قصيدة رثاء الأندلس للشاعر أبو البقاء الرندي
رثاء الأندلس قصيدة ألفها الشاعر أبو البقاء صالحُ بن شريفٍ الرنديُّ سنة 1267 ميلادي، ويقول في مطلعها: لكل شيء إذا ما تم نقصان.
تعد قصيدة رثاء الأندلس من أبرز نماذج الشعر الأندلسي والأدب الأندلسي بشكل عام.
كلمات قصيدة رثاء الأندلس
لِكُلِّ شَيْءٍ إِذَا مَا تَمَّ نُقْصَانُ * فَلَا يُغَرَّ بِطِيبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
هِيَ الأُمُورُ كَمَا شَاهَدْتَهَا دُوَلٌ * مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءَتْهُ أَزْمَانُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لَا تُبْقِي عَلَى أَحَدٍ * وَلَا يَدُومُ عَلَى حَالٍ لَهَا شَانُ
أَيْنَ المُلُوكُ ذَوُو التِّيجَانِ مِنْ يَمَنٍ * وَأَيْنَ مِنْهُمْ أَكَالِيلٌ وَتِيجَانُ
وَأَيْنَ مَا شَادَهُ شَدَّادُ فِي إِرَمٍ * وَأَيْنَ مَا سَاسَهُ فِي الفُرْسِ سَاسَانُ
وَأَيْنَ مَا حَازَهُ قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ * وَأَيْنَ عَادٌ وَشَدَّادٌ وَقَحْطَانُ
أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمْرٌ لَا مَرَدَّ لَهُ * حَتَّى قَضَوْا فَكَأَنَّ القَوْمَ مَا كَانُوا
وَصَارَ مَا كَانَ مِنْ مُلْكٍ وَمِنْ مَلِكٍ * كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطَّيْفِ وَسْنَانُ
كَأَنَّمَا الصَّعْبُ لَمْ يَسْهُلْ لَهُ سَبَبٌ * يَوْمًا وَلَا مَلَكَ الدُّنْيَا سُلَيْمَانُ
فَجَائِعُ الدَّهْرِ أَنْوَاعٌ مُنَوَّعَةٌ * وَلِلزَّمَانِ مَسَرَّاتٌ وَأَحْزَانُ
وَلِلْحَوَادِثِ سُلْوَانٌ يُسَهِّلُهَا * وَمَا لِمَا حَلَّ بِالإِسْلَامِ سُلْوَانُ
دَهَى الجَزِيرَةَ أَمْرٌ لَا عَزَاءَ لَهُ * هَوَى لَهُ أُحُدٌ وَانْهَدَّ ثَهْلَانُ
أَصَابَهَا العَيْنُ فِي الإِسْلَامِ فَارْتَزَأَتْ * حَتَّى خَلَتْ مِنْهُ أَقْطَارٌ وَبُلْدَانُ
فَاسْأَلْ بَلَنْسِيَةً مَا شَأْنُ مَرْسِيَةٍ* وَأَيْنَ شَاطِبَةٌ أَمْ أَيْنَ جَيَّانُ
وَأَيْنَ قُرْطُبَةٌ دَارُ العُلُومِ فَكَمْ * مِنْ عَالِمٍ قَدْ سَمَا فِيهَا لَهُ شَانُ
وَأَيْنُ حِمْصُ وَمَا تَحْوِيهِ مِنْ نُزَهٍ * وَنَهْرُهَا العَذْبُ فَيَّاضٌ وَمَلْآنُ
قَوَاعِدٌ كُنَّ أَرْكَانَ البِلَادِ فَمَا * عَسَى البَقَاءُ إِذَا لَمْ تَبْقَ أَرْكَانُ
تَبْكِي الحَنِيفِيَّةُ البَيْضَاءُ مِنْ أَسَفٍ * كَمَا بَكَى لِفِرَاقِ الإِلْفِ هَيْمَانُ
عَلَى دِيَارٍ مِنَ الإِسْلَامِ خَالِيَةٍ * قَدْ أَقْفَرَتْ وَلَهَا بِالكُفْرِ عُمْرَانُ
حَيْثُ المَسَاجِدُ قَدْ صَارَتْ كَنَائِسَ مَا * فِيهِنَّ إِلَّا نَوَاقِيسٌ وَصُلْبَانُ
حَتَّى المَحَارِيبُ تَبْكِي وَهْيَ جَامِدَةٌ * حَتَّى المَنَابِرُ تَرْثِي وَهْيَ عِيدَانُ
يَا غَافِلًا وَلَهُ فِي الدَّهْرِ مَوْعِظَةٌ * إِنْ كُنْتَ فِي سِنَةٍ فَالدَّهْرُ يَقْظَانُ
وَمَاشِيًا مَرِحًا يُلْهِيهِ مَوْطِنُهُ * أَبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُّ المَرْءُ أَوْطَانُ
تِلْكَ المُصِيبَةُ أَنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا * وَمَا لَهَا مِنْ طِوَالِ الدَّهْرِ نِسْيَانُ
يَا رَاكِبِينَ عِتَاقَ الخَيْلِ ضَامِرَةً * كَأَنَّهَا فِي مَجَالِ السَّبْقِ عِقْبَانُ
وَحَامِلِينَ سُيُوفَ الهِنْدِ مُرْهَفَةً * كَأَنَّهَا فِي ظَلَامِ النَّقْعِ نِيرَانُ
وَرَاتِعِينَ وَرَاءَ البَحْرِ فِي دَعَةٍ * لَهُمْ بِأَوْطَانِهِمْ عِزٌّ وَسُلْطَانُ
أَعِنْدَكُمْ نَبَأٌ مِنْ أَهْلِ أَنْدَلُسٍ * فَقَدْ سَرَى بِحَدِيثِ القَوْمِ رُكْبَانُ
كَمْ يَسْتَغِيثُ بِنَا المُسْتَضْعَفُونَ وَهُمْ * قَتْلَى وَأَسْرَى فَمَا يَهْتَزَّ إِنْسَانُ
بِالأَمْسِ كَانُوا مُلُوكًا فِي مَنَازِلِهِمْ * وَاليَوْمَ هُمْ فِي بِلَادِ الكُفْرِ عُبْدَان
فَلَوْ تَرَاهُمْ حَيَارَى لَا دَلِيلَ لَهُمْ * عَلَيْهِمْ مِنْ ثِيَابِ الذُّلِّ أَلْوَانُ
وَلَوْ رَأَيْتَ بُكَاهُمْ عِنْدَ بَيْعِهِمُ * لَهَالَكَ الأَمْرُ وَاسْتَهْوَتْكَ أَحْزَانُ
يَا رُبَّ أُمٍّ وَطِفْلٍ حِيلَ بَيْنَهُمَا * كَمَا تُفَرَّقُ أَرْوَاحٌ وَأَبْدَانُ
وَطَفْلَةٍ مِثْلِ حُسْنِ الشَّمْسِ إِذْ بَرَزَتْ * كَأَنَّمَا هِيَ يَاقُوتٌ وَمَرْجَانُ
يَقُودُهَا العِلْجُ لِلْمَكْرُوهِ مُكْرَهَةً * وَالعَيْنُ بَاكِيَةٌ وَالقَلْبُ حَيْرَانُ
لِمِثْلِ هَذَا يَمُوتُ القَلْبُ مِنْ كَمَدٍ * إِنْ كَانَ فِي القَلْبِ إِسْلَامٌ وَإِيمَانُ
المصدر: [«بهجة المجالس» لأبي عبد الله الأثري (٣٢)]