د. رضوان جاب الله يكتب: «ترعة الإبراهيمية» أعظم الإنجازات في مصر الحديثة
صنفت ترعة الإبراهيمية على أنها أعظم عمل يدوي صنعه الإنسان في العصر الحديث وغير وجه الحياة في مصر.
بجهود مهندسين مصريين و100 ألف عامل ومئات المشرفين والنظار حفروا قناة صناعية يبدأ فمها من محافظة أسيوط.
ويمتد طولها 268 كيلو متر طولا و70 مترا في العرض وثمانية أمتار في العمق لتنتهي عند قرية أشمنت في بني سويف.
-إنها الترعة الصناعية العظيمة التي أضافت لمصر زراعة 2 مليون فدان دفعة واحدة وأضافت لإنتاج مصر 50% من الإنتاج الزراعي دفعة واحدة.
وازدهرت على ضفافها مئات المجتمعات العمرانية وبلغت الإفادة منها إعاشة عشرة ملايين مصري والآن قد تصل إلى 15 مليون.
وحولت ري الحياض في ثلاث محافظات أسيوط والمنيا وبني سويف إلى ري دائم ووفرت موسما زراعيا إضافيا.
مما جعلها من أعظم الإنجازات في مصر الحديثة وسهلت فيما بعد قيام السد العالي.
-عرضها على الخديو إسماعيل مهندسون مصريون فوافق عليها وخصص لها الميزانية اللازمة.
ومن هؤلاء المهندس المصمم دويدار محمد باشا وأكمل المرحلة الثانية منها المهندس سلامة سلامة باشا.
وأكمل المرحلة الأخيرة المهندس بهجت والمهندس إسماعيل وهؤلاء المهندسون كل مهندس كان يتمتع برتبة كبير مهندسي الوجه القبلي.
وكلما انتهت مدة خدمته واصل المهندس التالي له الخطة والتصميم بسلاسة ودون تقليل من دور من سبقه.
واستغرق العمل 6 سنوات ابتداء من عام 1867 حتى الافتتاح في 1873م وكان العمل على أشده في أثناء الشتاء.
-أسماها الخديو إسماعيل بـ الإبراهيمية على اسم والده إبراهيم باشا وفاء له وتقاطعت عند أسيوط أيضا مع المجرى الفرعي الطبيعي للنيل المعروف بـ«بحر يوسف».
الذي يعد شريان الحياة لمحافظة الفيوم بكاملها فصار فم الإبراهيمية عند أسيوط من أهم المناطق الإستراتيجية في مصر لكونه يغذي أربع محافظات.
وبناء على هذا التقاطع أنشئت في عهد الخديو عباس والملك فؤاد وبعد الملك فاروق تطويرات وتوسعات وقناطر وأهوسة (جمع هويس).
لضبط تداخل ومستويات المياه بين تدفقات المياه في الإبراهيمية وبحر يوسف والقنوات المستحدثة الأخرى التي أضيف فيما بعد.
لزيادة جرعات المياه لمحافظتي أسيوط والمنيا، وكان أهم تطوير بعد 26 عاما من افتتاح ترعة الإبراهيمية هو بناء قناطر أسيوط التي وازنت تدفق المياه بين كل هذه الفروع.
-الإبراهيمية صفحة مهمة في تغيير وجه الحياة في مصر كلها بما أضافته وبما بذله فيها الشعب وبما تحتاجه من حماية وصيانة وتطوير وفي هذا شجون كثيرة.
أولها: أن المشروع قد شارك فيه عمال مصريون بالسخرة 100 ألف على أقل تقدير تعرضوا للسخرة وحرموا من حقوقهم وتعرضوا للقهر.
واختلط عرقهم بدموع المهانة والقهر بدمائهم وتقطع أكبادهم من العمل تحت سياط العمد والمشايخ والحراس وعونة الحراس.
ودفن الآلاف منهم في جنبات الإبراهيمية وظلوا مفقودين لأهلهم وهي جريمة لم تداوها مصر بعد لا على مستوى البحث العلمي ولا على مستوى التحقيق التاريخي.
ولا كشفت أبعاد هذه الجريمة المنكرة وهذه المظالم مع أن كل محافظة بها كشوف لهؤلاء الفلاحين والعمال الذين ظلموا.
ولنسألن جميعا بأي ذنب قتلوا؟ وبأي ذنب لم يأخذوا أجورهم وحقوقهم. فلا بد أن يتطهر ضمير مصر من هذه الجريمة.
ويفتح تحقيق لتأمل هذه الجريمة وينتج عنها عمل يمنع وقوعها مرة أخرى
ثانيها: ما تتعرض له ترعة الإبراهيمية من إهمال وترك وتعديات فقد أقيمت عليها الكفتريات غير القانونية وبعض دورات المياه.
وصارت مكبا للنفايات ومخلفات المصانع كما كتبت صحيفة الأهرام في 2010 الإبراهيمية من ترعة إلى مصرف؟
وقد أقيم عليها كوبري في منقباد بأسيوط 2014 مخالف لشروط تصميم الإبراهيمية أنها تستخدم للنقل البحري والسياحة والتنزه.
مما يوفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل وكوبري آخر يزمع إقامته
ثالثا: الإبراهيمية مشروع زراعي صناعي وله تأثيرات ديموغرافية وحيوية للمجتمع المصري.
وهو مشروع استراتيجي يعني يحتاج لحمايته عند منابعه وقناطره من أي عدوان خارجي.
وكلنا يتذكر كيف قصف العدو في حرب الاستنزاف قناطر بني صالح في الفشن.
ويحتاج تأمين وحماية من التعديات للباحثين عن مصالحهم وليس عن المصالح العمومية.
ويحتاج لأكفأ المهندسين وأخلص السياسيين والإعلاميين ولكل مثقف ويحتاجنا جميعا لبناء وعي شعبي.
وهو أهم ضمان لحماية الحياة وحق الأجيال ويمكن إعادة النظر من أجل تطويره وصيانته بمشاركة شعبية.
استغرب بعض أصدقائي أنني في تسعينيات القرن الماضي كنت أوزع خطبة الجمعة في الشهر مرة عن الأرض ومرة عن الماء والترع والمصارف.
ومرة عن الأخلاق والسلوك والخطبة الرابعة تكون عن تفسير أو حديث أو سيرة.
وأذكر الخطبة التي خصصتها لترعة مالك الحرجة ومتى أنشئت؟ وأهميتها لحياتنا وحياة البلدان التي حولنا والتعديات التي كانت عليها وإلقاء الحيوانات النافقة فيها.
مما سبب لي بعض الحرج! بسبب توعية الناس بأهمية شرايين الحياة التي يكون الحفاظ عليها جزء من الدين والعقيدة.
رابعا: تدوين تاريخ الإبراهيمية مسؤولية علماء التاريخ والكشف عن وثائقها مهمة علماء الوثائق.
ومناقشة أبعادها الجغرافية وإطارها السياسي والاجتماعي والثقافي وهي مسؤولية مشتركة للجامعات ومراكز البحوث ووزارة الري والبيئة.
لأنها تجربة وإنجاز دفع أهلنا دماءهم وثمرة شبابنا قدموا فيه أرواحهم ليكون لنا حياة لا أنصفناهم ولا حافظنا على ما تركوه لنا من ميراث ينبض بالحياة.
أقول ذلك وأفوض أمري إلى الله وأبرأ إليه من الخطأ والمظالم وحفظ الله بلادنا ورحم الله شهداءنا الذين طواهم النسيان.
——————
د. رضوان جاب الله
الأستاذ بكلية اللغة العربية.. جامعة قطر