الأمة الثقافية

من روائع المتنبي

أَرَقٌ عَلى أَرَقٍ وَمِثلِيَ يَأرَقُ/

وَجَوىً يَزيدُ وَعَبرَةٌ تَتَرَقرَقُ/

جُهدُ الصَبابَةِ أَن تَكونَ كَما أَرى/

عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وَقَلبٌ يَخفِقُ/

ما لاحَ بَرقٌ أَو تَرَنَّمَ طائِرٌ/

إِلّا اِنثَنَيتُ وَلي فُؤادٌ شَيِّقُ/

جَرَّبتُ مِن نارِ الهَوى ما تَنطَفي/

نارُ الغَضى وَتَكِلُّ عَمّا تُحرِقُ/

وَعَذَلتُ أَهلَ العِشقِ حَتّى ذُقتُهُ/

فَعَجِبتُ كَيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ/

وَعَذَرتُهُم وَعَرَفتُ ذَنبِيَ أَنَّني/

عَيَّرتُهُم فَلَقيتُ فيهِ ما لَقوا/

أَبَني أَبينا نَحنُ أَهلُ مَنازِلٍ/

أَبَداً غُرابُ البَينِ فيها يَنعَقُ/

نَبكي عَلى الدُنيا وَما مِن مَعشَرٍ/

جَمَعَتهُمُ الدُنيا فَلَم يَتَفَرَّقوا/

أَينَ الأَكاسِرَةُ الجَبابِرَةُ الأُلى/

كَنَزوا الكُنوزَ فَما بَقينَ وَلا بَقوا/

مِن كُلِّ مَن ضاقَ الفَضاءُ بِجَيشِهِ/

حَتّى ثَوى فَحَواهُ لَحدٌ ضَيِّقُ/

خُرسٌ إِذا نودوا كَأَن لَم يَعلَموا/

أَنَّ الكَلامَ لَهُم حَلالٌ مُطلَقُ/

وَالمَوتُ آتٍ وَالنُفوسُ نَفائِسٌ/

وَالمُستَغِرُّ بِما لَدَيهِ الأَحمَقُ/

وَالمَرءُ يَأمُلُ وَالحَياةُ شَهِيَّةٌ/

وَالشَيبُ أَوقَرُ وَالشَبيبَةُ أَنزَقُ/

وَلَقَد بَكَيتُ عَلى الشَبابِ وَلِمَّتي/

مُسوَدَّةٌ وَلِماءِ وَجهِيَ رَونَقُ/

حَذَراً عَلَيهِ قَبلَ يَومِ فِراقِهِ/

حَتّى لَكِدتُ بِماءِ جَفنِيَ أَشرَقُ/

أَمّا بَنو أَوسِ اِبنِ مَعنِ اِبنِ الرِضا/

فَأَعَزُّ مَن تُحدى إِلَيهِ الأَينُقُ/

كَبَّرتُ حَولَ دِيارِهِم لَمّا بَدَت/

مِنها الشُموسُ وَلَيسَ فيها المَشرِقُ/

وَعَجِبتُ مِن أَرضٍ سَحابُ أَكُفِّهِم/

مِن فَوقِها وَصُخورُها لا تورِقُ/

وَتَفوحُ مِن طيبِ الثَناءِ رَوائِحٌ/

لَهُمُ بِكُلِّ مَكانَةٍ تُستَنشَقُ/

مِسكِيَّةُ النَفَحاتِ إِلّا أَنَّها/

وَحشِيَّةٌ بِسِواهُمُ لا تَعبَقُ/

أَمُريدَ مِثلِ مُحَمَّدٍ في عَصرِنا/

لا تَبلُنا بِطِلابِ ما لا يُلحَقُ/

لَم يَخلُقِ الرَحمَنُ مِثلَ مُحَمَّدٍ/

أَبَداً وَظَنّي أَنَّهُ لا يَخلُقُ/

يا ذا الَّذي يَهَبُ الجَزيلَ وَعِندَهُ/

أَنّي عَلَيهِ بِأَخذِهِ أَتَصَدَّقُ/

أَمطِر عَلَيَّ سَحابَ جودِكَ ثَرَّةً/

وَاِنظُر إِلَيَّ بِرَحمَةٍ لا أَغرَقُ/

كَذَبَ اِبنُ فاعِلَةٍ يَقولُ بِجَهلِهِ/

ماتَ الكِرامُ وَأَنتَ حَيٌّ تُرزَقُ/

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى