كان «نسيم قرشي» (47 عاما) يسير بالقرب من أحد المساجد في مدينة «تشابرا» بولاية «بيهار» في الهند بصحبة ابن شقيقه وإذ بمجموعة من الهندوس المتعصبين يهاجمونهما ويعتدون عليهما بالعصي ويبرحونهما ضربًا حتى فارق «نسيم قرشي» الحياة تأثرًا بهذا الاعتداء بينما نجا ابن شقيقه «فيروز» لإنه تمكن من الهرب من موقع الجريمة، ومن ثم ذهب إلى قسم الشرطة للشكوى، فعاملته الشرطة بأسلوب سيئ، وقال له أحد الضباط إن مرتكبي الواقعة ليسوا مسئولين عن وفاة عمه، وإن «فيروز» و«نسيم» يستحقان ما جرى لهما.
وتاليًا قال رئيس شرطة المدينة لصحيفة «إنديا تايمز»، إن «فيروز» و«نسيم» كانا يحملان لحومًا غير قانونية، عندما اعترضهما عدد من سكان المنطقة، ومن المتعارف عليه أن تعبير “لحوم غير قانونية” يقصد به لحم البقر بسبب تقديس الهندوس للبقرة وعبادتهم لها وسعيهم لتحريمها على المسلمين بغير وجه حق عبر ممارسة العنف والإرهاب ضد المسلمين.
واستنكر الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي الجريمة واعتبروها مثالا على «تصاعد جرائم اليمين الهندوسي في البلاد».
وقال عضو البرلمان ورئيس حزب اتحاد المسلمين أسد الدين عويسي: «جرائم اليمين الهندوسي تتزايد».
كما وصفت الصحفية البارزة رنا أيوب الحادثة بأنها «دليل على الواقع الذي يعيشه المسلمون الهنود في عهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي».
وهذا الصعود لإرهاب المتطرفين الهندوس ضد المسلمين في الهند لا شك يرتبط بحكومة رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» زعيم حزب بهاراتيا جاناتا التي يتهمها الكثيرون في داخل الهند وخارجها بأنها تشجع الإرهاب والتطرف الهندوسي ضد المسلمين في الهند، فما هو حزب بهاراتيا جاناتا وماهي أهدافه وسياساته وأساليبه فيما يتعلق بمسلمي الهند الذين يبلغ عددهم نحو 200 مليون مسلم ومسلمة أي نحو 15% من عدد مواطني الهند؟؟
تولى حزب بهاراتيا جاناتا الحكم في الهند إثر تحقيقه فوزاً ساحقاً في الانتخابات الهندية عام 2014، لكن جذور تاريخه في الحياة السياسية الهندية يرجع إلى عام 1951 عندما تأسس حزب باراتيا جانا سانغ، والذي اندمج تاليا مع عدة أحزاب أخرى ليشكلوا حزب جاناتا عام 1977 والذي فاز بأغلبية في انتخابات عام 1977 وشكّل الحكومة، لكن سرعان ما تفكك عام 1980 ليتشكل على أنقاضه حزب بهاراتيا جاناتا في نفس العام لكنه لم يفز سوى بمقعدين فقط في البرلمان الهندي بالانتخابات العامة عام 1984.
ثم أصبح حزب بهاراتيا جاناتا أكبر حزب في البرلمان في عام 1996 لكنه لم يحز الأغلبية، وبعد الانتخابات العامة عام 1998 فإن ائتلاف «التحالف الوطني الديمقراطي» الذي تزعمه حزب بهاراتيا جاناتا شكل حكومة الهند واستمرت لعام واحد، ثم نتج عن انتخابات جديدة تشكيل حكومة «التحالف الوطني الديمقراطي» مرة أخرى واستمرت لولاية كاملة، لكن في انتخابات عام 2004، تكبد «التحالف الوطني الديمقراطي» هزيمة انتخابية ومع هذا ظل حزب بهاراتيا جاناتا حزب المعارضة الرئيسي في السنوات العشر التالية.
ليأتي بعد ذلك للحكم بفوزه المشهور في انتخابات 2014، ثم فوزه مرة أخرى في انتخابات 2019.
ويرتكز حزب بهاراتيا جاناتا في أيديولوجيته على «عقيدة الهيندوتفا» ويروج لها وهي عقيدة تعبر عن القومية الهندوسية الراديكالية، وبحسب «عقيدة هيندوتفا» فإن المسلمين هم العدو الرئيس للهندوس وهم غزاة دخلاء على الهند لطالموا ظلموا الهندوس عبر التاريخ، وترتكز «هيندوتفا» على سردية مزيفة للتاريخ تزعم أن الهندوسية تعبر عن هوية الهند وتاريخها الوحيد، وكان هذا الفكر القومي الهندوسي اليميني المتطرف بدأ بالتشكل في عشرينيات القرن العشرين على يد الكاتب والسياسي «فيناياك دامودار سافاركار» حيث وضع التنظيرات الأولى لعقيدة الهيندوتفا.
وتنفي الدراسات الموضوعية لتاريخ الهند هذه السردية الهندوسية المتطرفة لأن الهندوسية تاريخيا كانت منحصرة جغرافيا في بقعة محدودة في الشمال الغربي للهند أو ما يعرف حاليا بأفغانستان وباكستان قبل أن تنتشر في حقب تاريخية تالية في بقية الجغرافيا الهندية، كما أن الهندوسية يبلغ مداها الزمني أقل بكثير من المدى الزمني لتاريخ الهند، وبجانب هذا كله فلا يمكن إغفال التأثير العميق للـ1300 عاما من الإسلام في الثقافة والمجتمع الهندي حتى اليوم بل إن من أبلغ الأدلة على عمق التأثير الإسلامي هو أنه حاليا حين يهتف المتطرفون القوميون الهندوس Jai Hind أو “النصر للهند”، فهم يستخدمون كلمة “هند” ذات الجذر الفارسي – العربي.
وقبل الصعود السياسي لحزب بهاراتيا جاناتا كانت «عقيدة الهيندوتفا» تعتبر وجهة نظر راديكالية هامشية، لا يفكر أي هندي محترم أن يتبناها كما لم تكن منتشرة بين الجمهور الهندوسي نفسه ولكن نجاح حزب بهاراتيا جاناتا في نشر هذه العقيدة بين قطاعات اجتماعية هندوسية واسعة وإلهاب حماسهم ضد الإسلام والمسلمين الهنود قد غير الواقع الاجتماعي والسياسي في الهند في الـ30 عاما الأخيرة.
ومن الملاحظ أن الصعود السياسي لحزب بهاراتيا جاناتا اعتمد على التحركات الشعبوية الهندوسية المتطرفة سواء على مستوى الخطاب أو على مستوى تحريك وتعزيز أعمال العنف الطائفية ضد المسلمين.
فعلى مستوى الخطاب نجد تركيز خطاب الحزب على تعرض الهندوس للتهميش والاستبعاد من دوائر صنع القرار بالحكومة الهندية على مدار عقود من سيطرة حزب المؤتمر الوطني الهندي، واتهامه بأنه يعمل على مهادنة واسترضاء المسلمين على حساب المعتقدات الدينية الهندوسية، والربط بين التصويت لصالح حزب بهاراتيا جاناتا وحماية العقيدة الهندوسية.
ويأتي ضمن الخطاب الهندوسي المتعصب خطاب ومواقف الحزب في السياسة الخارجية تجاه باكستان وقضية كشمير حيث ترفع عقيرة التصريحات والمواقف المتشددة ضد المسلمين –باكستان وكشمير- في إطار دغدغة مشاعر اليمين القومي الهندوسي المتعصب ورغبته في ايقاع الأذى وممارسة التنمر على المسلمين.
وعلى مستوى أحداث العنف الطائفي نجد أن هناك العديد من هذه الأحداث التي حركها واستغلها حزب بهاراتيا جاناتا ورفعت شعبيته بين الأغلبية الهندوسية بدرجة كبيرة جدا ونرصد أبرزها كالتالي:
الهجوم على مسجد بابري عام 1992 في مدينة أيوديا شمال البلاد وهدمه وأعمال العنف المتتابعة التي سبقت ذلك منذ 1989.
حادث حريق القطار في ولاية كجرات عام 2002، وأدى إلى مقتل عشرات الحجاج الهندوس، وألقي اللوم على المسلمين في الحادثة، ما أدى إلى أعمال عنف وقتل طالت مواطنين مسلمين وتدمير ممتلكاتهم ومساجدهم.
تشكيل بعض الهندوس فرق مراقبة، تتعقب تجار الماشية المسلمين، وتعترضهم وصولاً إلى قتل بعضهم رفضاً لذبح الأبقار لأنها مقدسة عند الهندوس.
وفي عام 2019 نظم المسلمون احتجاجات شعبية واسعة ردًا على إقرار البرلمان الهندي تعديلات على قانون المواطنة الصادر عام 1955، ولكن الحكومة الهندوسية وانصارها تصدوا بعنف لهذه الاحتجاجات مما أدى لسقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح من المسلمين فضلا عن اعتقال المئات.
وجاءت الاحتجاجات الإسلامية هذه بسبب أن هذه التعديلات كفلت للمهاجرين الهاربين من الاضطهاد الديني في باكستان وبنغلادش وأفغانستان، حقّ الحصول على الجنسية الهندية، إن كانوا من أتباع الديانات السيخية والهندوسية والبوذية والمسيحية والجاينيّة والزراداشتية، ولكنه استثنى المهاجرين المسلمين.
واتفق الحقوقيون على أن هذه التعديلات هي تكريس قانوني لمناخ كراهية عام، تعزّزه خطابات قادة الحزب اليميني الحاكم تجاه الأقلية المسلمة.
وبجانب الأحداث الطائفية المختلفة وفي نفس إطار تأجيج المشاعر القومية الهندوسية المتطرفة أيضا تأتي عملية تغذية اتجاه شبابي في الموسيقى والغناء وهو تيار موسيقي متنام على يوتيوب وغيره من منصات التواصل الاجتماعي، ومن خلاله ينفث أنصار اليمين الهندوسي سمومهم ضد المسلمين.
وكلمات هذه الأغاني إما مسيئة للمسلمين أو تحتوي على التهديد والوعيد ضدهم وتستند إلى فكرة أن الهندوس رزحوا لقرون تحت وطأة حكم المسلمين، والآن حان الوقت لكي يدفعوا الثمن، وعادة ما تستخدم هذه الأغاني لحشد شباب الهندوس للقيام بأعمال العنف الطائفي ضد المسلمين أو ضد المساجد والممتلكات الاسلامية أو للتعبئة السياسية لصالح حزب بهاراتيا جاناتا.
وبشكل عام فمن الملاحظ أنه كلما شعر حزب بهاراتيا جاناتا بخطر سياسي يهدد التأييد الشعبي الذي يتمتع به بين الجماهير الهندوسية فإنه يلجأ إلى حيلة إلهاب تعصب الجماهير الهندوسية ضد الإسلام والمسلمين، مثلما حدث في إجراءات منع المسلمات من الحجاب أو هدم بيوت المسلمين في العديد من الولايات أو سحب الجنسية من آلاف المسلمين في ولايات أخرى..إلخ.
وقد عزز حزب بهاراتيا جاناتا قاعدته الاجتماعية عبر دعمه لتأسيس أكثر من 45 ألف فرع لمنظمة «راشتريا سوايامسيفيك سانج» اليمينية الهندوسية المتطرفة التي تملك تشكيلات شبه عسكرية، مما عزز انتشارها في مختلف الولايات الهندية ومن ثم تقوم بحشد أصوات الهندوس لصالح حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات التشريعية.
كل هذه الممارسات الطائفية والتعصب الهندوسي جعل العديد من المنظمات الحقوقية الدولية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية تدعو للتحذير من أن الهجمات العنيفة تتصاعد ضد المسلمين في الهند واتهمت حزب بهاراتيا جاناتا ورئيس الوزراء ناريندرا مودي بتجاهلها وفي بعض الأحيان تمكين خطاب الكراهية ضد المسلمين.
وصنّف تقرير صدر عن لجنة خبراء دوليين مستقلة في يوليو 2022 المسلمين كـ”أقلية مضطهدة” في الهند، بعد مراجعة سلسلة انتهاكات لحقوق الإنسان، وتشمل الانتهاكات اعتماد السلطات لقوانين وسياسات “تستهدف المسلمين أو تنعكس عليهم بشكل سلبي أكثر من غيرهم”، يضاف إلى ذلك فشل الدولة في الهند في حماية المسلمين من هجمات تستهدفهم، يصل بعضها حدّ القتل والتعذيب.
أما في مجال السياسة الدولية فلاشك أن ناريندرا مودي زعيم حزب بهاراتيا جاناتا –رئيس وزراء الهند الحالي- يستغل التحولات الراهنة في النظام الدولي وما يشهده العالم من استقطاب دولي حاد وسعي القوى الكبرى لإعادة صياغة التحالفات الدولية، حيث يريد التحالف الأوروبوأمريكي استمالة الهند لصفه إزاء اصطفاف روسيا والصين ضد التحالف الغربي، بعد أن نجح ذلك التحالف الغربي في توثيق معاهداته الأمنية والعسكرية والسياسية مع العديد من قوى الشرق الكبرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية واندونيسيا فضلا عن استراليا وذلك تتويجا للتحالف الاقتصادي القديم مع هذه القوى.
وفي ذات الوقت ترغب روسيا في استثمار العلاقات التاريخية الطويلة مع الهند الممتدة منذ الاتحاد السوفيتي السابق بهدف تحويلها إلى تحالف استراتيجي يدعم اصطفاف دولي تأمله روسيا ضد الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي منذ 1990 وحتى الأمس القريب.
ولا شك أن ناريندرا مودي يستغل الغزل الروسي للهند من جهة والغزل الغربي من جهة أخرى لتدعيم قدرة الهند الشاملة وصعودها في النظام الدولي الجديد بما سينعكس بلا شك بدرجة ما على استمرار قوة ناريندرا مودي السياسية وحزبه «بهاراتيا جاناتا» في الداخل الهندي.
ومن المتوقع أن الصعود الاقتصادي الهندي في المرحلة القادمة سوف تتعزز فرصه لأن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون إلى جعل الهند مصنع العالم كبديل عن الصين وذلك بهدف إبطاء الصعود الصيني كقطب دولي وبالتالي فإن تريليونات الدولارات من الاستثمارات الدولية سوف تتجه بدرجة ما إلى الهند في الفترة القادمة و كانت هذه الاستثمارات الأمريكية والأوروبية واليابانية قد انتقلت للاستثمار في الصين بصفتها مصنع العالم في العقود الثلاثة السابقة بناء على التوجه الأمريكي والغربي حينئذ، ولكن هذا التوجه بدأ يتغير الآن خوفا من عواقب صعود التنين الصيني وبدأ يتجه إلى الفيل الهندي.