مقالات

د. محمد الشرقاوي يكتب: الغزالي وابن رشد

الغزالي وابن رشد عملاقان عظيمان مؤثران في تاريخ الفكر الإنساني والإسلامي، لكن الغزالي كان أكثر عقلانية ونقدية من ابن رشد؛ لأنه استوعب فلسفة اليونان.. ووضعها على ميزان النقد العقلي فقبل منها أشياء، ورفض منها أشياء؛ مؤسسا قبوله ورفضه على براهين العقل ومقاييسه،

بينما سلَّم ابن رشد بفلسفة أرسطو تسليماً عجيباً غريباً، ولم يفعل فعل أبي حامد الغزالي، فلم يضع فلسفة أرسطوطاليس أو فلسفة اليونان على محك النقد العقلي الخالص،

في حين كان أكثر نقده لمناهج علماء الكلام المسلمين وللغزالي.

(لقد حبس ابن رشد عقله تحت سقف يوناني ووضعه تحت وصاية ارسطو.. وبقي أسيرا سلفيا مقلدا.. بينما انطلق العقل الغزالي.. وحلق عاليا في آفاق بعيدة.. وأصاب كثيرا.. وأخطأ كثيرا، لكنه لم يكن سلفيا مقلدا)!!

إنَّ اهتمامي بابن رشد (الفيلسوف الفقيه، أو الفقيه الفيلسوف) وتراثه يرجع إلى أيام الطلب في الجامعة، وقد اهتممت به وأحببته بسبب من تدريس أستاذنا الكبير محمود قاسم فلسفة ابن رشد لنا؛ وكان أستاذنا متخصصا في فلسفة ابن رشد عاشقا له، وقد حصل على درجة دكتوراه الدولة من جامعة السوربون في موضوع فلسفة ابن رشد وتأثيرها في فلسفة توما الأكويني. (ويعد محمود قاسم، رحمه الله تعالى، واحدا من الآباء المؤسسين للدرس الفلسفي في مصر)

ثم سجَّلتُ رسالتي للدكتوراه في دراسة (مبدأ العلية بين ابن رشد وابن عربي)، وقد عشتُ وعايشتُ تراث ابن رشد عددا من السنين، وتحمستُ له كثيراً جدا، لكن حماسي له لا يمنعني أن أقر بأنَّ أبا حامد كان -في موقفه من فلسفة أرسطو واليونان- كان عقلانياً ناقداً، أكثر من أبي الوليد ابن رشد الذي لم يقف الموقف ذاته. وربما فسَّر لنا هذا ضعف ردود ابن رشد في (تهافته) على كتاب الغزالي (تهافت الفلاسفة)، ومن هنا فإنَّ الغزالي يعد بحق رائد العقلانية والنقدية في تاريخ الفكر الإسلامي، وليس ابن رشد، كما كنتُ أعتقد ذلك، وأتحمس له.

د. محمد الشرقاوي

أستاذ الفلسفة الإسلامية، والدراسات الدينية والاستشراقية في جامعه القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى