مقالات

د. أحمد زكريا يكتب: احتكار الصواب آفة على الطريق!

إذا كان الشرع الحنيف قد حذر تحذيرا شديدا من احتكار البعض لأقوات المسلمين، بالتحكم في أسعارها بحثا عن الربح الوفير، ولو على حساب تجويع المسلمين وإذلالهم. فقد جاء الوعيد على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «من احتكر فهو خاطئ» صحيح مسلم، هذا في شيء يمكن أن يستعاض عنه، ويوجد له حلول وبدائل، فما بالنا إذا وجد البعض، وهم يرون الصواب والحق المطلق في ركاب حركتهم، والسداد والحكمة لا تجري إلا على ألسنة قادتهم وأئمتهم، فكل رأي يخالف آرائهم سقيم شاذ، وكل رؤية تخالف رؤاهم إما عليلة منبطحة ترضى الهوان والذل، وإما متطرفة مغالية لا تعرف الواقع وستؤدي إلى نفق مظلم.

فينشأ الشباب بهذا الفكر الجامد الذي يراوح مكانه ويحول الناشئة إلى نموذج كربوني فاقد للتفكير والإبداع والابتكار، إذ الحق مع قادته والحكمة في طريقته.

وتمر الأيام وتظل المياه راكدة، فلا جديد لدى القادة ولا حلول صحيحة تحفظ الدين والوطن والعرض والمال ويصبح انسداد الأفق هو سمة المرحلة، ولو جاء الفرج من طريق آخر وطرحت الحلول من حركة أخرى، وجرى السداد على ألسنة قادة آخرين تجد القوالب الجامدة التي رضعت تسفيه الغير واتهامه بكل نقيصة جاهزة لإقامة المحرقة لمن تسول له نفسه للخروج على القادة والأئمة حتى لو كان القائد من نفس الحركة وينتمي لنفس الفكرة والهدف والغاية.

وهذا خطر داهم على الحركات والجماعات العاملة بحيث يصل المجموع في النهاية إلى مجموعة من الأقزام التي لا تستطيع شيئا ولو كانت بالملايين. وتتحول العقول إلى المحاكاة والتقليد. وتصبح مجموعة من الببغاوات والقرود لا تملك حيال قضاياها المتأزمة سبيلا.

ويظهر هذا جليا في الحركات التي لا صوت فيها يعلو على صوت القائد والزعيم فعندما يموت أو يعتزل تتحلل الحركة وتتلاشى مع الوقت، أما الحركة النابهة الواعية الدارسة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم جيدا فيوجد فيها تواصل أجيال ويكثر فيها العباقرة والأفذاذ الذين يملكون بوصلة الحل للمعضلات والمشاكل فلا ينفد معين الحركة ولا تصبح مجرد رد فعل لعدوها بل تملك الفعل ابتداء. وهذا وربي أمر ينبغي أن تربى عليه الناشئة ويؤصل في جيناتهم إذا كنا بحق طامحين في تغيير المعادلة لحساب ديننا وأوطاننا.

د. أحمد زكريا

كاتب وباحث

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى