د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: في كل واد يهيمون (4)
تكتمل في هذه المرة تلك النماذج التي أختم بها الكلام في رحاب قول الله تعالى عن الشعراء أنهم (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ).. فأقول:
أيضا نرى المتنبي في بعض شعره يهيم في وادي العُجب بأدبه والفخر بشجاعته وفروسيته؛ فيقول:
سيَعلَمُ الجمعُ ممَّن ضمَّ مَجلسُنا
بأنَّني خيرُ مَن تسعى بهِ قَدَمُ
أنا الذي نظَر الأعمى إلى أدبي
وأسْمعَت كلماتي مَن بهِ صَمَمُ
الخيلُ والليلُ والبيداءُ تَعْرِفُني
والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقَلمُ
صَحِبتُ في الفلواتِ الوحشَ مُنفرِداً
حتى تعجَّبَ مني القُورُ والأكَمُ
وأما أبو العلاء المعرّي فيهيم في بعض أبياته في وادي إعجابه بتفوّقه العقلي وجرأته الأدبية؛ فيقول:
وإني وإن كنتُ الأخيرَ زمانُهُ
لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائلُ
وأغدو ولو أنّ الصّباحَ صوارِمٌ
وأسْرِي ولو أنّ الظّلامَ جَحافلُ
وإني جَوادٌ لم يُحَلّ لِجامُهُ
ونِضْوٌ يَمانٍ أغْفَلتْهُ الصّياقلُ
وإنْ كان في لُبسِ الفتى شرَفٌ له
فما السّيفُ إلاّ غِمْدُه والحمائلُ
ولي مَنطقٌ لم يرْضَ لي كُنْهَ مَنزلي
على أنّني بين السّماكينِ نازِلُ
يُنافسُ يوْمي فيّ أمسي تَشرّفاً
وتَحسدُ أسْحاري عليّ الأصائلُ
وأما امرؤ القيس فيهيم ببعض شعره في وادي فخره بفروسيته وبقبيلته؛ فيقول:
وَأَنا الَّذي عَرَفَت مَعَدٌ فَضلَهُ
وَنُشِدتُ عَن حُجرِ اِبنِ أُمِّ قَطامِ
وَأُنازِلُ البَطَلَ الكَريهَ نِزالُهُ
وَإِذا أُناضِلُ لا تَطيشُ سِهامي
خالي اِبنُ كَبشَةَ قَد عَلِمتَ مَكانَهُ
وَأَبو يَزيدَ وَرَهطُهُ أَعمامي
وَإِذا أُذيتَ بِبَلدَةٍ وَدَّعتَه
وَلا أُقيمُ بِغَيرِ دارِ مُقامِ
فهذه سبعة نماذج بينت بها بعض أودية الشعراء التي فيها يهيمون، وعليها فقس، ولا يعني ذلك أن شعرهم خلوٌ من الحكمة والخير، ولكن فيه ما أردت أن أدلل به في رحاب قول الحق تبارك وتعالى عن الشعراء أنهم (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ).
وإن كان في العمر بقية نتبع ذلك بسلسلة نذكر فيها نماذج من شعر شعراء نحسبهم ممن استثناهم الله سبحانه وتعالى في قوله تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظُلِموا)..