة بالاجتماع حولها والصدور عن رأيها وتوحيد الكلمة خلفها؛ إذا وقعت النوازل وانتشرت الفتن وكثر الاختلاف، إنها تلك القيادة التي أمر الله بالرد إليها بعد الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: [وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ] (النساء: ٨٣). إنهم كما قال المفسرون: أهل الرأي والحكمة، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «الفقهاء والعلماء الذين يُعلِّمون الناس معالم دينهم» [١].
الأمة اليوم تتخبط في مواطن الخوف، وتخوض في مواضع الخطر، ولكنها مع ذلك تسبح في الموج المتلاطم بلا رُبَّان، بل بلا سفينة! لا على المستوى السياسي العام للأمة، ولا على المستوى العلمي العام لها، بل السائد والمحصلة أننا أمة بلا قيادة موحدة منذ زمن طويل؛ فكيف يكون هذا حال أمة أمرها الله بعد طاعته وطاعة رسوله بطاعة ولاة يلون أمرها كلها؛ وذلك في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ] (النساء: ٥٩)؟!
إن ولاة الأمر المقصودين هنا كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: «هم أهل الفقه والدين» [٢] ، وكذا قال مجاهد وعطاء، والحسن البصري وأبو العالية.
كان أهل العلم والحكم في مبدأ الإسلام غير منفصلين، أو كانوا على الأقل متكاملين؛ فالعلماء يُبيِّنون، والأمراء يبنون على بيان العلماء، أما إذا ابتُلي الناس بعلماء لا يُبينون، وحكام لا يمتثلون؛ فهنا تضيع الأمة، وتقع نهباً لمكايد الشياطين، [وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً] (النساء: ٨٣).
لقد أخذ الله على العلماء عهداً أن يبينوا للناس ما يأمر به دينهم؛ وبخاصة عندما تلتبس الأمور وتتفاقم الفتن: [وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ] (آل عمران: ١٨٧)، وأخذ الله تعالى أيضاً على الحكام أن يحكموا بمقتضى الشريعة التي يبيّنها العلماء، وينتهوا عن اتباع الأهواء، فقال سبحانه: [يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ] (ص: ٢٦).
ولأجل هذين العهدين جُعلت (ولاية الأمر) شرعة من الشرائع، تحفظ بقية الشرائع بتضافر أهل العلم وأهل الحكم. قال ابن العربي: «الصحيح عندي أنهم الأمراء والعلماء جميعاً؛ أما الأمراء فلأنهم أهل الأمر، والحكم إليهم. وأما العلماء فلأن سؤالهم واجب متعين على الخلق، وجوابهم لازم، والتزام فتواهم واجب»، ثم زاد الإمام ابن العربي الأمر توضيحاً، عندما بيَّن أن ولاية الأمراء تؤول في النهاية إلى ولاية العلماء، وبخاصة إذا اختلف حال الأمراء عن حالهم في عصور قوة المسلمين من حيث الجمع بين العلم بالدنيا والفقه في الدين.
وأورد ابن العربي عن الإمام مالك قصة تدل على أنه كان يرى أن الولاية كلها رجعت إلى العلماء بضعف الأمراء، فقال: «قال مطرف وابن مسلمة: سمعنا مالكاً يقول: هم العلماء. وقال خالد بن نزار: وقفت على مالك فقلت: يا أبا عبد الله! ما ترى في قوله تعالى: [وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُم] (النساء: ٥٩)؟ قال: وكان محتبياً فحل حبوته، وكان عنده أصحاب الحديث، ففتح عينيه في وجهي، وعلمت ما أراد، وإنما عنى أهل العلم»، ثم علق ابن العربي على تلك القصة بقوله: «والأمر كله يرجع إلى العلماء؛ لأن الأمر قد أفضى إلى الجهال، وتعين عليهم سؤال العلماء، ولذلك نظر مالك إلى خالد بن نزار نظرة منكرة؛ كأنه يشير بها إلى أن الأمر قد وقف من ذلك على العلماء، وزال عن غيرهم لجهلهم واعتدائهم، والعادل منهم مفتقر إلى العالم كافتقار الجاهل» [٣].
لا أقصد هنا تفصيل القول في الراجح من هذه المسألة، ولكن أريد الإلماح إلى ما ألمح إليه الإمام مالك من تنقل الأدوار بحسب اختلاف الظروف والأطوار، بما يضمن ألا يوسد الأمر لغير أهله.
إن العلماء لن يتحولوا بداهة إلى رجال حكم وسياسة، ولكن المقصود هنا أن يؤول إليهم ضبط الحكم وتوجيه السياسة، انطلاقاً من ثوابت هذا الدين الذي تستمد منه لا من غيره شرعية أهل الحكم والسياسة.
لقد كانت أمتنا عبر عقود طويلة، في صراع دام ودائم في معظم أقطار العالم الإسلامي بين أهل السلطان وأهل القرآن، حتى حسم الطغاة في الأزمنة الأخيرة المعركة لصالح سلطان بلا قرآن، ونصبت العلمانية خيامها الثقيلة الغليظة على جُل ربوع المسلمين، تحادّ الدين في بلاده، وتحارب التوحيد في مواطنه، وتنفرد بالقيادة والريادة دون أهل العلم والعدل والعبادة، وأصبحت ديكتاتورية لُكع ابن لُكع، أو ديمقراطية الرويبضات التوافه؛ هي صاحبة الحل والعقد واليد الطولى في التخطيط المتخبط، والتصدي المرتجل المرتجف في مواجهة التحديات.
لا أريد الإطالة في مظاهر الفوضى التي عمت شؤون الأمة الإسلامية والعربية بسبب شغور موقع القيادة العامة على مستواها؛ لأن هذا أصبح أمراً معاشاً وحياة مفروضة، ومأساة نقاسيها، لا يعلم إلا الله متى ترتفع غمتها وتنزاح أيامها! إننا لو تأملنا عناصر القوة في هذه الأمة؛ لوجدناها كلها تُفَرَّغ من مضمونها بذلك الفراغ القاتل في القيادة العلمية الموحِّدة لكلمتها، والموجِّهة لسياستها، والمنظِّمة لعلاقتها، والدافِعة لقوتها في الدفاع أو الهجوم؛ بحسب الضوابط المستمدة من شريعة الله.
إن غياب القيادة القائمة بهذه الشريعة على مستوى الأمة قد أبطل أثر هذه الشريعة في الارتفاع بأمتنا إلى العزة والتمكين، فصارت الشريعة لا تحكم إلا بعض مظاهر الحياة الفردية للناس؛ تماماً كما أرادت العلمانية بزعاماتها المزعومة.
لا أريد أيضاً أن أُكثر في الكلام على أهمية اجتماع الكلمة وراء مَنْ ولاَّهم الله أمر هذه الأمة من أهل العلم والأمانة والدعوة؛ فذلك أمر بدهي عند كل مسلم غيور.
ولكني أريد أن نتجاوز مرحلة التأطير والتنظير إلى محطة ولو صغيرة من التحرك والتفعيل؛ انطلاقاً من رؤى موضوعية لا تجافي الواقع، ولا تروم المستحيل، ولكن تهدف إلى معالجة شرعية لتلك القضية التي طال حومنا حولها دون دخولنا في حلها.
* البداية البدهية:
عندما تكون النوازل عامة، والمشكلات ملمة؛ فإن المبادرات الفردية، والحلول الجزئية لا تزيد الأمر إلا تفاقماً، وهنا تبرز الحاجة إلى رأي صادر عن قيادة جماعية، أو جماعة قيادية، تستنزل البركة باجتماع الكلمة، وتستجلب الصواب بالتماس الأسباب؛ أسباب التوفيق والتسديد والمقاربة.
أوضح هذا فأقول: إن غياب الرأي الجماعي المبني في الإسلام على العلم والشورى والتجرد؛ يعد تفريطاً في فريضة بل فرائض شرعية محكمة. وحرمان أمة يبلغ تعدادها اليوم ملياراً وثلث المليار من البشر من آراء حكمائها وعلمائها وأهل النصح فيها، مع ما تواجهه من خطوب وعظائم تستهدف إذلالها أو إزالتها؛ هذا الغياب وذلك الحرمان يعد إجراماً في حق هذه الأمة، خاصة أنها ليست كأي أمة؛ إنها خير الأمم، وصاحبة خير الرسالات، والمسؤولة عن أعظم الأمانات: [وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً] (البقرة: ١٤٣)، [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ] (آل عمران: ١١٠).
فإذا آل أمر هذه الأمة إلى أن تصبح بلا قيادة، بعد أن أصبحت بلا ريادة ولا سيادة؛ فإن المسؤولين عن ذلك سيُسألون أمام الرب جل وعلا عما فرطوا فيه وأحجموا عنه.
وهنا يبرز السؤال المهم: ما الذي يمنع هذه الأمة من أن تكون لها قيادتها العالمية، ومرجعيتها الاعتبارية في مثل تلك الظروف الخطرة والأجواء الاستثنائية؛ مثلما لليهود قياداتهم العالمية (المؤتمر اليهودي العالمي)، وللنصارى زعامتهم الكونية (المجلس العالمي للكنائس) ، بل ولبقية المبتدعة من هذه الأمة مؤسساتهم القيادية ومرجعياتهم الدينية؟!
ويأتي الجواب الصعب: لا مانع؛ إلا أن لهؤلاء صفوفهم المتراصة وراء أهدافهم الموضوعة، ولنا صفوفنا الممزقة خلف خلافاتنا المصنوعة!
ثم يأتي سؤال أهم يحتاج لجواب أصعب، وهو: ما الذي يمنع صفوفنا من التراص، ومواقفنا من الاجتماع على كلمة سواء، مع أن الله تعالى تعبَّدنا مع التوحيد بالتوحُّد، ومع الصلاة والزكاة والصيام، بالاجتماع والاعتصام؟
لا جواب على ذلك إلا أن قيادتنا الاعتبارية العامة مفقودة، ومرجعيتنا العلمية الموحدة غير موجودة، أو موجودة ولكنها غير مجموعة؛ ولهذا كانت غير مسموعة.
بديهيات العقول تقول: لا سفينة بلا ربان … ولا معركة بغير قيادة، ولا نصر بلا اعتصام؛ ولا عزة مع الفُرقة ففيم الإصرار على خطأ عُرف خطره، ولِمَ الإقامة على منكر عُلِمَ إثمه؟!
لقد بلغ أمر تنفير القرآن من الفُرقة، أن جعلها من شعار الكفار، فقال الله عز وجل: [وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] (آل عمران: ١٠٥)، وجعل التنازع قرين الفشل فقال: [وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] (الأنفال: ٤٦).
إنك لو سألت أي مهتم بأمر المسلمين: هل يجوز لجماعة من جماعات المسلمين أو كيان من كياناتهم أو شعب من شعوبهم، أن يمضي بلا رأي ولا راية ولا ولاية؟ لبادرك بالقول: هذا لا يصلح في صحيح العقول؛ فكيف يصح في مقاصد النقول؟!
للأسف الشديد؛ فإن هذه حال الأمة في مرحلتها الراهنة، بعد سقوط المراهنة على الزعامات «الملهمة»، والقيادات «الحكيمة»، والزعامات «التاريخية»!
إن مما يحز في النفس أن نرى أن الأنظمة العلمانية كلها أصبحت آيلة للسقوط، أو في حكم السقوط، إلا أن البديل الإسلامي وللأسف الشديد غير جاهز، بل غير موجود!! فهل أسرفنا في الحديث عن (الصحوة) حتى صحونا على واقع يقول:
إن صحوتنا لم تبلغ بعد سن الرشد، بل سن البلوغ الذي يؤهلها لاستلام دفة المسؤولية في تلك المرحلة البالغة الخطورة؟!
أعرف أن هذا ليس وقت التأسف والأسى، وليس زمن التشكي والتباكي، ولهذا أعرِض رأياً، وأُسهِم بقول، وأُدلي بنصيحة فالدين النصيحة غير زاعم فيها سبقاً، ولا محتكر فيها صواباً.
* دعوة لأهل الدعوة:
أُثْبِتُ ابتداءً أن كثيراً من الفضلاء والعقلاء والعلماء دعوا منذ وقت طويل إلى صيغ جديدة لإنشاء قيادة علمية عالمية، تمثل مرجعية دينية وقت النوازل لعموم المسلمين، وقد بدأ بعضها متواضعاً، وتعثر بعضها متسارعاً، وسار بعضها الثالث بثبات، ولكن في طريق تتناوشه الأخطاء والأخطار.
وفي رأيي المتواضع أن هناك ثلاثة من تلك الأخطاء والأخطار تتهدد جُل تلك المشروعات الإصلاحية الطموح، تتركز حول ثلاث مفردات ضارة؛ طالما ضارت جهود المصلحين وأضلت سعي الكثيرين، وهي: الحزبية، والرسمية، والإقليمية؛ ذلك الثالوث المدمر المسؤول عن عرقلة أكثر خطط التغيير الإسلامي الصادق، وتعطيل أكثر مشاريعه البنائية والإصلاحية.
لقد طُرحت ولا تزال تطرح مشاريع لتشكيل هيئة عالمية من العلماء تتخصص في بحث نوازل الأمة، وتمسك بزمام المبادرة في التوجيه والترشيد، إن لم يكن في التخطيط والترتيب، وهي مشروعات لا نرى أنها صدرت إلا عن قلوب سليمة، وآراء ناصحة، وعقول ناضجة، ولهذا فسوف ينفع الله تعالى بها أصحابها والأمة كلها في يوم من الأيام، ولكن في الوقت نفسه؛ أرى أن هناك من العوائق والعراقيل ما يمكن أن يطيل أمد تحقيق هذا الأمل؛ فالتركيز على أن تكون هذه الهيئة، أو تلك المؤسسة أو الجمعية، في إطار معين من العلماء فقط، أو من اتجاه بعينه فقط، أو في مستوى شكلي أو رسمي أو إقليمي فقط؛ سيضعف ذلك الكيان، وسيضاعف من العقبات الموضوعة في طريقه، ويزيد من المدة الكافية لنضوجه ونهوضه للقيام بالمهام العظام الموكل بها، إن لم يعطلها كلياً عن الوصول.
أرى وبصراحة تامة أن حالة العلماء الراهنة في العالم الإسلامي؛ تحتاج إلى جهد جبار لإخراجها من حيز السلبية إلى فضاء الإيجابية، ليس لسوء ظن فيهم، ولكن فيمن يحاصرونهم ويخادعونهم ويعطلونهم عن أداء مهمتهم الربانية في قيادة الأمة منذ دهور طويلة وعلى امتداد العالم الإسلامي، لا أجدني في حاجة إلى التفصيل في هذا الأمر المعروف التفاصيل.
لهذا أقترح أن يُبدأ في إقامة هذا الواجب الكفائي العظيم بداية مرحلية تمهد للمرحلة النهائية، وتتميز عنها بسهولة الآلية، ويسر الحركة، وسرعة الإنجاز.
* رابطة الدعاة.. نواة لرابطة العلماء:
العالم الإسلامي يشكل كتلة مترامية الأطراف، متعددة المشكلات، متفاقمة الأخطار، ولكنه في الوقت نفسه ثري بالخبرات، غني بالمواهب الدنيوية والدينية، ومن المواهب الربانية لهذا العالم الإسلامي أن فيه آلافاً مؤلفة من الرجال المتميزين الصادقين الذين تعاهدوا على البذل في خدمة هذا الدين؛ دون مطمح دنيوي، أو هدف حزبي، أو غاية إقليمية أو عنصرية أو مذهبية، وهؤلاء هم جمهور المصلحين من أهل العلم والدعوة، وهؤلاء موزعون الآن بين جميع فصائل العاملين للإسلام من طائفة أهل السنة والجماعة، تلك الطائفة التي تسلمت منذ وُجدت أمانة حمل الحق وحمايته والدعوة إليه، والتي تتضاعف مسؤولياتها كلما استولى على المسلمين زمان الغربة أو دهمتهم أجواء الفتن: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» [٤].
لا أشك في أن كل اتجاه من اتجاهات العمل الإسلامي، وكل جماعة أو جمعية أو هيئة أو منظمة؛ تضم في صفوفها الكثير والكثير من العقلاء والشرفاء والأمناء الذين يقدمون الانتماء إلى الأمة على الانتماء إلى الجماعة، والولاء للمسلمين على الولاء للحزب، ويقدمون الشريعة على الشعارات، وأخوة العقيدة على خُلة الجماعات والتنظيمات.
هؤلاء الأجلاء أينما كانوا وكيفما كانوا في أنحاء بلاد المسلمين هم خلاصة الأمة، وهم عدتها وعتادها، هم معدنها وجوهرها، ليسوا كلهم علماء، ولكنهم يعرفون قدر العلم والعلماء، قد يكونون ضعفاء، ولكنهم في ميزان الحق أقوياء أعزاء، بعضهم بل أكثرهم معوزون فقراء، ولكن غنى النفس يجعلهم في مصاف الأثرياء.. فيهم الفقهاء والعباد والمجاهدون، فيهم الأطباء والمهندسون والمدرسون، فيهم علماء الذرة، ومنهم أدباء الكلمة … فيهم المهرة المنظرون والمخططون، وفيهم النشطاء المنفذون، رجالاً ونساءً، ولا عجب من تنوع وتفاضل أصنافهم؛ فأهل الجنة أصناف وأصناف، تزيد على أهل الدنيا أضعاف أضعاف:
[انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً] (الإسراء: ٢١)، هؤلاء العقلاء في كل اتجاه إسلامي هم بضاعتنا المطلوبة، وغايتنا المقصودة، الأمة في حاجة إليهم اليوم؛ لتتكون منهم على اختلاف تخصصاتهم رابطة إسلامية دعوية عامة، لا حزبية ولا إقليمية ولا رسمية؛ بل رابطة أخوية عالمية احتسابية، لا يُطلب من أفرادها أن يتركوا مواقعهم، أو يتخلوا عن أدوارهم فيما هم بصدده، ولكن المطلوب منهم أن يضيفوا إلى همومهم الدعوية الخاصة هماً عاماً يخص الأمة كلها، وانتماء عاماً لا يتعارض مع الانتماء الخاص إن وُجد وإنما يوجد له دور جديد في الرابطة العامة التي تفرضها الضرورة.
– إن تلك الرابطة ليست حزبية، ولكنها لا تنعى على الجماعات إلا التحزب الضار، أما التحزب على الحق وللحق؛ فشأن شرعي مطلوب؛ فأهل الحق حزب هو حزب الرحمن: [أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ] (المجادلة: ٢٢)، ولهذا فإن الرابطة المزمعة لا تأخذ من الحزبية إلا هذا المعنى المتجرد المشروع.
– وهي ليست رسمية، ولكنها لا تنكر أن قسماً كبيراً من الجهود الدعوية الرسمية لها أثرها ومفعولها، وهذا من عظمة هذا الدين الذي يثمر غرسه في أي أرض إذا سُقي من معين الإخلاص.
– وهي ليست إقليمية؛ لأن الإقليمية قد تكون قرينة العنصرية التي ليست من دين الله. ولكن رابطة الدعاة مع ذلك لا تنكر ما لبعض البيئات الإقليمية من خصوصيات مكانية؛ قد تفرض عليها بعض أشكال الاجتهادات والاختيارات التي قد لا تصلح لغيرها.
إن رابطة إسلامية متحررة من آثار الانتماء الحزبي الضيق، والالتزام الرسمي المتقيد، والارتباط الإقليمي المحدود، تملك قدرة عظيمة على اختراق الحواجز والسدود التي طالما أعاقت العمل الإسلامي فيما مضى من مراحل.
ومع تحرر تلك الرابطة من تلك القيود الثلاثة، إلا أنها ستضم حتماً بإذن الله أصلح العناصر الرسمية، وأعقل الموجودين في الجماعات الحزبية، وأخلص المنتمين لتجمعات إقليمية، لا لتقطعهم عن أدوارهم أو تفصلهم عن جهاتهم، لكن لتضيف إلى مهامهم الجزئية بُعداً كلياً عاماً لخدمة الأمة كلها، لا شريحة واحدة منها.
– إن (رابطة الدعاة) بهذا المعنى؛ هي التي يمكن أن تفرز رابطة حرة محتسبة من العلماء غير الحزبيين، ولا الإقليميين، ولا المحصورين في الرسميات الشكلية علماء يُشهد لهم بالعلم والعمل.
– إن (رابطة الدعاة) بهذا المعنى: هي التي يمكن أن تنشئ جيلاً من الدعاة غير المصنِّفين، أو المصنَّفين، الذين يُعَدّون دعاة من كل الأمة لكل الأمة، فيكونون بذلك أقدر على إيجاد رأي عام إسلامي فاعل؛ لاحترام الجميع لهم، وصدور الجميع عنهم.
– إن (رابطة الدعاة) بهذا المعنى: هي التي يمكن أن تمهد لوجود تيار إسلامي عام يجعل الانتماء للإسلام فوق الانتماء للافتات واليافطات والجماعات والأمكنة، وينهي بشكل طبيعي مرحلة التجمعات الجزئية التي استنفد الكثير منها الغرضَ من إنشائها.
– إن (رابطة الدعاة) بهذا المعنى: هي التي يمكن أن تخاطب بلا قيود ولا حساسيات الشريحة الأكبر من قطاع المتدينين، وهي شريحة غير المنتمين.
– إنها بهذا المعنى: يمكن أن تخرج أجيالاً من طلبة العلم الشرعي غير الموجَّه حزبياً، أو المأسور رسمياً، أو المحصور إقليمياً؛ ومن ثم فهي قادرة بإذن الله أن تخرِّج منهم علماء أكفاء، علماء ملة، لا علماء دولة، يخاطبون الناس بلسان الإسلام العام، ويخاطبون أهل الإسلام بلسان أهل السنة ويخاطبون أهل السنة بلسان الانقياد والحياد … الانقياد في الاتباع، والحياد في مسائل الاجتهاد.
– وهذه الرابطة بهذا المعنى أنسب المحاضن لتنشئة قادة غير متعصبين، ومجاهدين منضبطين، ودعاة متجردين.
– وهي بهذا المعنى ستشكل شخصية اعتبارية لقيادة الأمة، تتوزع في كل أقطارها؛ بحيث تخاطب البناء التحتي، والنخب الفوقية، بل هي قادرة في كل موطن على أن تخاطب أهل السلطان بلسان الأمة؛ لأنها تحوي جميع عناصر المسلمين في الأمة، ولأنها لن تترك مجالاً لأحد أن يصنفها تمهيداً لعزلها، أو يشوهها تمهيداً لضربها، إلا إذا أصر المغرضون على أن يصنفوها تحت وصف أهل الدين في مقابل اللادينيين اللاأخلاقيين، وهذا يزيدها مصداقية.
– وإن (رابطة للدعاة) بهذا المعنى: ستملك حرية في التحرك، ومرونة في التصور، وقدرة على النزول إلى ساحات الأمة لمعرفة نبضها، ومداواة جروحها، ووضع التصورات لحل المشكلات؛ بعد أن ينظر فيها أصحاب الشأن وأهل التخصصات.
– إنها مع كونها (رابطة للدعاة)؛ فسيظل قادتها وبركتها هم العلماء؛ فالعلماء هم خاصةُ الدعاة؛ لأن كل عالم داعية، وإن كان كل داعية ليس بالضرورة عالماً، ومع هذا؛ فتلك الرابطة كما سبق البيان مرحلة تمهيدية لإنشاء الولاية العلمية والمرجعية الدينية.
– بل إنني قد أتجاسر وأقول: إذا خلصت النيات، وتضافرت الجهود، وساد التجرد والأريحية وإنكار الذات؛ فقد نصل إلى صيغة في وقت ما تمهد لقيادة واحدة للأمة الواحدة كما أراد الله وشرع وأمر.
تخيل معي رابطة دعوية علمية فكرية علنية، تضم خلاصة أصحاب الخبرة والتجربة من الإخوانيين، وزبدة أصحاب القدرة على البحث والتأصيل من السلفيين وصفوة الحكماء العقلاء من التبليغيين والجهاديين والحركيين، والنخبة من المفكرين والإعلاميين، ومن تحتاج إليهم الدعوة من الفنيين والمهنيين والمتخصصين، والمخلصين من الرسميين، وهي مع ذلك لا تستبعد إضافات العائدين إلى الحق ممن كانوا قوميين أو ليبراليين. ولماذا لا؟! ألم يقل الله تعالى: [وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ] (المؤمنون: ٥٢)، فلنتق الله ونبذل أسباب فريضة الاعتصام بحبل الله، كما أمر الله: [وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا] (آل عمران: ١٠٣). نعم.. [جَمِيعًا]. معاً.. [جَمِيعًا].
* تساؤلات مبكرة … وإضافات منتظرة:
– أعرف أن الكثيرين سيرون هذا الطرح حالماً، وقد يُصدرون فيه قبل الإيضاح والاستيضاح حكماً متسرعاً أو ظالماً، ولكن أقول: رويدك مهلاً! دعنا نتفق أولاً على المبدأ.. فإذا اتفقنا ولا أظننا إلا متفقين على وجوب إيجاد قيادة للأمة فإن كل التفاصيل.. كل العقابيل، كل الخطوات الإجرائية، والمحطات المرحلية، كلها تُدَبَّر وكلها تهون، ويمكن أن تُخضع للحوار والنقاش أياماً وشهوراً؛ فقد صبرنا على الخلل والفراغ عقوداً ودهوراً.
إننا في مرحلة أصبح لزاماً علينا أن ننظر في تغيير الخطط لمواجهة خطط التغيير، فخطط التغيير التي تواجه الأمة اليوم، لم يعد يصلح لها كل ما صيغ منذ عقود أو ما سطر من قرون؛ فالأوضاع مغايرة، والأجواء مختلفة والتحديات بالغة الصعوبة ولا بد من بداية جديدة.
إن تغيير الخطط للأمة لا يصلح له إلا طائفة على مستوى الأمة ومن جميع الأمة.
– سيتساءل كثيرون عن الآليات والمسؤوليات، وكيفية تجاوز العقبات والحساسيات، والموازنة بين الممكنات والمستحيلات، والحقائق والتخيلات في كل ما يتعلق بذلك المقترح، وسيسارع كثيرون بإبداء مشاعر الشفقة أن تُولَد بعض الأفكار خِداجاً ناقصة، أو يجيء بعضها مختزَلاً سريعاً، أو تغلب على الآخر روح العاطفة أو الحماسة الزائدة أو الظن الحسن في غير محله!
وأقول: كل هذا وارد وقابل للأخذ والرد، ولهذا سوف تكون لنا عودة بإذن الله للكلام عن هذه الموضوعات مما يسمح به المقام، وإلى أن يحين أوان ذلك؛ سأتقبل منك رأيك، وأعدِّل قولي بقولك، وأكمل ما نقص من علمي بما كمل من خبرتك، وما زاغ عنه فهمي بما بلغته حكمتك، فلا شك أن هناك العديد من الفراغات والنقاط التي تحتاج إلى تلاقح في الأفكار وتناصح في الدين.
وفي انتظار تعقيب أو تصويب، أو تعديل وتقريب؛ من خلال بريد البيان أو على صفحاتها.
[رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً] (الكهف: ١٠).
(١) تفسير البغوي، (٢/ ٢٣٩).
(٢) تفسير ابن كثير، (١/ ٥٦٨)، طبعة الندوة العالمية.
(٣) تفسير أحكام القرآن، لابن العربي، (١/ ٤٧٢).
(٤) رواه مسلم، رقم ٥٣٤٨.