الأثنين سبتمبر 30, 2024
مقالات

يسري الخطيب يكتب: المسكوت عنه من تاريخ «سكة حديد الحجاز»

– أعظم مشروع في القرن العشرين، ليس لخدمة الحجاج فقط، وإنما للأمة كلها

– كان يمتد من دمشق إلى المدينة المنورة، عبر منطقة الحجاز في الجزيرة العربية، وخط فرعي آخر إلى حيفا الفلسطينية، على ساحل البحر المتوسط، وتسببت الحروب العالمية في توقف وصوله لبقية أنحاء العالم الإسلامي، وربطها بدولة الخلافة الإسلامية.

– بعد 6 سنوات من البدء في المشروع، كان القطار قد بدأ فعليًا في نقل الركاب وشحن البضائع، عندما وصل إلى محطة (معان) الأردنية، انطلاقًا من (دمشق) ومرورًا بـ(عمّان)، ثم واصل المشروع تقدمه في السنوات التالية إلى محطات مدائن صالح والمدينة المنورة.

– لم يكن عبد الحميد من السلاطين ذوي الأحلام الشخصية أو المظهرية، فقد كان رجلاً عمليًا، يحمل أعباء دولة وأمة، وتركة ثقيلة آلت إليه، وكما كتب في مذكراته إنه كان يحلم بربط أمة الإسلام ببعضها، للتيسير على الناس في تنقلاتهم بين البلدان، وللشعور فعليا أننا أمة واحدة.

– كان الحجاج المسلمون يلاقون صعوبات كبيرة أثناء تأديتهم هذه الفريضة قبل إنشاء الخط الحجازي، منها طول المسافة، حيث كان طريق الحج العراقي يقترب من (1300) كيلو متر، وتستغرق الرحلة فيه شهرًا كاملًا.. أما طريق الحج المصري فيبلغ من سيناء (1540) كيلو متر، ويستغرق أربعين يومًا، ويزيد 5 أيام من طريق عيذاب.. وطريق الحج الشامي يمتد (1302) كم، وتستغرق الرحلة فيه 40 يومًا.. أما حجاج المناطق النائية من العالم الإسلامي فكانت رحلتهم تستغرق 16 شهرًا وأكثر؛ وهو ما جعل بعض الأغنياء يتقاعسون عن أداء الحج، نظرًا لطول المسافة ومشاق السفر، وندرة المياه، وغارات (قطّاع الطرق) وقتلهم للحجاج وسلب أموالهم، فكان الحاج يودّع أهله، وبلده، ويكتب وصيّته، وأما حجاج البلاد النائية الذين كان طريق الحج يستغرق من عمرهم في الذهاب والعودة سنوات، فكانوا يعودون ليجدوا أطفالهم قد كبروا، وأهلهم قد رحلوا…

– في 1 سبتمبر 1908م، انتهت المرحلة الأولى، وتم تشغيل القطار، فازدادت أعداد الحجاج والزوار القادمين إلى المدينتين المقدّستين بالحجاز إلى 300 ألف حاج، بعد أن كانت لا تتجاوز 80 ألفًا قبل إنشاء الخط الحديدي؛ فقد اختصر هذا الخط المدة الزمنية اللازمة لطريق الحج من ثلاثة أشهر لتصبح ثلاثة أيام تقريبًا.

– نجح المشروع نجاحا مدهشا، وحقق قفزات اقتصادية هائلة، بسبب سرعة نقل البضائع بين بلدان العالم الإسلامي؛ وأدرك الغرب مدى خطورته، وأن هذا المشروع سيوحّد المسلمين من جديد، ويثرِي اقتصادهم وحياتهم، ولذا يقول المؤرخ البريطاني الحاقد «أرنولد توينبي» أحد ألد أعداء التاريخ الإسلامي: (إن السلطان عبد الحميد كان يهدف من سياسته الإسلامية إلى تجميع مسلمي العالم تحت راية واحدة، وهذا لا يعني إلا هجمة مضادة يقوم بها المسلمون ضد العالم الغربي الذي استهدف عالم المسلمين)

– انهالت التبرعات من كل أثرياء العالم الإسلامي، لتكملة المشروع الحلم، وربط كل بلدان العالم الإسلامي ببعضها.. وافتتح السلطان قائمة المتبرعين بمبلغ خمسين ألف ذهب عثماني من ماله الخاص، مع مائة ألف ذهب عثماني من صندوق المنافع.. وجاءت أكثر التبرعات من: إيران، والسودان، والهند، والجزائر، ومصر، وساهمت بعض الصحف المصرية في الدعاية للمشروع بحماسٍ شديد مثل جريدة المؤيّد، وجريدة اللواء؛ حتى بعض المعارضين لحُكم السلطان عبد الحميد، أيّدوا المشروع، وشاركوا في حملة الدعاية له..

– كان العاملون في مشروع السكة الحديد يُمنحون راتبا شهريا.. وليس (سُخرة) كما حدث في حفر قناة السويس..

– كانت بريطانيا تعمل على عرقلة المشروع.. وفي وثائق الأرشيف البريطاني؛ التي ظهرت بعد ذلك.. تقارير سرية متبادلة بين سفير بريطانيا في الآستانة، ووزير خارجيته، ومخاوفهم من تكملة المشروع وخطورته.

– بلغت التكاليف في الفترة من 1900م – 1908م، نحو (3,919,696) ثلاثة ملايين وتسعمائة وتسعة عشر ألفًا، وستمائة وستة وتسعين ليرة عثمانية، وقد بلغت أطوال الخطوط نحو (1464) ثم زادت أطوال الخطوط الحديدية بعد إنشاء خطوط فرعية امتدت بين بيروت ودمشق، وحمص، وحيفا، والقدس؛ بالإضافة إلى خطوط رياق وحلب، وبذلك تم الربط بين العاصمة إستانبول وبين الحجاز، وبين ولايات الدولة العثمانية في منطقة الشام، وهي حاليًا: (سوريا والأردن ولبنان وفلسطين)، ووصل طول الخطوط إلى (5792) كيلومترا، وبالتالي زادت التكاليف إلى (4,558,000) أربعة ملايين وخمسمائة وثمانية وخمسون ألف ليرة عثمانية.

– كانت في كل قطار (عربة) مخصصة للصلاة، وتم تعيين إمام ليؤمّ المصلين فيه، وكانت حركة القطار وتوقفاته، منظمة حسب أوقات الصلوات الخمس.

– بعد خلع السلطان عبد الحميد، في 27 أبريل 1909م. وتولِّي جماعة الاتحاد والتّرقِّي لمقاليد الحكم في البلاد، استمر العمل في المشروع، ولكن لأهداف سياسية، وليست دينية، ولذا توقفت التبرعات، ودخل المشروع في مرحلة الموت الإكلينيكي..

– في 10 يونيو 1916م، بدأت الثورة العربية ضد دولة الخلافة، بقيادة الخائن: الشريف حسين، في مكة المكرمة، وامتدت حتى وصلت إلى سوريا والعراق، وبدأت المناداة لأول مرة بـ(القومية العربية) بديلا عن (الأمة الإسلامية).. واتحدت قبائل الجزيرة العربية المسلّحة مع بريطانيا ضد تركيا المسلمة، واستمرت خيانة الحكام وبعض المحكومين إلى يومنا هذا.. ولله الأمر من قبل ومن بعد

– كان الأمر الأول يوم 10 يونيو 1916م، للخائن الشريف حسين، قائد الثورة العلمانية، لرجاله بـ(تخليع) قضبان خط سكة حديد الحجاز!!!…

Please follow and like us:
يسري الخطيب
- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب