محمد إلهامي يكتب: الغرب ينتظر إبادتنا.. ليندب وينوح علينا!
في التسعينات، استضاف عبد الوهاب المسيري الرئيس المجاهد علي عزت بيجوفيتش، وأقام له ندوة بنقابة الصحفيين في القاهرة، وفيها تكلم بيجوفيتش، وقال هذه الكلمة العبقرية:
كان الغرب ينتظر إبادة البوسنة، وكان مستعدا لإقامة سرادق يكثر فيه من الندب والنواح!
هذه العبارة هي حقا كنز معرفي وخلاصة خبرة عميقة وطويلة بالغرب وطريقته وفلسفته السياسية والإعلامية، وهي بالفعل تختصر اختصارا بديعا منهج الغرب في التعامل مع الأحداث.
الغربي يحقق هدفه بكل توحش ممكن، وبخسة أخلاق فظيعة، ودون أي شعور بالذنب.. فإذا تحقق الهدف، يمكن فيما بعد للمؤرخين أن يتحدثوا عن المذابح البشعة التي قام بها أسلافهم، يمكن للصحافة الغربية أن تخرج لك بتقارير رائعة ومهنية وصادقة عن أعداد الضحايا التي أهلكتها سياستهم، يمكن للقنوات أن تنهمر عليك بسيل من الأفلام الوثائقية الرصينة وأن تستضيف الناجين من المذبحة، وتبكي معهم، وتظللهم بأرقى مقطوعات الموسيقى التصويرية.
هذه إسرائيل مثلا.. جريمة غربية وبريطانية متكاملة.. انظر الآن إلى كتب المذكرات والمؤرخين وإلى أرشيف البي بي سي والجارديان… إلخ! ستجمع منها معلومات عن النكبة وعن الدور البريطاني في تشريد فلسطين قد لا تجدها في مصادر عربية!
لقد نفذت النكبة بنجاح.. تعالوا نقيم السرادق لننوح ونندب معًا.
بينما نفس هذه البي بي سي ونفس هذه الجارديان الآن.. الآن.. الآن في لحظة إبادة غزة ستظهر لك وجها آخر.. بالأمس فصلت مراسلة للبي بي سي وضعت إعجابا على تغريدتين فيهما رائحة التعاطف مع غزة!!
وهكذا..
أخبار لا نهاية لها عن اغتصاب لإسرائيليات في يوم 7 أكتوبر، عن قطع رؤوس الأطفال، عن إحراق أمهات مع أطفالهن.. نعم، كل هذا قد نشر في وسائل الإعلام التي علمت الدنيا معنى المهنية والموضوعية والرصانة ومعايير التحقق والتدقيق.. كل هذا تبخر!
القنوات العالمية تجاهلت نقل جلسة الادعاء في محكمة العدل الدولية حيث يتكلم ممثلو جنوب إفريقيا عن الجرائم الإسرائيلية.. في اليوم التالي كلهم انتبهوا فجأة ليذيعوا جلسة الدفاع التي يتولى فيها الوفد الإسرائيلي الدفاع عن إسرائيل!!
ولو أني أقسم على الغيب لأقسمت بالله، أن لو مرت حرب غزة هذه وانتهت كما يريدون لرأيت نفس هذه الصحف والقنوات قد خرجت علينا بتقارير مكتوبة ومصورة وأفلام وثائقية رائعة عن جرائم إسرائيل في غزة.
وهذه السياسة، سياسة النوح والندب في سرادق العزاء، بعد ذبح الميت وقتله.. هي التي تغر المغفلين السذج الجهلة الذين يعجبون بالغرب ويحسبونه محطّ قيم حضارية وحرية رأي، ويظنون أنه يحاسب نفسه ويراجع تاريخه ويصحح مساره!!
لله در بيجوفيتش.. والله إنها كلمة في قلب الحقيقة!