مصطفى عبد السلام يكتب: بترول إيران وبايدن الحائر القلق
الرئيس الأمريكي جو بايدن بات في حيرة شديدة تجاه كيفية التعامل مع الضغوط المتعلقة بالرد السريع على هجمات إيران الأخيرة على إسرائيل.
فإما أن يستجيب للضغوط الشديدة عليه بفرض عقوبات سريعة وشاملة على النفط والغاز الإيرانيين، وربما على قطاع الطاقة والاقتصاد بأكمله، وتوسيع دائرة العقوبات الغربية بالتعاون مع حلفاء واشنطن، وهذه لها تكلفة اقتصادية وسياسية كبيرة، وإما أن يتجاهل تلك الضغوط، وبالتالي يتعرض لمخاطر شديدة أيضا ربما تهدد مستقبله السياسي.
بايدن يتعرض هذه الأيام لضغوط من أطراف عدة لتشديد العقوبات على إيران وفرض عقوبات جديدة، ضغوط من حكومة نتنياهو المتطرفة، وأخرى من نواب في الكونغرس وزعماء جمهوريين في مجلس النواب موالين لإسرائيل، وثالثة من اللوبي الأمريكي القوي الداعم لدولة الاحتلال داخل الولايات المتحدة.
والهدف في النهاية من تلك الضغوط هو معاقبة إيران على فعلتها “الشنعاء” من وجهة نظرهم، وهي توجيه سلاحها وصواريخها وطائرتها المسيرة إلى الكيان المدلل، وهي جريمة كبيرة لم تحدث من قبل بشكل مباشر. وقطع الإدارة الأميركية عن إيران عائدات نفطية ضخمة تستخدم في تمويل أنشطتها داخل منطقة الشرق الأوسط.
ولذا يضغط هذا اللوبي بشدة على بايدن لمعاقبة إيران عبر عرقلة صادراتها النفطية وربما تجفيف منابعه، وهو أمر إن حدث سيشكّل ضربة للاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلاً من أزمات عدة، غلاء جامح وتضخم حاد وتراجع في قيمة العملة.
فالإيرادات النفطية هي الرئة الكبرى التي تتنفس منها الدولة الإيرانية والمصدر الرئيسي للنقد الأجنبي، فوكالة الطاقة الدولية قدرت إجمالي الإيرادات التي حصلت عليها الحكومة عن مبيعات النفط في عام 2022 بأكثر من 54 مليار دولار.
كما بلغت عائدات إيران النفطية في الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي 34 مليار دولار، وهو ما يمثل 12% من إجمالي الدخل النفطي للدول الأعضاء في منظمة أوبك.
هنا من السهل على إدارة بايدن الاستجابة لتلك الضغوط وكسب ود اللوبي الداعم للكيان الصهيوني وفرض عقوبات على النفط الإيراني، خاصة أنه مقبل على انتخابات رئاسية حساسية يتنافس فيها مع منافس شرس هو دونالد ترامب الذي أسقطته أزمات الاقتصاد والتضخم الجامح وتداعيات جائحة كورونا في الانتخابات الرئاسية الماضية التي جرت عام 2020.
لكن في المقابل فإنّ بايدن يتردّد ألف مرة في اتخاذ هذا القرار الصعب والشائك، فقطع النفط الإيراني عن الأسواق الدولية سيترتب عليه حدوث قفزة في سعر النفط.
فإيران تنتج نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً، وهي ثالث أكبر منتجي الخام في منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” بعد السعودية والعراق.
وقطع هذه الكميات قد يعيد للأسواق سيناريو اضطرابات الأسواق في فترة ما بعد اندلاع حرب أوكرانيا حين قفزت الأسعار إلى نحو 140 دولاراً للبرميل في مارس 2022. وبعدها شهد العالم موجة تضخمية كانت الأعنف منذ 40 عاما.
وفي حال حدوث قفزة في سعر النفط فإنها ستنعكس على أسعار مشتقات الوقود الأخرى من بنزين وسولار ومازوت وربما غاز منزلي داخل الولايات الأميركية.
وهنا ستقفز أسعار كل شي داخل الأسواق، ويعود شبح التضخم، ويؤجل البنك الفيدرالي الأميركي خطط خفض سعر الفائدة الرامية لإنعاش الأسواق وتحريك أنشطة الاقتصاد وخفض تكلفة الأموال وتفادي الوقوع في خطر الركود.
والنتيجة دخول بايدن في مواجهة ليس فقط مع اللوبي الداعم لإسرائيل، لكن مع المواطن والأسرة الأميركية اللذين لا يهمهما كثيراً ماذا يحدث في منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا وغيرها من حروب أو نزاعات، لكن يهمهما في المقام الأول سعر لتر البنزين والسولار وحركة الأسعار وما إذا كان يناسب دخله وقدرته الشرائية أم لا.
لنضف إلى تلك الاعتبارات وغيرها أن فرض عقوبات أمريكية جديدة على النفط الإيراني قد يغضب الصين؛ أكبر مشترٍ لذلك النفط، إذ تستورد بكين تقريباً 90% من صادرات النفط الإيراني. وبالتالي زعزعة استقرار العلاقات بين الولايات المتحدة والصين والتي يحاول الطرفان ترميمها.
كما أن فرض عقوبات أمريكية على النفط الإيراني سيزيد الصراع في منطقة الشرق الأوسط، فإيران لن تقف صامتة مكتوفة الأيدي، بل يمكنها زيادة حدة التوتر عبر أذرعها في لبنان واليمن وسورية والعراق.
في ظل تلك المعادلة المعقدة والشائكة، هنا قد يلجأ بايدن إلى خيارات أخرى ليس من بينها قطع شريان النفط الإيراني عن أسواق الطاقة.